نقلت صحيفة The New York Times الأمريكية عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين قولهم، إنَّ المعلومات الاستخباراتية التي تسبَّبت في تصعيد البيت الأبيض تحذيراته بشأن تهديد إيران مصدرها صور لصواريخ على متن زوارق في مياه الخليج، نصبتها قوات شبه عسكرية إيرانية.
وتُظهِر الصور العلوية صواريخ كاملة التجميع، ما تسبَّب في إذكاء المخاوف من أنَّ الحرس الثوري الإيراني قد يُطلِقها على سفن البحرية الأمريكية. وتشير معلومات استخباراتية إضافية إلى تهديداتٍ للملاحة التجارية، وهجماتٍ محتملة من جانب ميليشيات عربية لها علاقات مع إيران على القوات الأمريكية في العراق.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، لكنَّ مدى القلق الذي ينبغي أن تشعر به إدارة ترامب بسبب المعلومات الاستخباراتية الجديدة بات موضوع نقاشٍ قوي بين البيت الأبيض، ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وحلفاء أمريكا.
السبب في التصعيد الأمريكي
قال المسؤولون الثلاثة، الذين تحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لأنَّهم غير مُخوَّلين بالحديث عن الأمر علناً، إنَّ الصور تُمثِّل نوعاً مختلفاً من التهديد عما شُوهِد سابقاً من إيران. وإذا ما وضعناها إلى جانب المعلومات الاستخباراتية الأخرى، فإنَّ الصور ربما تشير إلى تحضير إيران لمهاجمة القوات الأمريكية. وهذه هي وجهة نظر جون بولتون، مستشار الأمن القومي المتشدد للرئيس ترامب، ووزير الخارجية مايك بومبيو.
لكنَّ مسؤولين آخرين –بما في ذلك الأوروبيون والعراقيون وأعضاء من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس وبعض كبار المسؤولين داخل إدارة ترامب- قالوا إنَّ تحركات إيران قد تكون في الغالب دفاعية، في مواجهة ما تعتقد طهران أنَّها أعمال استفزازية من واشنطن.
وفي كلتا الحالتين، تعكس التساؤلات بشأن المعلومات الاستخباراتية المُستنَد إليها، والشكاوى من جانب أعضاء الكونغرس بشأن عدم إطلاعهم عليها، عدم ثقة عميق في فريق ترامب للأمن القومي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
واستناداً للمعلومات الاستخباراتية الجديدة، أَمَرَت وزارة الخارجية الأمريكية الأربعاء 15 مايو/أيار، بإخلاءٍ جزئي لسفارة الولايات المتحدة في بغداد وقنصليتها في كردستان العراق، وهي خطوة قال مسؤول أمريكي كبير إنَّها تُمثِّل ردَّ فعل مُبالَغاً فيه على المعلومات الاستخباراتية، وربما تُعرِّض الدبلوماسيين للخطر أكثر مما تحفظ أمنهم.
غياب الشفافية من إدارة ترامب!
وانتقدت رئيسة مجلس النواب والنائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا نانسي بيلوسي، في اجتماعٍ مغلق للأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب، افتقار الإدارة للشفافية فيما يتعلَّق بالمعلومات الاستخباراتية، وذلك وفقاً لأحد المساعدين الديمقراطيين لبيلوسي. وقالت بيلوسي أيضاً إنَّ الإدارة لا بد أن تتشاور مع الكونغرس قبل اتخاذ أي إجراء، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تحدَّثت بيلوسي بعد ساعاتٍ من صدور أوامر بومبيو بإجلاء العاملين بالسفارة الأمريكية ببغداد، وكان بومبيو حين كان عضواً بالكونغرس من أشد المنتقدين لتعامل إدارة أوباما مع هجمات 2012 على البعثة والمرافق الدبلوماسية الأمريكية بمدينة بنغازي الليبية.
لكنَّ المسؤول الأمريكي الكبير قال إنَّ بومبيو كان يبالغ في ردِّ فعله، وقال مسؤولون عراقيون إنَّ مستوى التهديد الذي تُصوِّره المعلومات الاستخباراتية ليس طارئاً بالدرجة الكافية.
ومن المقرر أن يجتمع مسؤولون استخباراتيون الخميس مع قيادات بارزة بالكونغرس من أجل إطلاعهم على المعلومات الاستخباراتية الجديدة بشأن إيران. وتحدَّث تسعة مسؤولين أمريكيين بالأمن القومي والكونغرس عن المعلومات الاستخباراتية والمحادثات المغلقة بشأنها، شريطة عدم الكشف عن هُوياتهم لأنَّهم غير مُخوَّلين بالحديث عنها علناً.
حتى وقتٍ قريب، كان مسؤولو الحكومة الأمريكية يقولون إنَّ إيران تواصل دعمها المستمر للميليشيات العربية في المنطقة، لكنَّها لا تسعى لخوض معركة.
