سافر الرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل/نيسان من العام 2015، إلى قلب منطقة دارفور التي تعصف بها الصراعات لتهنئة أحد قادته المختارين بعناية بعد تحقيق انتصار مؤخراً على المتمردين.
بحسب تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية فقد قاد الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، ما تُعرف بـ"قوات الدعم السريع" في سلسلة من حملات مكافحة المتمردين في دارفور وولايات أخرى مضطربة. وُلدت هذه القوات شبه العسكرية من رحم ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة، وتقول الجماعات الحقوقية إن القوات التي كانت تحت إمرته استخدمت عديداً من الأساليب الوحشية للميليشيات.
أخبر البشير حشداً مبتهجاً، مخاطباً دقلو بينما كان يبرز من سيارة لاندكروزر في هذا القيظ الشديد، قائلاً: "لقد وقعت على قائمة الترقيات التي تلقيتها منك بدون حتى النظر فيها"، وذلك حسب رواية معاصرة للحشد.
بعد 4 سنوات أصبح حميدتي ثاني أقوى رجل في السودان
وبعد أربع سنوات من هذا التاريخ، صار البشير معتقلاً في أحد سجون العاصمة السودانية الخرطوم، وصار حميدتي -الذي ينحدر من عائلة تعمل في تجارة الجمال في ولاية نائية- ثاني أقوى رجل في السودان.
إذ يشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد إطاحة البشير من منصبه في أبريل/نيسان، في أعقاب أربعة أشهر من الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد. وفي عمر الـ 44 عاماً، يعتبر حميدتي أيضاً أصغر عضو في المجلس. ويقول إنه رفض أوامر من البشير لإطلاق الرصاص على المحتجين، وامتدحهم مؤخراً في نهاية الأسبوع الماضي قائلاً: "نريد الديمقراطية التي يتحدثون عنها".
ينظر كثيرون إليه على أنه حليفٌ يقف موقف الضد من الحركة الإسلامية التي نظمت انقلاب البشير في 1989 وقوَّضت نظامه. أمدَّ حميدتي التحالف الذي تقوده السعودية ويقاتل المتمردين المنحازين إلى إيران في اليمن بقوات برية، ويمكنه الاعتماد على دعم السعوديين والإمارات ومصر، وهي دول تأمل أيضاً تهميش الإسلاميين.
لكن صعوده السريع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع المتواصل في موطنه دارفور
حيث اُتهمت قواته بمواصلة حملة إحراق الأرض ضد المتمردين، وهي الحملة التي أطلقها البشير في 2003، وبسببها أدانت المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السابق لارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
لم يتورط حميدتي، في الأعمال الوحشية التي اُرتكبت في دارفور عامي 2003 و2004، عندما اُجتيحت المنطقة على يد ميليشيات الجنجويد المدعومة من الحكومة، التي أحرقت القرى. وتم قتل حوالي 300 ألف شخص وتعرض مليونين و700 ألف شخص للتشريد القسري في السنوات الأولى من الصراع، قبل أن يتراجع العنف تدريجياً.
في لقاء مع مخرجي فيلم وثائقي عام 2008، قال حميدتي إن البشير طلب منه شخصياً أن يقود الحملة ضد المتمردين في دارفور، لكنه أنكر أي تورط في الهجمات ضد المدنيين وقال إنه رفض أوامر بشن هجمات على مناطق المدنيين.
يربط مجدي الجزولي، الباحث في معهد ريفت فالي -وهي مؤسسة فكرية تركز على شرق إفريقيا- بين صعود حميدتي وبين لجوء الجيش إلى تعهيد الصراع إلى القوات المحلية.
وقد قال: "من حيث الجوهر، كان هو السبب في هزيمة المتمردين في دارفور، لأنه كان قادراً على تجنيد قوة قتالية فعالة عرفت التضاريس المحلية جيداً، وعرفت الجغرافيا جيداً، وكان لديها معول لتضرب به المجتمعات الزراعية في درافور".
كانت قوات التدخل السريع، التي تشكلت في 2013 وصارت في النهاية تضم حوالي 10 آلاف مقاتل، بطريقة ما محاولة لفرض مزيد من الانضباط على الميليشيات العربية وربطها ربطاً أوثق بالقوات المسلحة. وتحت قيادة حميدتي، شنت قوات التدخل السريع حملتين لمكافحة المتمردين في دارفور، في عام 2014 وعام 2015.
