كيف ساعدت أمريكا الوهابية في إضعاف المدارس الإسلامية الأخرى؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/14 الساعة 00:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/14 الساعة 01:04 بتوقيت غرينتش
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود/ رويترز

التفجيرات الجهادية الأخيرة في سريلانكا، مؤشر على أنَّ الإرهاب لا يرتبط بالفقر أو الحرمان أو الجهل بالضرورة، بل يجب فهم طبيعة العلاقة بين الإرهاب والوهابية لفهم مثل هذه الهجمات.

فمثل الهجوم على المقهى الذي حدث في عام 2016 على أجانب في داكا، عاصمة بنغلاديش، فُجِّرَت الكنائس والفنادق بسريلانكا على أيدي إسلاميين متعلمين ومن عائلات ثرية.

كان اثنان من المفجرين الانتحاريين الثمانية في سريلانكا ابنَي واحدٍ من أغنى رجال الأعمال بسريلانكا. وتوافر لدى كثير من منفِّذي الهجوم فرصة الدراسة في الخارج.

البروفيسور الهندي براهاما شيلاني يرى في مقال نشره مجلة Foreign Policy الأمريكية إن السبب الوحيد لاستمرار حدوث هذه الهجمات هو أنَّ الحرب التي تقودها أمريكا على الإرهاب فشلت، وهذا لأنَّها ركزت على القضاء على الإرهابيين وشبكاتهم، بدلاً  من التركيز على القضاء على الأيديولوجية الجهادية التي تُلهم الهجمات الانتحارية حول العالم، حسب قوله.

الإرهاب لا يرتبط بالفقر بل له جذور أخرى

فحدوث تفجيرات ببلدٍ غير متوقع مثل سريلانكا، بلد ليس له أي تاريخ في الإرهاب الإسلامي المتطرف، يؤكد مدى إمكانية انتشار عقيدة التشدد الديني إلى مدىً بعيد، ولماذا يحتاج العالم أن يعالجها من جذورها.

عند الحديث عن الإرهاب الإسلامي المتطرف، تقودنا الجذور الأيديولوجية له غالباً إلى الوهابية، وهي إحدى صور الإسلام السُّني المتطرف الذي تنشره المملكة العربية السعودية. فالوهابية تُشرِّع الجهاد العنيف بدعوتها إلى شن الحرب على "الكفار". وطبقاً للعالِم الإسلامي السعودي علي آل أحمد، فالوهابية تدعو إلى "كره غير المؤمنين، واضطهادهم، وحتى قتلهم". وقوة مثل قوة هذه الأيديولوجية الخبيثة هي ما جعلت ولدَي تاجر التوابل الثري محمد يوسف إبراهيم يفضلان الاستشهاد على مواصلة حياة الراحة والرفاهية، والعيش في فيلا مترفة، والسفر بسيارات باهظة الثمن يقودها سائقون.

لا شك في أنَّ الفكرة الوهابية عن وجود جنة مليئة بالمسرَّات الجسدية للشهداء تزيد من شعبية القتل الانتحاري. فالمنافع التي تروج لها تجعل مُنفذ الهجوم المحتمل يؤمن بأنَّه سيكون له 72 من العذارى في الجنة.  

وهذا ادعاء لم يُذكَر بالقرآن، لكنَّه موجود فيما يُعتقد أنَّه حديث من القرن التاسع مرويٌّ عن الرسول، حسبما يقول الكاتب.

الوهابية كانت غير مألوفة بالعالم الإسلامي ولكن 200 مليار دولار نشرتها

أسَّس الوهابية الشيخ محمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر، وظلت شكلاً غير مألوف من الإسلام حتى بداية الارتفاع الكبير في أسعار النفط بسبعينيات القرن العشرين.

الإرهاب لا يرتبط بالفقر

وبعد تدفق الأموال إلى المملكة العربية السعودية، أنفقت منذ ذلك الحين 200 مليار دولار لتمويل المدارس الوهابية، والمساجد، والشيوخ، والكتب، حتى تتمكن من نشر شكلها الخاص من الإسلام وتكسب نفوذاً جيوسياسياً.

لكنَّ طفرة سعر البترول لم تكن العامل المساعد الوحيد في انتشار الوهابية بهذه السرعة.

