"مذبحة رابعة لن تتكرر في السودان، وسنخوض المعركة حتى النهاية حتى لو تخاذلت قوى الحرية والتغيير"، كانت هذه كلمات الرجل الذي ظلَّ يعمل متخفياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن سقط النظام، فأصبح اسمه معلوماً للجميع، إنه القيادي البارز بتجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف المصطفى.
مع وصول جموع المحتجين إلى مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، في السادس من أبريل/نيسان الماضي، كشف التجمع عن أسماء قياداته.
وصعد اسم الدكتور والأستاذ الجامعي محمد يوسف المصطفى كأبرز الوجوه المؤسِّسة للتجمع، بل ذهب البعض لوصفه بالرئيس الفعلي للتجمع، قبل أن ينفي التجمع ذلك، مؤكداً عدم وجود منصب للرئيس بين مكوناته.
وبصرف النظر عن هذا النفي فإن المصطفى الذي ينتمي للحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) وهي الحركة التي قادت إنفصال الجنوب عن السودان، يُنظر له على أنه الزعيم الفعلي لتجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك.
"عربي بوست" أجرى حواراً مع المصطفى، حول تطورات الأحداث السياسية في البلد الذي يشهد ثورة شعبية منذ الـ19 من ديسمبر/كانون الأول 2018.
وإليكم تفاصيل الحوار:
مِن أين جاء المجلس العسكري بهذه الجرأة؟
كيف تقرأ آخر التطورات في حواركم مع المجلس العسكري، وردّ الأخير على وثيقة الإعلان الدستوري التي تقدَّمتم بها في قوى إعلان الحرية والتغيير؟
يبدو لي وكأن المجلس العسكري اكتسب جرأة لا أدري مصدرها في تحدي الإرادة الشعبية والسياسية، الساعية للتغيير منذ انطلاقة الثورة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي. واللافت أن المجلس العسكري وحتى الأسبوع الماضي كان يتحدث باحترام عن قوى الحرية والتغيير وطبيعة المطالب الشعبية التي تقدمت بها، لكن الردَّ الأخير تضمن درجة واضحة جداً من الاستخفاف والاستهانة بالقوى الموجودة على الساحة، وطرحها الواضح في التغيير الشامل للنظام الدكتاتوري السابق، الذي استمرَّ لمدة 30 عاماً، لم نحصد منها سوى المآسي والانهيارات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، وحتى الجغرافية.
إذاً أنت تربط المجلس العسكري بالنظام السابق؟
وضح ذلك من خلال الطريقة التي كان يجيب بها أعضاء المجلس، فهم لا يقيمون وزناً للقوى التي قادت الثورة، ولا لهذه الجماهير المحتشدة، بل أعلنوا صراحة أنهم لن يقبلوا بأي وضع يهيمن فيه المدنيون على القرار العسكري، وهذا هو جوهر النظام الديمقراطي الذي يقوم على أن من يملك الحق في إصدار القرارات هي السلطة المنتخبة فقط، وعليه يمكن القول إن العسكر يملكون المعرفة العسكرية، لكن مَن الذي أعطاهم الحق في إصدار أي قرار عسكري، فالشعب لم يمنحهم أي تفويض.
من أين جاءت تلك الجرأة، وهل هي نتيجة لضعف المفاوضين من قوى إعلان الحرية والتغيير
في تقديري الخاص أن الأمر ليس له علاقة بالوفد المفاوض، أو حتى الخلافات التي بدأت تدبّ داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، لكن السبب الحقيقي في تقديري أنهم طوال الشهر الذي تولوا فيه السلطة، أعطوا فرصة كاملة لقوى الثورة المضادة وفلول النظام السابق، الذين لم يتم اعتقالهم أو مصادرة قدراتهم، ليكملوا للهجمة المرتدة بلغة كرة القدم، ونسميها نحن الثورة المضادة.
هل كان الأمر مقصوداً ومرتباً له؟
بكل تأكيد، وهذا الاتهام نوجهه علانية لأعضاء المجلس العسكري حتى يبرِّئوا أنفسهم، بأنهم ليسوا متواطئين مع مجموعة الإنقاذ لترتيب أوضاعها، ومن ثم تبدأ في التحرك للدفاع عن نفسها أو إنقاذه.
سنخوض المعركة حتى النهاية حتى لو تخاذلت قوى الحرية والتغيير
لكن ألا ترى أن الخلافات داخل إعلان الحرية والتغيير قد تؤثر على مسار التفاوض مع المجلس العسكري؟
على العكس تماماً، هذه ظاهرة يجب أن نحتفي بها، بوصفها دليل حيوية، بل يجب أن نشجّعها ونشجع الإعلان عنها، بخلاف ما يرى بيان الإعلاميين الذي تحدَّث عن ضرورة عدم ذكر الخلافات الداخلية على الملأ، وأختلف مع ذلك، فالشعب من حقه أن يعرف كل صغيرة وكبيرة، أي شخص له رأي، حتى وإن كان مخالفاً، يجب عرضه بشفافية باعتباره واحداً من مكونات وضمانات الديمقراطية.
ألا يجب أن يكون هناك رد فعل من قبل تجمع إعلان الحرية والتغيير على ممارسات المجلس العسكري، خاصة أن البعض بدأ يشعر بالخوف أو الإحباط من القادم؟
صحيح هناك إحباط، والمجلس يعتقد أن القوة الثورية وصلت لمرحلة من اليأس والملل مع حلول شهر رمضان وحرارة الأجواء، لكني على يقين من أن الشعب السوداني يستطيع أن يفاجئهم من جديد، كما أدهش العالم أجمع من قبل.