غير أنَّ هذا تبدَّل بعد المعلومات الاستخباراتية الجديدة في يوم 3 مايو/أيار، التي غيَّرت تقييم البنتاغون لمدى فورية التهديد. واستجابةً للمعلومات، طلبت القيادة المركزية بالجيش إرسال حاملة طائرات وقاذفات إلى الخليج، مُعيدةً بذلك بناء مظهر قوة الردع التي يعتقد بعض المسؤولون أنَّه تآكل بفعل عمليات سحب القوات في الآونة الأخيرة.
وفي يوم 5 مايو/أيار، أرسل البيت الأبيض بولتون لإعلان إبحار حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الخليج، في وقتٍ أقرب مما كان متوقعاً. وتسبَّب اختيار بولتون، الداعي منذ زمنٍ طويل لتغيير النظام في إيران، لإيصال تلك الرسالة في تأجيج الشكوك في صفوف الحلفاء، وكذلك الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس.
صورة الزورق الذي تسبب في انزعاج واشنطن
وفيما كان مسؤولو الجيش يكافحون لإظهار أنَّ التهديد القادم من إيران يتنامى، رفعت الاستخبارات السرية عن صورة لأحد الزوارق الصغيرة، اسمه "dhows"، وهو يحمل ما وُصِف بأنَّه صاروخٌ إيراني يعمل.
لم ينشر البنتاغون الصورة. وقال مسؤولان أمريكيان إنَّ الصورة بحد ذاتها لم تكن دامغة بما يكفي لإقناع الرأي العام والكونغرس الأمريكيين، أو الحلفاء الأجانب، بالتهديد الإيراني الجديد. لكنَّ المسؤولين قالا إنَّ نشر الصور الأخرى الداعمة قد يُؤدي لتعريض مصادر ووسائل سرية لجمع المعلومات للخطر.
وقال المسؤولان الأمريكيان إنَّ الصور الأخرى، التي لا تزال مُصنَّفة سرية، تُظهِر الحرس الثوري وهو يُحمِّل صواريخ على متن قوارب في عدة موانئ إيرانية. ويُعتَقَد أنَّ الزوارق تخضع لسيطرة الحرس الثوري.
وذكرت شبكة CNN الأمريكية، لأول مرة الأسبوع الماضي، أنَّ الصواريخ الإيرانية نُقِلَت على متن السفن. لكنَّ تفاصيل جديدة ظهرت في الأيام الأخرى، وخلُص المسؤولون الأمريكيون إلى أنَّ إيران لم تكن تنوي نقل الصواريخ إلى ميليشيا أجنبية.
وتشير الصور، جنباً إلى جنب مع المعلومات الاستخباراتية، إلى حشدٍ إيراني مقلق للقوات يقول المسؤولون إنَّه يضع السفن والقواعد والسفن التجارية الأمريكية في خطر.
وما يزيد القلق هو اطّلاع الولايات المتحدة مؤخراً على مباحثات بين الحرس الثوري وميليشيات أجنبية، تناقش شن هجماتٍ على القوات والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق. والمحادثات بحد ذاتها لا تُعَد شيئاً جديداً، لكنَّ النقاشات الأخيرة جرت بصورة متكررة غير معتادة وشملت تفاصيل بشأن ضربات على أهداف أمريكية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
هل كانت إيران وراء تفجيرات الفجيرة؟
قال المسؤولون الأمريكيون إنَّهم جمعوا أيضاً معلومات استخباراتية بشأن استهداف إيران للملاحة التجارية، الأمر الذي دفع لإصدار تحذير للبحارة، الجمعة الماضية 10 مايو/أيار. كان هذا أحد الأسباب التي دفعت مسؤولين أمريكيين إلى الاشتباه في أنَّ إيران هي التي تقف وراء تخريب أربع ناقلات قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي. وقال المسؤولون إنَّهم لا يملكون تحليل أدلة جنائية قاطعاً يُظهِر مسؤولية إيران، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي إشارة إلى التوترات المتصاعدة على خلفية التعامل مع تهديد إيران، قال مسؤول عسكري بريطاني كبير يتولى منصب نائب قائد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يوم الثلاثاء 14 مايو/أيار، إنَّه لا يرى أي خطر متزايد.
وقال ماركو روبيو، السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، وعضو لجنتي العلاقات الخارجية والاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي اطَّلع الأسبوع الماضي على المعلومات الاستخباراتية الجديدة، الأربعاء، إنَّه في حين لا تريد الولايات المتحدة خوض حربٍ مع إيران، فإنَّها لا بد أن ترد إذا تعرَّضت للهجوم.