كما أن الولايات المتحدة ساعدت في نشرها لتحقيق أغراضها

فتصدير هذه الأيديولوجية التي تتبنى الجهاد ازداد على أيدي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بغرض إيقاف الخطر القادم من الشيوعية السوفييتية على سبيل المثال.

إذ يقول المؤلف روبرت كينيدي، ابن أخي الرئيس السابق جون كينيدي، إنَّ وكالة الاستخبارات الأمريكية "رعت الجهادية العنيفة باعتبارها سلاحاً في الحرب الباردة".

وبالتدريج، كانت الوهابية تقضي على التقاليد الإسلامية المتنوعة الأكثر تحرراً في الدول غير العربية التي تضم تجمعاتٍ كبيرة للمسلمين، وخلقت بيئة سامة تساعد على ازدهار التطرف، حسب الكاتب الهندي.

وأصبح الخناق يضيق على التأويلات المتعددة للإسلام، حتى يتمكن هذا الفصيل المتشدد من الغزو والانتشار.

وبالترويج للأصولية الإسلامية المسلحة، ساعدت المملكة العربية السعودية وشركاؤها الأيديولوجيين في الترويج للإرهاب الإسلامي الحديث بالفعل، وفقا للكاتب الهندي.

وعزز نشر التشدد من الكراهية، وكراهية النساء، والعنف، وعمَّق الخلافات بين السُّنة والشيعة. وهذا الانقسام بدوره كدَّر الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة، وحرَّض على هجماتٍ ضد الشيعة بالبلاد ذات الغالبية من السُّنة مثل السعودية وباكستان.

ومن هنا يجب على واشنطن أن تطلب من الملوك العرب وقف تمويل التشدد الإسلامي

ولهذا، كان من الضروري منذ زمنٍ طويل، تصحيح اتجاه الحرب العالمية ضد الإرهاب. يجب ألا يقتصر تركيز سياسة الولايات المتحدة لمجابهة الإرهاب، على كياناتٍ مثل داعش والقاعدة، بل ينبغي أن يشمل أصدقاءها من الملوك العرب الذين يروجون الأجندة الجهادية عن طريق غض الطرف عن الجمعيات الخيرية في بلادهم والتي تمول التشدد الإسلامي حول العالم.

وعلى الرغم من أنَّ السعودية ودولا أخرى في المنطقة اتخذت خطوات لتعطيل تمويل الإرهاب، ما زالت هناك جمعيات بالخليج مستمرة في دورها في رعاية الجماعات الإرهابية، وهذا ما أفادت به تقارير وزارة الخارجية الأمريكية السنوية عن الدول الخاصة بتحديد حالة الإرهاب.

السعودية أكبر راع للتطرف الإسلامي وأكثر دول العالم قمعاً.. فلماذا تكافئ؟

ربما تكون المملكة العربية السعودية الراعي الأكبر للإسلام المتطرف وواحدة من أكثر الدول قمعاً في العالم، لكنَّها لم تواجه سوى قليل من الضغط الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وفي الواقع، ستجد أنَّ الحظر التام على الصادرات البترولية الإيرانية الذي فرضته إدارة الرئيس ترامب منذ 3 مايو/أيار 2019، يصب في مصلحة المملكة العربية السعودية والدول الأخرى التي تمول الإرهاب. مما لا شك فيه أنَّ إيران هي إحدى قوى زعزعة الاستقرار بالمنطقة، لكنَّها بالتأكيد ليست "الدولة الأولى في دعم الإرهاب"، كما تصفها إدارة ترامب.

فكبرى جرائم الإرهاب الدولي، وضمنها تفجيرات سريلانكا الأخيرة، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول على نيويورك والعاصمة واشنطن، وحصار مومباي في عام 2008، نفذتها منظمات سُنية ، لها علاقات بالوهابية التي ترعاها السعودية، ولا يوجد أيٌّ منها تربطه أية علاقات بإيران.

بالطبع، كل المنظمات الإرهابية الكبرى، على الرغم من اختلاف فلسفاتها الجهادية وأهدافها، تستقي أيديولوجيتها من الوهابية، منبع الجهاد السني الحديث، حسب الكاتب.

