للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام، استهدف مهاجمون عملياتِ النفط والغاز الطبيعي في شبه الجزيرة العربية؛ إذ أكَّد خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، يوم الإثنين 13 مايو/أيار 2019، أنَّ طائرتين بدون طيار أطلقهما الحوثيون المتمركزون في اليمن استهدفتا محطتي ضخّ على طول خط أنابيب شرق-غرب في المملكة العربية السعودية، الذي ينقل النفط من الحقول الواقعة في المناطق الشرقية إلى البحر الأحمر.
وقد دفعت النيران الناتجة عن إحدى المحطتين شركة أرامكو إلى تعليق الضخ في خط الأنابيب، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 5 ملايين برميل يومياً، وإجراء تقييماتٍ للأضرار.
يأتي ذلك في أعقاب هجومٍ وقع في 12 مايو/أيار 2019، قبالة الساحل بالقرب من ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، ألحق أضراراً بأربع ناقلات نفط، من بينهما ناقلتان مملوكتان للسعودية.
وبحسب تقرير لموقع مركز Stratfor الأمريكي، تثير هاتان الحادثتان تساؤلاتٍ عمَّا إذا كانت البنية التحتية للنفط والغاز في المنطقة، مستهدفةً إمَّا استهدافاً مباشراً من جانب إيران أو من جانب ميليشياتٍ إقليمية مرتبطة بها في محاولةٍ للانتقام من المساعي الأمريكية، إلى إيقاف صادرات النفط والغاز الإيرانية تماماً.
إذ إنَّ خطَّ أنابيب شرق-غرب يوفِّر للسعودية بديلاً حاسماً لتصدير النفط يسمح لها بعدم استخدام مضيق هرمز، وهو حلقة وصل بين الخليج وخليج عُمان هدَّدت إيران بإغلاقه. وكذلك يُمثِّل ميناء الفجيرة الإماراتي ميناءً رئيسياً لتزويد سفن النقل بالوقود يقع بالقرب من مدخل مضيق هرمز.
هجومٌ نوعي
لكنَّ ما يجعل الهجوم الثاني ملحوظاً على وجه الخصوص هو أنَّه وقع في عمق الأراضي السعودية، فمعظم الهجمات الناجحة التي نفَّذها الحوثيون سابقاً وقعت بالقرب من الحدود السعودية اليمنية. ومن أكثر هذه الهجمات شيوعاً نوعاً ما الهجمات بالصواريخ قصيرة المدى، والقذائف والطائرات من دون طيار في محافظة جيزان، من بينها هجمات تستهدف منشآت شركة أرامكو في المنطقة الواقعة على الحدود السعودية اليمنية.
وكذلك استهدفت هجمات الحوثيين السابقة ناقلاتٍ سعودية تابعة لأرامكو، وسفناً أخرى على بُعد بضعة كيلومترات قبالة الساحل اليمني المُطِل على البحر الأحمر. لكنَّ الهجوم هذه المرة وقع داخل السعودية على بُعد 800 كيلومتر من الحدود السعودية اليمنية، حيث يقع أقرب أجزاء خط الأنابيب السعودي إلى تلك الحدود.
ويشير نجاح الهجمات إلى القدرات المتزايدة للطائرات بدون طيار التي يستخدمها الحوثيون (وربما يشير كذلك إلى الدعم المتزايد الذي يحصلون عليه من فيلق القدس، الذي يُعد وحدة قواتٍ خاصة تابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، تتولى تنفيذ عمليات خارج الحدود الإيرانية).
فعلى مرِّ العام الماضي 2018، كان المدى الأقصى للعديد من الطائرات بدون طيار الطويلة المدى التي استخدمها الحوثيون -والتي حددتها الأمم المتحدة بأنَّها من طراز UAV-X- يتراوح بين 1200 و1500 كيلومتر، مما يضع معظم مناطق المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضِمن النطاق الذي تستطيع تلك الصواريخ الوصول إليه.
وهذا الطراز يناسب طراز الطائرة التي ربما تكون قد استُخدِمت في هجوم خط الأنابيب. لذا يوضح نجاح الهجوم أنَّ الحوثيين -أو ربما أفرادٌ مدربون من الحرس الثوري الإيراني في اليمن- يمكنهم استخدام الطائرات بدون طيار بعيدة المدى في عمليات تغطي حوالي 1000 كيلومتر. جديرٌ بالذكر أنَّ المحاولات السابقة لإطلاق مهام طويلة المدى باستخدام طائرات UAV-X لم تكن ناجحة.
لكنَّ الأمر غير الواضح هو عدد الطائرات بدون طيار بعيدة المدى التي يمتلكها الحوثيون. إذ لا يبدو أنَّ طائرة UAV-X تعد نسخةً مختلفة من طائرةٍ بدون طيار إيرانية الصنع، وكذلك تكشف بقايا الطائرات المُستخرَجة من المهام الفاشلة السابقة عن مكونِّات مهمة ألمانية وصينية الصنع، مما يوحي بأنَّ الحوثيين ربما يمتلكون عدداً محدوداً منها لا يمكن تعويضه بسهولة. بيد أنَّ الهجوم يُظهر الفعالية المحتملة لنشاط الحوثيين بعيد المدى ضد الأهداف اللينة مثل خطوط أنابيب الطاقة.
