يشكّل المسلمون قرابة 14% من سكان الهند، البالغ عددهم حوالي 1.3 مليار نسمة، ويملكون القدرة على تحديد نتائج 145 مقعداً برلمانياً في الانتخابات العامة الراهنة.
مع ذلك، لم تُظهر الأحزاب السياسية، خلال الحملة الانتخابية، أي حماس لحث المسلمين على التصويت لها؛ خوفاً من رد فعل اليمين الهندوسي المتشدد.
فمع دخول ماراثون انتخابات عام 2019 مرحلته النهائية، تتخوف الأحزاب من إمكانية أن يؤدي تقرّبها من أكبر أقلية في الهند (المسلمين)، إلى خسارة أصوات الهندوس، أصحاب الأغلبية، في ظل أسوأ استقطاب وانقسام طائفي في البلد الآسيوي.
في الماضي، كان المسلمون يشكلون العمود الفقري لأي عملية انتخابية بالهند، حيث كانت الأحزاب الرئيسية تتعامل مع القيادات الطلابية، ذات الكثافات الإسلامية الكبيرة، ومع المنظمات الدينية والثقافية الإسلامية والمساجد الكبرى، بهدف كسب أصوات الناخبين المسلمين.
وهو ما لم يحدث خلال الانتخابات الحالية، التي تُجرى على سبع مراحل، وتنتهي في 19 مايو/أيار الجاري.
يرى حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أن "المسلمين لا يصوّتون لصالحه، لذلك لا تهتم كوادره بزيارة مناطق المسلمين، بهدف كسب أصواتهم".
أما الأحزاب العلمانية، مثل "المؤتمر"، والأحزاب الإقليمية الأخرى، فلم تقترب هي الأخرى من المسلمين. لكن السبب هو أن تلك الأحزاب تتوقع أن يصوت المسلمون لصالحها، على أمل إبعاد حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي المتشدد عن السلطة.
الأقلية المسلمة مهمّشة في الانتخابات
يبلغ عدد الأقلية المسلمة نحو 180 مليون نسمة، وتشكل الغالبية في ولاية "جامو وكشمير"، وربع السكان في ولايات آسام والبنغال الغربية (شمال شرق) وكيرالا (جنوب).
ويشكل المسلمون 18% من سكان ولاية "أوتار براديش" الحاسمة انتخابياً؛ إذ تمثل وحدها خُمس مقاعد مجلس النواب، البالغ عددها 545.
ورغم تلك القوة، يمكن قياس ضعف نفوذ المسلمين سياسيا من خلال حقيقة أن "بهاراتيا جاناتا" لم يقدم سوى سبعة مرشحين مسلمين، بينما يتنافس على 437 مقعداً. فيما دفع حزب المؤتمر المعارض بـ32 مرشحاً مسلماً من بين 423 مرشحاً له.
"شيطنة" المسلمين
ولدى سؤاله عن سبب تصويت المسلمين ضد "بهاراتيا جاناتا"، قال مولانا شاهد الحسيني، عميد "مدرسة علوم المظاهر" بمدينة "سحرانبور" (غرب)، لوكالة الأناضول، إن "الأمر ليس بسبب انعدام الأمن، الذي ترسخ في عقول المسلمين فحسب، بل لمنع الهجوم الأيديولوجي الذي يستهدف تقاليد المسلمين".
و "علوم المظاهر" هي مدرسة تاريخية تأسست عام 1866، وتعتبر مكتبتها كنزاً من المخطوطات الهندوسية والإسلامية القديمة.
وأضاف الحسيني: "نشأ موقف وُضعت فيه الأغلبية الهندوسية في مواجهة الأقلية المسلمة، بل وتتم شيطنة المسلمين من جانب وسائل الإعلام، بدعم من الحكومة الحالية".
وتابع: "لا أشعر بالتهديد من أعمال الشغب الجماعية أو جرائم الكراهية، وإنما من محاولات الشيطنة والهجوم على الشريعة الإسلامية".
واستشهد بـ "قانون وافق عليه مجلس النواب، أوائل العام الجاري، يجعل من الطلاق الشفهي جريمة جنائية". وأردف: "الحكومة لم تكلف نفسها عناء الرجوع إلى أكاديمية الفقه الإسلامي بالهند، قبل صياغة مثل هذا القانون".
وأوضح أن "جنوب إفريقيا ودول أخرى عديدة اختارت الأكاديمية لمساعدتها في صياغة قوانين الأحوال الشخصية". وزاد بأن "قرارات حكومية عديدة هيأت أجواءً صعبة ومثيرة لامتعاض المسلمين".
وأضاف الحسيني أنه "توجد قضايا مثيرة لقلق المسلمين، منها: قرار حكومات إقليمية إدخال ما يعرف بـ (سوريا ناماسكار) أو عبادة الشمس كمنهج دراسي إلزامي، وإدخال اليوغا في المناهج الدراسية، والتعديات على ممتلكات الوقف الإسلامي". واستطرد: "إدخال سوريا ناماسكار كمنهج دراسي إلزامي يتعارض مع ديننا.. نحن لا نعبد الشمس.. ولا يمكننا أن نعبد أي شيء سوى خالقنا".
انعدام الأمن
يرى مولانا نديم وجدي، القيادي البارز في بلدة "ديوباند" التي تضم مدرسة "دار العلوم ديوباند" الشهيرة عالمياً، أنه "لم يكن هناك أي خيار للمجتمع (المسلمين)، عقب تصريحات قادة بهاراتيا جاناتا (المستفزة للمسلمين)".
واستنتج مولانا وجدي أنه بدلاً من التصويت على قضايا التطور والرفاهية، يضطر المسلمون إلى التصويت بعقلية تسيطر عليها مشاعر انعدام الأمن.
وتابع: "تم دفع المسلمين إلى مثل هذا الموقف، حيث يعرف هاراتيا جاناتا أنهم لن يصوّتوا له، لذلك بالكاد يقوم بحملات في مناطقنا، وليس لديه ما يقدمه". ومضى قائلاً: في الوقت نفسه، لا تهتم الأحزاب العلمانية كثيراً بنا.
قبل انتخابات 2014، وعد مودي بإحراز تقدم للجميع.. وفي لفتة مفاجئة، قال إنه "يريد أن يحتفظ المسلمون بالقرآن الكريم في يد، والكمبيوتر في اليد الأخرى".
لكن منتقدون يقولون إن رئيس الوزراء لم يلتزم بحديثه هذا، خلال السنوات الخمس الماضية، وتبنى سياسات تميل في الغالب إلى تفضيل الأغلبية الهندوسية على الأقلية المسلمة.