وقال: "أنا هنا منذ ثماني سنوات. وهذا هو أكثر صراع وشيك محتمل بهذه الأهمية، وبفارقٍ كبير عن أي صراع آخر، أعايشه خلال تلك السنوات. الأمر حقيقي. هذا ليس شيئاً زائفاً. والأمر ليس مُختلَقاً من أحدهم، فالرئيس لا يريد حتى وجود قوات (أمريكية) بالشرق الأوسط".
لكنَّ تشاك شومر، السيناتور عن ولاية نيويورك وزعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ، قال إنَّ العيوب التي تكتنف نهج إدارة ترامب اتضحت في مقال صحيفة The New York Times الذي تحدَّث عن خططٍ لدى البنتاغون لإرسال ما يُقدَّر بـ120 ألفاً من القوات إلى الشرق الأوسط، في حال تصاعدت الأعمال العدائية مع إيران.
وأضاف شومر في قاعة مجلس الشيوخ: "هل تعلَّمنا دروس العقد الماضي؟ هناك افتقار مقلق للوضوح هنا، وهناك افتقار للاستراتيجية، وهناك غياب للاستشارة، ينبغي على الرئيس أن يأتي باستراتيجية ويوضحها للكونغرس".
قال مسؤولان أمريكيان إنَّ إيران بدأت حشد قواتها بعدما فرضت واشنطن عقوباتٍ اقتصادية جديدة على البلاد، فتحرَّكت لمنع البلدان من شراء النفط الإيراني، وصنَّفت الحرس الثوري الذي يُعَد أحد أذرع الجيش الإيراني تنظيماً إرهابياً.
حرب العراق تُطلّ برأسها من جديد!
وبحسب الصحيفة الأمريكية، يُخيِّم على الخلاف الحالي غيوم النقاش حول حرب العراق، وعلى وجه التحديد خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام الأمم المتحدة عام 2013. تضمَّن العرض الذي قدَّمه باول صوراً غامضة، واعتراضات جزئية لاتصالات، وتفاصيل ما جرى التوصل إلى كونها تقييماتٍ خاطئة تماماً، بشأن الأسلحة غير الشرعية للحكومة العراقية.
وفي النقاش حول إيران، قدَّم النائب الديمقراطي عن ولاية مساتشوستس سيث مولتون تشريعاً يطالب إدارة ترامب بالحصول على موافقة الكوغرس قبل "الانخراط في أعمال عدائية" مع إيران. وفي أبريل/نيسان الماضي، ضغط السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول على وزير الخارجية مايك بومبيو، للحصول منه على نفس الالتزام أثناء جلسة استماع، لكنَّ الوزير راوغ بشأن الطلب.
وأشار معظم الجمهوريين إلى دعمهم لنهج الإدارة المتشدد. فقال ريتشارد شيلبي، السيناتور الجمهوري عن ولاية ألاباما، ورئيس لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ: "تبدو إيران أكثر عدوانية، وعلينا التصدي لها، لا يمكنا منحهم مجالاً كبيراً".
وامتدت الانقسامات حول المعلومات الاستخباراتية إلى حلفاء الولايات المتحدة.
حلفاء ترامب لا يريدون توريط أنفسهم
انسحبت قوات ألمانية وهولندية من قواعد بالعراق، وسحب مسؤولو وزارة الدفاع الإسبانية فرقاطة كانت ضمن مجموعة القوة الضاربة لحاملة الطائرات الأمريكية المتجهة إلى الخليج، لتجنُّب التورُّط في أي صراعٍ مقبل مع إيران. فيما تتواصل جهود التدريب من جانب فرنسا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كالمعتاد.
وأمرت وزارة الخارجية الأمريكية "الموظفين الحكوميين الأمريكيين غير الضروريين" في كلٍّ من سفارة بغداد والقنصلية بأربيل، عاصمة إقليم كردستان، بمغادرة البلاد. وانطبق الأمر بالأساس على الدبلوماسيين بدوام كامل في العراق، وذكر بيانٌ للسفارة أنَّه سيجري تعليق خدمات التأشيرة كنتيجة لذلك، وسيظل المتعاقدون الذين يُوفِّرون الأمن والمواد الغذائية وغير تلك الخدمات كما هم في الوقت الراهن.
ونقل بومبيو بعضَ تفاصيل المعلومات الاستخباراتية إلى القادة العراقيين يوم 7 مايو/أيار، حين قام بزيارة مفاجئة إلى بغداد. لكنَّ مسؤولين أمريكيين في واشنطن قالوا إنَّ المعلومات الاستخباراتية الأكثر حساسية لم تُنقَل للعراقيين، خشية أن تكون أجهزتهم مُخترَقة من الجواسيس الإيرانيين.
وتتصاعد التوترات مع إيران منذ مايو/أيار 2018، حين سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، الذي توصَّلت إليه القوى العالمية مع طهران. وأُعِيد فرض العقوبات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما تسبَّب في إضعاف الاقتصاد الإيراني، ربما بصورة أسرع من المتوقع.