ترامب سبق أن وصفها بأكبر ممول للإرهاب

تضع الولايات المتحدة إيران والسودان وسوريا وكوريا الشمالية في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، لكن ليس المملكة العربية السعودية، رغم أنَّ ترامب وصفها بأنَّها "أكبر ممول للإرهاب في العالم".

ومؤخراً، أضافت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. لكن ما زالت تفتقر هذه القائمة إلى إحدى القوى الرئيسة المُصدِّرة للإرهاب، وهي القوات الباكستانية المسلحة، التي تحافظ على علاقاتٍ ودية مع جماعاتٍ إرهابية خارج حدودها، وكما أقر ترامب فإنَّها توفر "جنةً آمنة للإرهابيين الذين نستهدفهم في أفغانستان".

الإرهاب لا يرتبط بالفقر
العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي دونالد ترامب 20 مايو 2017. رويترز

يقول الكاتب الهندي "يجب أن ينتهي تسييس الحرب العالمية على الإرهاب، حتى يمكننا بدء حملة دولية مشتركة ومستدامة على أيديولوجية الإسلام المتطرف المنحرفة.

ويضيف قائلاً" مثل هذه الحملة ضرورية، لأنَّه ما دام يُنظر إلى الجهادية العنيفة باعتبارها أيديولوجية ذات مصداقية، ستستمر حماسة المفجّرين الانتحارين لتنفيذ هجماتٍ مروعة".


التركيز على العلاقة بين الإرهاب والوهابية هو الطريقة واحدة لمحاربة الإرهاب

في الحقيقة، الطريقة الوحيدة لهزيمة عدو تدفعه أيديولوجية خبيثة هي أن تنتزع المصداقية من هذه الأيديولوجية.

لم يفز الغرب بالحرب الباردة عن طريق الوسائل العسكرية بقدر ما فاز بفضل نشر أفكار الحرية والرأسمالية، التي ساعدت في سحب شريان الحياة من القبول الدولي للشيوعية، ومن ثم جعلتها غير قادرة على تحقيق رغبات العامة في حياةٍ أفضل وأكثر انفتاحاً.

اليوم، تساعد العقيدة الجهادية في ربط الجماعات الإسلامية المختلفة حول العالم، لأنَّ الروابط الخارجية لهذه الجماعات لا تكون عادةً مبنيةً على تنسيقٍ منهجي، لكنَّها تستند ببساطة إلى أيديولوجيةٍ مشتركة، ومن ثم ستجد أنَّ الحركة الجهادية العالمية ذاتية التنظيم في الأساس.

ولذلك تبقى قوة الحركة دون تأثر حتى لو قضت الجهود الحكومية المناهضة للإرهاب على أي أفرادٍ أو جماعات. وهناك حقيقة مشؤومة أخرى، وهي أنَّه عندما يتبنى الأفراد أيديولوجية الجهاد العنيف، يمكن أن ينتقلوا سريعاً وفجأةً إلى شن هجماتٍ إرهابية فعلية.

يجب أن ينتقل تركيز الحرب العالمية على الإرهاب إلى تحطيم تلك الحركة الأيديولوجية. إحدى طرق تنفيذ هذا هي شن حملة معلوماتية مستمرة، لانتزاع المصداقية من أيديولوجية التطرف المنسوب للإسلام.

ويقول الكاتب "بينما نعمل بنظامية لإلحاق الخزي بالأيديولوجية الجهادية، علينا تطبيق العقوبات على السعودية وممولي الإرهاب الآخرين في الخليج، بالإضافة إلى الجمعيات التي ما زالت تموِّل المدارس الإسلامية في الخارج والشيوخ والجماعات. ويجب على مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطوير طرق أكثر فاعلية، لمنع ممولي الإرهاب من غير الدول من استغلال الأنظمة المالية غير الرسمية.

وحده الردُّ القوي من الحكومات والمجتمعات المدنية على التهديدات المتزايدة من الأيديولوجية الإسلامية يمكنه المساعدة في احتواء انتشار الإرهاب. ولكفاح هذه الأيديولوجية الخطيرة، يجب على الولايات المتحدة أن تتولى القيادة، وتعيد الحرب العالمية على الإرهاب إلى الطريق الصحيح.

تحميل المزيد