قوبل عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعادة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، بالتجاهل أو الازدراء من قِبَل القادة الإيرانيين الكبار، إلا أن اللافت أن بعض السياسيين الإيرانيين لم يستبعدوا أن إيران قد تعيد التفاوض مع أمريكا.
كافه أفراسيابي، مستشار سابق لبرنامج الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات، الذي ألَّف عدة كتب عن إيران، عَرَضَ في مقالٍ نُشر في موقع Lobe Log الخياراتِ المختلفة أمام الإيرانيين، والسيناريوهات المختلفة، بما فيها المواجهة، أو أن إيران قد تُعيد التفاوض مع أمريكا.
يقول أفراسيابي: "كما هو متوقع، أثار عرض ترامب لإجراء محادثاتٍ مع إيران يوم 8 مايو/أيار الماضي جدلاً حيوياً في إيران"، حسب تعبيره.
فلم يصدر عن المرشد الأعلى خامنئي ولا الرئيس حسن روحاني أي تعليقات عامة حتى كتابة هذه السطور، ربما لأنَّهما لم يعتبرا عرض ترامب جدياً أو يستدعي رداً.
لكنَّ ردود أفعال المسؤولين الحكوميين الآخرين، وكذلك أعضاء البرلمانات وخبراء السياسة الخارجية والمعلقين في وسائل الإعلام عكست الآراء المتباينة في أنظمةٍ سياسية تتنازعها الفصائل والأحزاب.
ردود مليئة بالازدراء
مثال على ذلك، في 12 مايو/أيار، أشار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في تغريدةٍ على تويتر إلى دعوة ترامب لإيران باعتبارها "عرضاً فارغاً للمحادثات"، كتبه مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون سابقاً في مقالٍ نشر عام 2017 في مجلة National Review بعنوان "كيفية الخروج من الاتفاق النووي مع إيران".
أمَّا عباس أراغشي، نائب ظريف، فذهب خطوةً أبعد. رداً على سؤالٍ صحفي حول تقديم ترامب رقم هاتفه للحكومة السويسرية (التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران)، قال: "ليست هناك حاجة إلى وسيط أو رقم هاتف للخروج من الوضع الصعب والأزمات التي خلقها ترامب لنفسه وأمريكا. يمكن للولايات المتحدة الخروج من ظروف الصراع الحالية، من خلال إعادة النظر في سياساتها"، ثم أضاف: "إذا كانت هناك حاجة، فهم يعرفون رقم هاتفنا".
فهناك شكوك حول دوافع ترامب بعد أن أرسل تعزيزات عسكرية
من الواضح أنَّه في إيران اليوم توجد شكوك كثيرة حول دوافع ترامب، بالنظر إلى التعزيزات العسكرية الحالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الإيرانية الملحوظة.
فعلى سبيل المثال، فإنَّ كمال خرازي، وزير الخارجية الأسبق والرئيس الحالي للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى، أعرض عن مبادرة ترامب، باعتبارها مدفوعةً بـ "أغراض الدعاية ولا تستحق الاهتمام"، مردداً موقف الحرس الثوري الإيراني، الذي أصرَّ على أنَّه "لن تكون هناك مفاوضات مع أمريكا".
من ناحية أخرى، فسَّر علاء الدين بوروجردي، العضو البارز في لجنة الأمن القومي بالبرلمان، عرض المحادثات بأنَّه جزء من سعي ترامب لولاية ثانية.
ورغم ذلك هم مقتنعون أن ترامب لا يريد حرباً مع إيران
في الواقع، فإنَّ العديد من الإيرانيين مقتنعون بأنَّ ترامب لا يريد حرباً مع إيران، وأنَّ استراتيجيته في ممارسة أقصى ضغط تهدف لإجبار إيران على التفاوض بالشروط التي حدَّدها وزير الخارجية مايك بومبيو في قائمته الطويلة من المطالب.
لكن يبدو الآن أنَّ ترامب قد ابتعد عن موقف بومبيو، بالإشارة على وجه الحصر إلى القضية النووية، رغم أنَّه، من وجهة نظر إيران، من غير الواضح ما إذا كان هذا مجرد مثال آخر على الحرب النفسية.
ووفقاً لأحد التفسيرات، يستعدّ ترامب للحرب بالخداع والدعاية، تماماً مثل التحضير لحرب العراق، وبالتالي على إيران ألا تخفف من حذرها.
ولكنهم يخشون من تدبير هجمات زائفة لتوريط إيران في حرب مفتوحة
وعبَّر القادة الإيرانيون عن شعورهم بالقلق علانيةً من أن تقوم الولايات المتحدة أو أحد حلفائها في المنطقة بتدبير هجماتٍ زائفة، ونِسبتها إلى إيران، من أجل التعجيل بحربٍ مفتوحة مع الجمهورية الإسلامية.
