في أجواء شبيهة بصورة تكاد تكون متطابقة مع ما حدث قبيل غزو العراق قبل 16 عاماً، اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية إيران بالوقوف وراء الهجوم التخريبي الذي استهدف 4 سفن تجارية قبالة سواحل الإمارات، فيما ردّت طهران باتهام إسرائيل، في وقت وصلت فيه سفينة إسعاف طبي أمريكي إلى منطقة الخليج في تطور لافت، فهل يعني ذلك أن اندلاع العمليات العسكرية أصبح مسألة وقت؟
اتهام إيران من دون أدلة
اتهام إيران جاء على لسان مسؤول في الإدارة الأمريكية -لم يتم الكشف عن هويته- قال إن "التقييم المبدئي يشير لتورّط إيران أو أحد وكلائها بالمنطقة في حادث التخريب الذي تعرضت له أربع سفن قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي"، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في وقت متأخر الإثنين 13 مايو/أيار 2019.
وكالات الأنباء العالمية تلقفت الخبر وأصبح يتصدر الواجهة، وجاء الرد الإيراني موجهاً التهمة لإسرائيل، حيث اتهم المتحدث باسم البرلمان بهروز نعمتي، اليوم الثلاثاء 14 مايو/أيار، إسرائيل بالوقوف وراء الاعتداء على ناقلات النفط والسفن التجارية، وصرح بأن البرلمان الإيراني ناقش الاعتداءات في اجتماع مغلق، بحسب ما نقله موقع روسيا اليوم.
من جهته قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن بلاده تشعر بالقلق إزاء الأعمال التخريبية المثيرة للشك في مياه الخليج، وأكد أن هناك مَن يسعى إلى إثارة التوتر في المنطقة، عبر تنفيذ أعمال تخريبية، مشيراً إلى أن طهران كانت تتوقع حدوث أعمال تخريبية لتأجيج الأوضاع.
نظرية الطرف الثالث الذي يسعى لتأجيج الأوضاع كانت قد جاءت على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه قبل توجيه الاتهام لإيران، حيث قال إن "مخربين من دولة ثالثة" قد يكونون وراء الهجوم.
وفي ظل غياب تحقيقات محايدة وكشف كامل للحقائق بشأن حادث التخريب الذي طال ناقلتي نفط سعوديتين وناقلة إماراتية وسفينة تجارية نرويجية، يصبح تبادل الاتهامات مسألة متاحة لجميع الأطراف.
تجهيز أرض المعركة إعلامياً
قبيل غزو العراق في مارس/آذار 2003، قامت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بتسريب تقارير مخابراتية مفبركة وإطلاق تحذيرات بشأن تهديدات لا أساس لها أو المبالغة في تصوير قدرات العراق، وانساقت بعض وسائل الإعلام وراءها حتى تمت حرب العراق، وانكشفت الحقائق لكن بعد فوات الأوان.
الآن تبدو الصورة شبه متطابقة قياساً على ما تقوم به إدارة الرئيس دونالد ترامب وصقورها من الراغبين بشدة في دخول حرب مع إيران وأهمّهم الآن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الذي لعب دوراً بارزاً في حرب العراق أيضاً مع بوش.
هذه المقاربة بين ما حدث مع العراق وما يحدث الآن مع إيران هي الشغل الشاغل لمعارضي ترامب في الداخل الأمريكي قبل معارضيه في الخارج.
الباحث الأمريكي في الأمن القومي بِن أرمبروستر نشر مقالة على موقع LobeLog الأمريكي، قال فيها نصاً: "رغم الدروس التي تعلمناها من تلك الكارثة (غزو العراق)، فهي تحدث الآن مرة أخرى في ما يتعلَّق بخطوات إدارة ترامب نحو الحرب مع إيران".
في ذات السياق يأتي الخبر الذي أوردته الأسوشيتد برس، الثلاثاء، والذي يقول إن صور الأقمار الصناعية لم تظهر آثاراً للتخريب على السفن الأربع، ما يعني أن حادث التخريب كله ربما يكون مفتعلاً أو مبالغاً في تصوير خطورته.
الكونغرس يجب أن يتدخل
قرار إدارة ترامب بإرسال حاملة الطائرات أبراهام لينكولن وقاذفات بي 52 الهجومية إلى منطقة الخليج بناءً على تقارير استخباراتية تحدثت عن وجود تهديدات إيرانية أثار نقطة غياب الكونغرس عن الصورة رغم أن قرار الحرب من صلاحياته.