ارتكبت قواته انتهاكات مروعة بدارفور
توصل تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش المستقرة في نيويورك إلى أن قوات التدخل السريع "ارتكبت مجموعة واسعة من الانتهاكات المروعة"، بما في ذلك التشريد القسري لمجتمعات بأكملها، وتدمير الآبار ونهب الماشية. وأضاف التقرير: "كان التعذيب وعمليات القتل خارج نطاق القضاء والاغتصابات الجماعية ضمن أفظع الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين".
في الأسبوع الماضي، قالت جيهان هنري، الباحثة في الشأن السوداني بمنظمة هيومن رايتس ووتش: "نظراً إلى أنه قائد قوات التدخل السريع، تحمَّل حميدتي مسؤوليات الهجمات ضد المدنيين التي نفذتها قواته، والتي قُتل فيها المدنيون وأُحرقت القرى عن بكرة أبيها. والحقيقة التي تشير إلى أن حميدتي الآن نائب رئيس (المجلس العسكري الانتقالي) لم تُنسَ بالنسبة لأهل دارفور الذين أتحدث إليهم".
لم توجه المحكمة الجنائية الدولية أي اتهامات ضد حميدتي. لكنها قالت في تقرير صادر في 2014، إن قوات التدخل السريع تحت قيادته كانت "مماثلة لبنية وأسلوب عمل" الجنجويد"، مع "نموذج مماثل من الهجمات العشوائية وغير المتناسبة ضد المدنيين".
برأ نفسه خلال الاحتجاجات بهجوم مفاجئ على البشير
يبدو أن قوات حميدتي برأت نفسها بصورة أفضل خلال الاحتجاجات ضد راعيها القديم البشير، التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول حول ارتفاع سعر الخبز وتصاعدت وتيرتها بسرعة لتصير ثورة شعبية. إذ يقول إن قواته، مثلها مثل الجيش النظامي، رفضت أوامر البشير باستخدام العنف لتفريق المشاركين في اعتصام خارج مقار الجيش بالخرطوم في 6 أبريل/نيسان. أطاح الجيشُ البشيرَ من السلطة بعد خمسة أيام، لينهي عهداً استمر لـ 30 عاماً واتسم بالقمع والحرب الأهلية.
ظل المحتجون في الشوارع، مطالبين الجيش بتسليم السلطة بسرعة إلى حكومة مدنية. غير أنه بينما أجبر المحتجون كثيراً من الضباط على الاستقالة من المجلس بعد التذمر لأنهم كانوا قريبين جداً من النظام السابق، لم تكن هناك دعوات منتشرة لمطالبة حميدتي بالاستقالة.
قال الجزولي: "كثير من الأشخاص، بمن فيهم بعض من أبرز ديمقراطيي السودان، يعتبرونه ثقلاً موازناً للحركة الإسلامية. وكثير من الأشخاص في الخرطوم قد يكونون مستعدين للتسامح معه لمدة. ولست متأكداً مما يمكنهم القيام به فور انتهاء هذا".
التقى حميدتي على مدار الأسابيع التي أعقبت إطاحة البشير سفراء غربيين ومبعوثين آخرين في مكتبه داخل المقر الرئاسي. وقد قال إنه غير مهتم بالسعي وراء منصب أعلى، ودعا إلى حكومة من التكنوقراط.
حذر المتظاهرين من الفوضى ولوح باستخدام القوة
قال حميدتي السبت 18 مايو/أيار: "نريد ديمقراطية حقيقية، وانتخابات حرة ونزيهة. ومن يريده الشعب السوداني هو الذي يحكم".
لكنه حذر المحتجين كذلك من أي فوضى أخرى، ملمحاً أواخر الشهر الماضي إلى احتمالية لجوء الجيش إلى استخدام القوة إذا استمرت الاضطرابات. فرّقت القوات الحكومية في دارفور بعنفٍ مسيرةً في وقت سابق من هذا الشهر خارج منشأة عسكرية، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات قُتل فيها متظاهر يبلغ من العمر 18 عاماً.
وعبر المحتجون في الخرطوم في غضون ذلك عن إحباطهم المتزايد من المجلس العسكري، متهمين إياه بتعمد التباطؤ للحفاظ على أغلب نظام البشير دون مساس. ومع تصاعد التوترات، قد تنطوي مهمة الموازنة التي يضطلع بها حميدتي على صعوبات أكبر.
قالت شمائل النور، الناشطة في تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد التظاهرات: "كان حميدتي يفكر في أنه أحد قادة التغيير لأنه كان على الحياد في الاحتجاجات. اعترف المحتجون برفضه استخدام القوة ضدهم، لكنه في دارفور يُنظر إليه باعتباره مجرم حرب".