قال متحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس السويسري أولي ماورر بحثا الأزمة في الشرق الأوسط وفنزويلا خلال اجتماعٍ عُقد الخميس 16 مايو/أيار 2019.
وأضاف جاد دير في بيان: "الرئيس ترامب عبَّر عن امتنانه لدور سويسرا في تسهيل أمور الوساطة الدولية والعلاقات الدبلوماسية نيابة عن الولايات المتحدة".
ولم يقُل المتحدث ما هو ملف الشرق الأوسط الذي تمت مناقشته، لكن الجمعة الماضية ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن البيت الأبيض مرَّر رقم الهاتف الخاص بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سويسرا، لمنحه إلى قادة إيران "إذا رغبوا في الاتصال به".
ونقلت الشبكة هذه المعلومة عن مصدر دبلوماسي وصفته بالمطَّلع، دون الكشف عن هويته.
وذكر المصدر أن "الجانب السويسري أكد للبيت الأبيض أنه لن يمنح الرقم لقادة إيران، ما لم يطلبوه". ودعا ترامب القيادة الإيرانية إلى الجلوس والحوار معه بشأن التخلي عن برنامج طهران النووي.
وقال في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض: "ما ينبغي لهم فعله هو أن يتصلوا بي ونجلس.. بوسعنا التوصل إلى اتفاق.. اتفاق عادل.. كل ما نريده منهم ألا يمتلكوا أسلحة نووية.. وهذا ليس بطلب كبير.. وسنساعدهم في العودة إلى وضع أفضل".
يشار إلى أنه لا تربط الولايات المتحدة وإيران أي علاقة دبلوماسية رسمية، في حين تمثل سويسرا مصالح الولايات المتحدة في طهران، بحسب "سي إن إن".
كيف كان ردُّ طهران على تمرير رقم ترامب الخاص؟
بعد تسريب خبر وضع ترامب رقم هاتفه الخاص لتمريره عبر سويسرا إليهم، قال رئيس لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، إنه "لا أحد من طهران سيتصل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
وأردف: "لا أحد من المسؤولين الإيرانيين سيتصل بترامب. على الأمريكيين مستقبلاً، أن يتحلَّوا بجدية أكبر، في المحادثات مع إيران".
الحرس الثوري وإعفاءات النفط
وتزامناً مع مرور عام على انسحابه الأحادي الجانب من الاتفاق النووي، أدرج ترامب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وألغى إعفاءات كبار مستوردي النفط والغاز الإيرانيين مثل الصين والهند، وفرض عقوبات أشد على تصدير إيران الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس. وبعدما زاد من الضغوط على القيادة الإيرانية بفرض مزيدٍ من القيود على نفوذها الجيوسياسي واقتصادها، مدَّد ترامب عرضه للتفاوض شخصياً. ففي حديثه مع الصحفيين في البيت الأبيض يوم الخميس الماضي، قال ترامب: "أود أن أراهم (قادة إيران) يتصلون بي… ما ينبغي لهم فعله هو الاتصال بي، والجلوس معي. حينئذٍ، يمكننا الوصول إلى اتفاق، اتفاق عادل".
لكنَّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون ووزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو لديهما متطلباتٌ كبيرة لأيِّ تسوية. إذ يسعيان إلى "سد أوجه القصور" في الاتفاق النووي التي تشمل محدودية التحقُّق من المنشآت والمواد النووية المعلنة، والافتقار إلى حق دخول مواقع تطوير الأسلحة النووية المشتبه فيها، والمدة الزمنية القصيرة التي يُسمَح بعدها باستئناف الأنشطة النووية، وعدم فرض قيود على أنظمة إيصال الأسلحة النووية.
ويؤكد الرجلان أنَّ "طهران يجب أن تمتثل امتثالاً تاماً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بالتوقف عن مشاركة التكنولوجيا النووية. ومن مصادر القلق الرئيسية الأخرى صواريخ إيران، التي يمكن أن تصل عبر الشرق الأوسط إلى أجزاء من أوروبا وآسيا، والتي يجب الحد منها". ويرى بولتون وبومبيو أنَّ "توسُّع إيران الإقليمي لا يزعج حلفاء أمريكا مثل إسرائيل والسعودية فحسب، بل يثير كذلك عدم الاستقرار والاستبداد".
وبينما يُقِرُّ ترامب بـ "مخاوف" بولتون وبومبيو، ويردِّد في كثير من الأحيان تصريحاتهما العدوانية، فقد شدَّد على غايةٍ أكثر تحديداً. إذ أوضح في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017 أنَّ هدفه هو "ضمان ألَّا تمتلك إيران سلاحاً نووياً أبداً". وقد أكَّد ترامب تمسكه بهذا الموقف في حديثه إلى الصحفيين يوم الخميس الماضي، قائلاً: "لا نريدهم أن يمتلكوا أسلحة نووية. هذا ليس طلباً صعباً". حتى إنَّ الرئيس الأمريكي انتقد التقارير التي تفيد بأنَّ مسؤولي إدارته يعتزمون نشر أعدادٍ كبيرة من القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، ووصفها بأنَّها "أخبار كاذبة".