وفي تقرير لها بعنوان "لو أن أمريكا ستحارب إيران، الكونغرس يريد الدليل"، تناولت مجلة بوليتيكو الأمريكية مسألة التصعيد من جانب إدارة ترامب، محذرة من عواقب الدخول في "حرب أخرى" في الشرق الأوسط بناءً على رغبات أفراد.
وركزت المجلة على دور بولتون ووزير الخارجية بومبيو في دفع ترامب لاتخاذ قرارات ربما لا تكون في طبيعته أصلاً: "من المعروف أن ترامب نفسه لا يريد الدخول في حرب مع إيران، فهذه الخطوة تمثل مخاطرة انتخابية ضخمة له، كما أنه بطبيعته كاره لفكرة التدخل ويريد سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط. ولكنه لم يشكك أبداً في مسألة التدخل فيما يخص إيران تحديداً، ولم يبذل أي جهد للتأكد من صحة التهديدات الإيرانية المزعومة والتي يروج لها صقرا إدارته بولتون وبومبيو، وفي ضوء مواقفهما المتشددة تجاه طهران من المنطقي عدم تصور أن هدفهما الحقيقي هو الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات أو تغيير سلوكها النووي. فكلا الرجلين لم يظهر أي نية أو اهتمام بالأساليب الدبلوماسية الجادة، وبولتون دائماً ما يرفض فكرة التفاوض فيما يخص اتفاقيات التسليح. لكن الواضح والمعلن أنهما يريدان تغيير النظام في طهران ولا شيء خلاف ذلك.
السياق نفسه توقفت عنده صحيفة هآرتس الإسرائيلية في مقال رأي نشرت ملخصاً له في تغريدة قالت فيها: "إيران تخطط لتصعيد عنيف ومكلف ورد أمريكا سيحدده رئيس مُحاصر وإدارة يقودها صقور مُعادون لإيران وكونغرس منشغل".
أوروبا تعارض الحرب.. ولكن الصقور لا تبالي
لو تركنا الولايات المتحدة وعبرنا الأطلسي إلى أوروبا، نجد بومبيو هناك مجتمعاً في بروكسل مع مسؤولي حلف الأطلسي عقب إلغائه زيارة لموسكو، وغرض الاجتماع إطلاعهم على "التهديدات الإيرانية".
وبحسب الممثل الأمريكي الخاص بالشأن الإيراني، برايان هوك، كان الوزير يريد إطلاعهم على بعض التفاصيل وراء ما نقوله في العلن.. نعتقد أنه يجب على إيران أن تجرّب المحادثات بدلاً من التهديدات".
ومن الواضح أن بومبيو فشل في الإقناع أو توصيل الرسالة، حيث أعلنت المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أن دول الاتحاد أكدت لبومبيو، ضرورة منع التصعيد حول إيران.
وقالت موغيريني خلال مؤتمر صحفي في بروكسل الإثنين: "ندعو دائماً إلى المفاوضات، والتفاوض أفضل من عدمه، خاصة عندما تتنامى التوترات. وفي هذا السياق سمع بومبيو منا بوضوح أننا نعيش في وقت حساس، حيث يجب أن يتمثل الموقف المسؤول في أقصى درجات ضبط النفس من أجل عدم السماح بأي تصعيد، بما في ذلك التصعيد العسكري".
سُحب الحرب تزداد كثافة
ونعود إلى ساحة المواجهة المحتملة في الخليج لنرصد بعض التحركات ذات الدلالة وربما يكون أخطرها على الإطلاق تداول صورة لسفينة طبية أمريكية تسمى ميرسي كلاس، مصاحبة للمعدات العسكرية التي تم إرسالها للخليج.
وبحسب ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإن السفينة المذكورة راسية في مياه الخليج برفقة القوات الأمريكية الضاربة المتوجهة صوب إيران.
مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري، اللواء سمير فرج، نشر صورة المستشفى العائم معلقاً عليها بأن ذلك "لا يبشر بالخير".
في ذات السياق نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً، الإثنين 13 مايو/آذار، حول اجتماع شهد استعراض ترامب وصقوره الخطط العسكرية بشأن إيران.
الصورة إذن تبدو قاتمة وسُحب الحرب تزداد كثافة وصوت العقل يخفت أكثر وأكثر تحت وطأة الضغوط الإعلامية والتصريحات النارية، وربما تحمل الأيام القليلة القادمة –إن لم تكن الساعات– أنباءً غير سارة لمنطقة الشرق الأوسط وربما العالم أجمع.