كيف ترد على الأصوات التي بدأت تنادي تجمع المهنيين بفضّ الشراكة مع القوى السياسية الأخرى، باعتبارها جزءاً من الأزمة؟
تجمع المهنيين حتى وإن انعقدت له كل ألوية الولاء والطاعة من جميع المهنيين في أنحاء السودان، ككل الأطباء وكل المهندسين، وحتى لو التفَّ السودانيون حوله فيما يشبه نمط القيادة الشعبوي، والذي تكون فيه مهمة القائد الاستماع إلى مطالب مناصريه فقط، دون أن تكون هناك مصالح مشتركة تربطهم، فلن يتمكن من التأسيس لنهضة أو تحول حقيقي للمجتمع بهذه الطريقة.
بل ربما يقود هذا النمط لكارثة، كما فعل نظام هتلر في ألمانيا، وموسوليني، اللذين أدّيا لمقتل أكثر من 100 مليون شخص في العالم نتيجة للشعبوية، وأعتقد شخصياً كأحد مؤسسي التجمع، أننا سنفشل إذا اتبعنا تلك الطريقة، لأن المجتمع السوداني به تباينات كثيرة جداً.
وعلى العكس نحن كنا مبادرين في دعوة العديد من الأحزاب والكيانات للانضمام للتجمع، حتى تلك التي لم تصدر بيانات مع انطلاقة الثورة، لكننا نرى أنها قوى فاعلة وموجودة في الشارع، حتى إن كنا على خلاف في وجهات النظر، لكن رؤيتنا أن الخير سيعم على السودان، إن شاركت كل تلك القوى فليس من المنطقى أن تنفرد فئة محددة بالسلطة.
العصيان المدني خطوتنا التصعيدية المقبلة في مواجهة العسكر
ما الذي يمكن أن تقدمه قوى إعلان الحرية والتغيير رداً على المجلس العسكري؟
ستبدأ قوى إعلان الحرية والتغيير بالرد بصورة موضوعية للتعبير عن رفض تحفظات المجلس فيما يخص الإعلان الدستوري، والأمر الرئيسي الذي يجب أن يوضح هو أن سلطة القرار السياسي لا بد أن تكون في يد مدنية، هذا هو قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي، وقرار الاتحاد الأوروبي والترويكا والأمم المتحدة، وقبل ذلك هو قرار الشعب السوداني الذي انتزع السلطة، لكن المجلس العسكري مازال يعتبر نفسه سلطة مستقلة، ولم يعوا بعد أنهم جزء صغير وأداة في جسم كبير يسمى الدولة، يحركها الشعب عبر أشخاص منتخبين.
ما هي الخطوة التصعيدية التي ينويها التجمع لمواجهة المجلس العسكري؟
نعم لا بد من خطوة تصعيدية، وهو ما أحسسناه من خلال لقاءاتنا مع الناس في الشارع، وبما أننا حركة سلمية فالتصعيد الوحيد الذي نمتلكه هو العصيان المدني أو الإضراب، والذي يمكن أن يكون مؤقتاً في البداية، ومن ثم يتواصل التصعيد.
وأستطيع القول إن هناك اتفاقاً على الأقل على مستوى تجمع المهنيين، وبدأنا عملياً في الترتيب لهذا الأمر، لمعرفة مناطق الضعف والقوة والإمكانات، لأن مثل هذا القرار يجب أن يدرس جيداً حتى لا يفشل الإضراب، وإن تخاذل البعض فليس أمامنا خيار سوى المضي في المعركة حتى نهايتها، ونتحمل لاحقاً المسؤولية، لكن قبل كل ذلك يهمنا النجاح وليس تسجيل مواقف للتاريخ.
هل يمكن أن تواجه هذه الخطوة بمعارضة من قبل بعض مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير؟
نتوقع أن يتخاذل البعض، أو أن يعلن البعض تمردهم عليه، بل نتوقع أن يذهب البعض أبعد من ذلك، ليعلنوا ابتعادهم تماماً عن إعلان تجمع الحرية والتغيير، كله متوقع بالنسبة لنا.
من جانب المجلس ما السيناريوهات التي تتوقعها في الفترة المقبلة، وهل يمكن أن يُفضَّ الاعتصام بالقوة المفرطة؟
لا أعتقد ذلك، ففرص المجلس ضعيفة جداً ليجد السند حتى يستخدم القوة، كما حدث في مصر، حيث عمل الرئيس السيسي على استقطاب وتحريض الرأي العام ضد الإخوان المسلمين، ليتمكن من تمرير لعبته، فالدولة العميقة هناك قوية جداً، لكن في السودان الوضع مختلف.
كيف سيكون ردكم إن حاول المجلس تنفيذ تهديده بالدعوة لانتخابات مبكرة خلال 6 أشهر فقط؟
إذا لم يوافقوا على مدة الأربع سنوات للفترة الانتقالية، يمكن أن نطرح لهم فكرة الانتخابات المبكرة خلال أربعة أشهر فقط، وليس ستة كما يقولون، لكن بإشراف دولي، منذ التعداد وتسجيل الناخبين ولجان الانتخاب، لضمان عدم أي تجاوزات، ومع الجو العام المشحون ضد حزب الرئيس السابق فلن يكون لهم أي دور في الحياة السياسية القادمة.
هل أنت متفائل؟
متفائل جداً، رَضِيَ من رَضِيَ وأبى من أبى، فالشعب السوداني سيحقق ما يريد.