إلى ذلك، ترى "سي إن إن"، أنَّ تصرُّفات ترامب على الساحة العالمية ليست نابعة من مُنطَلَق "أيديولوجي"، على عكس تصرفات بولتون وبومبيو، لكنَّ ترامب هو من يتحكم في مقاليد الأمور. لذلك، حين عرض إجراء مكالمة مع إيران، قال: "لا نبحث عن إيذاء إيران. أريدهم أن يكونوا أقوياء وعظماء، وأن يكون لديهم اقتصاد عظيم". أي أنَّ المهم بالنسبة لترامب هو أن يحصل على نتيجةٍ تجعله يبدو شخصاً "جيداً"، وفي المقابل، سيعيد دمج إيران في النظام العالمي، حتى "تستطيع أن تكون قويةً اقتصادياً للغاية". وحينئذٍ، يُمكِن لنظام آيات الله والحرس الثوري الإيراني، الذين يسيطرون معاً على ثلث الاقتصاد الإيراني، المحافظة على بقاء النظام وجني أرباحٍ طائلة، بحسب وصف "سي إن إن".
السعوديون أدركوا رغبات ترامب.. يريد أرباحاً طائلة
تضيف "سي إن إن": يتضح هنا أنَّ تحركات ترامب تهدف إلى تعظيم ذاته مع جني أرباحٍ طائلة. وقد أدرك آل سعود رغباته جيداً، لذا استقبلوه في الرياض في مايو/أيار من عام 2017 بصورٍ شخصية عملاقة له، ورقصاتٍ بالسيف، ومآدب فخمة، وفرصٍ اقتصادية. وفي المقابل، أكَّد ترامب مجدداً أن المملكة العربية السعودية "حليف عظيم"، مما أدى إلى تجاهل دورها في "تغذية التطرُّف" في جميع أنحاء العالم، ودعم أنظمة عربية استبدادية أخرى، وقمع المواطنين في داخل بلدان تلك الأنظمة.
وبالمثل، ستحتاج السلطات الإيرانية إلى التخلُّص من أيديولوجية "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"، والتركيز على المنافع المادية. ولكن حتى إذا استعاد البلدان العلاقة الإيجابية بينهما، فالوصول إلى اتفاقٍ جديد يُمثِّل الخطوة الأصعب والأقل فرصاً في النجاح. فرغم كل شيء، أعلنت إيران يوم الأربعاء الماضي، 8 مايو/أيار، أنَّها في غضون ستين يوماً ستُقلِّص التزامها بتطبيق المادتين 26 و36 من الاتفاق النووي -أي القيود المفروضة على تخزين اليورانيوم المُخصَّب والماء الثقيل- إذ لم تجد بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين طُرُقاً للتغلب على العقوبات الأمريكية المفروضة على القطاع المصرفي وقطاع الطاقة.
ولكن بعد ذلك بيومٍ واحد فقط، أشار ترامب إلى أنَّ كل ذلك جزءٌ من "فنِّ إبرام الاتفاقات"، وقال: "ينبغي لهم الاتصال بنا، وإذا فعلوا ذلك، فنحن مستعدون للتحدث إليهم". وهو بذلك يُكرِّر عرضه الذي قدمه أثناء مؤتمرٍ صحفي آخر في البيت الأبيض في يوليو/تموز من العام الماضي حين قال: "لا توجد شروط مسبقة. إذا أرادوا الاجتماع، سألتقي بهم. في أي وقت يريدون. فهذا أمر جيد للبلد، ولهم، ولنا، وللعالم كله".
تختم "سي إن إن" تقريرها بالقول: ينبغي لخامنئي أن يأمر روحاني بتلبية دعوة الاتصال بترامب. صحيحٌ أنَّ هذه المحادثات قد تنتهي بمأزقٍ آخر، لكنَّ وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف والمسؤولين الإيرانيين الآخرين يجب ألَّا يتجاهلوا كلمات ترامب ويعتبروها عروضاً فارغة. ففي ظل تعرُّض البلاد لـ "أسوأ ضغوط اقتصادية في السنوات الأربعين الماضية" وحربٍ سياسية "كاملة غير مسبوقة"، على حد وصف روحاني نفسه، ما الذي ستخسره؟ أمَّا ترامب، فما زال متفائلاً، إذ قال: "أنا واثقٌ من أن إيران ستريد التحدث قريباً".