وبالتالي، فإنَّ الأخبار الواردة من الإمارات العربية المتحدة بشأن أعمال التخريب في أحد موانئها، إلى جانب الهجمات غير المحددة على أربعٍ من سفنها، تثير قلقاً في طهران من أنَّها قد تكون مناوراتٍ معادية لإيران.
وبالتزامن مع اجتماعٍ أوروبي حاسم بشأن الأزمة الإيرانية، ومحاولة بومبيو لإحباط أي ميلٍ أوروبي مؤيد لإيران، فإنَّ هذا الحادث المزعوم يوفر ذخيرةً جديدة للحشد المناهض للجمهورية الإسلامية. وتشير التقارير إلى عدم وجود إصابات أو تسرب من أيٍّ من السفن، على الرغم من الادعاءات السعودية الأولية بوجود أضرار كبيرة. وإذا اتّهمت الإمارات إيران، فقد يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من التوترات، في ضوء التحذير الأمريكي من الهجمات على الولايات المتحدة أو أي من حلفائها في المنطقة.
والبعض يرى أن أفضل سيناريو هو أن إيران قد تعيد التفاوض مع أمريكا
لكن بالنسبة لمعظم وسائل الإعلام الإيرانية، فقد استقرَّت على فكرة أنَّ الحرب مع الولايات المتحدة ليست وشيكة ولا مرجّحة، حيث وصف بعض المعلقين الوضع الحالي بأنَّه "لا حرب ولا سلام". ودعت صحيفة "صدا" الإصلاحية إلى "فتح العلاقات الأمريكية-الإيرانية على أعلى المستويات". بينما لفتت صحيفة "سازاندي" الإصلاحية أيضاً الانتباه إلى رسالة حديثة من بعض الأعضاء البارزين في حزب كاركزاران السياسي، يحثون على جولة جديدة من المفاوضات مع إدارة ترامب. وعلى النقيض من ذلك، رأت صحيفة كيهان المحافظة، أنَّ ترامب لجأ إلى "تكتيكه الثابت، وهو زيادة الضغط من أجل الحصول على أكبر قدرٍ من التنازلات من الطرف الآخر على الطاولة". وذكر موقع rajanews المتشدد أنَّ زيارة بومبيو الأخيرة للعراق كانت علامة على "تراجعٍ" أمريكي، وأنَّ الولايات المتحدة ليست "مستعدة للحرب"، بسبب قدرة إيران على الردع والردّ المضاد، وأنَّ بومبيو اتصل بالمسؤولين العراقيين ليكونوا وسطاء بين البلدين.
وهناك مخاوف من أن تُورط دول الخليج أمريكا وإيران في حرب
الموقف الآن أنَّ طهران وواشنطن في منعطفٍ حرج. قد يتدهور الموقف أو يتحسن، اعتماداً على العديد من المتغيرات. تشعر إيران بالقلق من أنَّ ترامب ربما يكون قد أوجد زخماً عسكرياً خطيراً يمكن لخصوم إيران الإقليميين استغلاله لوضع الولايات المتحدة في حربٍ مع إيران، بغض النظر عن رغبة ترامب الشخصية في تجنب مثل هذا الصراع.
ويمكن للعديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين -مثل حكومات العراق وعمان والأوروبيين والأمم المتحدة- أن تلعب دوراً بنَّاءً في نزع فتيل الأزمة الأمريكية الإيرانية المتنامية.
فالأوروبيون، الذين رفضوا الإنذار الإيراني لمدة 60 يوماً للوفاء بالتزاماتهم في خطة العمل الشاملة المشتركة، من المرجح أن يُضاعفوا جهودَهم للحفاظ على الاتفاق النووي. لكن ليستطيعوا القيام بذلك سيتعيَّن عليهم التصرف ككتلةٍ موحَّدة، حسبما ترى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يُقال إنَّها غير راضية عن النهج التصعيدي للولايات المتحدة.
ويمكن للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يلعب دوراً فعالاً يضاهي دوره في أفغانستان، من خلال مبعوثه الخاص هناك. فخطر اندلاع حريق إقليمي ينتشر إلى العراق وأفغانستان والبحرين وقطر يلوح في الأفق، وهو ما قد يُحفِّز الجهود الدبلوماسية الجديدة لتهدئة التوترات.
إحدى المساحات الممكنة لتحقيق انفراجة دبلوماسية قد تكون تبادلاً أوليّاً للأسرى اقترحته إيران، والذي يمكن أن يصبح نقطة انطلاق لإجراء محادثاتٍ أوسع بين واشنطن وطهران.
لكنَّ إدارة ترامب، التي تنظر للسياسة الخارجية كأنَّها معاملاتٍ تجارية، رفضت حتى الآن الرد على عرض إيران. ومع ذلك، فمثل هذه الخطوات المتواضعة على وجه التحديد يمكن أن تؤدي إلى دبلوماسية ثنائية مباشرة بين البلدين، وهو أمر لا غنى عنه لتحقيق السلام والأمن الإقليميين والعالميين.