توصيل النقاط لكشف الصورة الكاملة
مع أنَّ إيران تنفي دائماً ارتباطها بالحوثيين، فمن المعروف جيداً أنَّ المتمردين الحوثيين في اليمن يتلقون دعماً مادياً ومالياً وسياسياً من الجمهورية الإسلامية. لكنَّ تحرُّكات الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية مدفوعة بأهدافهم الخاصة المتمثلة في مواجهة الأفعال السعودية والأمريكية في اليمن، حيث يسعى الحوثيون منذ فترة طويلة إلى تأسيس قاعدةٍ سياسية أقوى.
لذا يمكن اعتبار الحوثيين وكيل قوة تابعاً لإيران مثل حزب الله في لبنان، الذي يتلقى توجيهاً أكبر من طهران. لكنَّ الحوثيين يشتركون في علاقةٍ أيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية، وفي المقابل، ترى إيران أن دعم الحركة الحوثية وسيلةٌ فعالة من ناحية التكلفة لإزعاج خصومها العرب في منطقة الخليج -وتحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- المشتركين في القتال ضد الحوثيين.
وبحسب (ستاتفور) من المؤكد أنَّ هذه العلاقة الغامضة القائمة منذ وقتٍ طويل بين إيران والحوثيين تزيد احتمالية دعم إيران لهجوم خط الأنابيب. لكن حتى لو لم تكن إيران مسؤولة، سواءٌ بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، عن هذا الهجوم، فإنه يزيد من خطر تعرُّضها لردّ فعلٍ من الولايات المتحدة، التي أكَّدت مراراً أنَّ أي هجومٍ تشنه قواتٌ مدعومة إيرانياً يُعتبر هجوماً من إيران نفسها.
السيناريوهات الأربعة المحتملة
مع وجود الكثير من النقاط غير الواضحة والمعلومات غير المؤكدة والأسئلة التي تدور حول العلاقة بين حوادث ناقلات النفط وهجوم خطوط الأنابيب، يبدو أنَّ هذه السيناريوهات الأربعة المحتملة هي الأرجح:
1- بتوجيهٍ من الحرس الثوري: في هذا السيناريو، يُفترض أنَّ كلا الهجومين جزءٌ من تحرُّك منسق من جانب الحرس الثوري الإيراني، الذي لديه نظامٌ خاص للقيادة والتحكُّم بعيداً عن الحكومة المركزية الإيرانية، ضد الأصول العربية الخليجية. ويمكن أن يكون الدافع وراء ذلك هو إرسال رسالة ردع، أو الإشارة إلى الإصرار على الموقف ضد تكثيف الضغوط بقيادة الولايات المتحدة، أو إظهار الرغبة في إلحاق ضررٍ اقتصادي بدول مجلس التعاون الخليجي وداعمها العسكري: الولايات المتحدة.
2- عمل مستقل: وفي هذا السيناريو، يُفترَض أنَّ جماعاتٍ مدعومة إيرانياً تتصرف باستقلالية قد نفَّذت هذه الهجمات دون توجيهٍ صريح من الحكومة الإيرانية أو الحرس الثوري. إذ تنتهج الرئاسة الإيرانية ووزارة الخارجية الإيرانية باستمرارٍ الاعتدال في التعامل مع الولايات المتحدة، حتى مع تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران.
3- رايةٌ زائفة: وفي هذا السيناريو، قد تكون هاتان الحادثتان عمليتين مُخادعتين نفَّذتهما أطرافٌ أمريكية أو خليجية أو إسرائيلية، تحاول تهيئة الظروف للتحرُّك عسكرياً ضد إيران. صحيحٌ أنَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو يواصل الإصرار على أنَّ حملة الضغط والعقوبات الأمريكية على الحكومة الإيرانية ليس المقصود منها إثارة الحرب، لكنَّ بعض العناصر في واشنطن تتبنى موقفاً أكثر ميلاً إلى شنِّ حرب ضد إيران، كمستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون.
4- مصادفة: ربما يكون الحادثان قد وقعا مصادفةً، أو أنَّ إيران وجَّهت أحدهما، بينما كان الآخر بتوجيهٍ من طرفٍ محلي، فكان تزامنهما مصادفة.
ما المنتظر بعد ذلك؟
إذا كانت هاتان الحادثتان تمثلان أول ضربتين في حملةٍ يشنها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لاستهداف مصالح الطاقة الإقليمية، فهناك عدة أوجه مهمة للتصعيد الإيراني المحتمل. نستعرض هنا بعض أبرز الأهداف المحتملة المُعرضة للخطر، التي يجب مراقبتها إذا جرى تصعيد هذه الحملة.
1- البصرة والكويت: ثمة علاقاتٌ عميقة تربط بين إيران وعدة جماعاتٍ مُسلَّحة في العراق، ولكن إذا أرادت إيران البدء في مهاجمة المزيد من البنية التحتية النفطية، فمن المنطقي أنَّها قد تبدأ على الأرجح بعدة أهداف محتملة في مدينة البصرة الجنوبية والكويت.
2- مضيق هرمز: هدّدت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة النقل البحري، لكنَّها حتى هذه اللحظة لم تتخذ أي خطواتٍ فعلية لتعطيل النقل.
3- باب المندب: استهدف الحوثيون ناقلاتٍ في باب المندب سابقاً، ويمكن أن يحاولوا مرةً أخرى شنَّ حملة عدوانية في المضيق الذي يصل بين البحر الأحمر وخليج عدن.
4- البنية التحتية النفطية البحرية: تمتلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية بنية تحتية للنفط والغاز الطبيعي في الخليج العربي يمكن أن تستهدفها إيران.