أعلنت إيران الأربعاء 8 مايو/أيَّار 2019 أنَّها ستعلّق الالتزام ببعض تعهداتها الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، خلال 60 يوماً إذا لم تجد بقية الدول الموقعة على الاتفاق وسيلة لجعل الصفقة مجدية اقتصادياً على نحوٍ أكبر بالنسبة لإيران.
أثار إعلان إيران ردود فعل متباينة من جانب كل دولة من الدول الموقعة على الاتفاق
جاء هذا الإعلان بعد عام من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، ثم بعد ذلك أعاد فرض العقوبات التي جعلت من الصعب على طهران أن تجني ثمار مواصلة الالتزام بالاتفاق.
وأصبح الموقعون الأوروبيون على الاتفاق النووي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا الذين حاولوا جميعاً إقناع إدارة ترامب بعدم انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، عالقين الآن بين حليفتهم الولايات المتحدة والاتفاق، الذي يرغبون في الحفاظ على استمراره، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية.
صرَّح وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، يوم الأربعاء، قائلاً: "نحث الإيرانيين على التفكير طويلاً وملياً قبل إنهاء تلك الصفقة"، وذلك في إشارة إلى تهديد إيران بالتمسّك بفائض مخزونات اليورانيوم والماء الثقيل. وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، لقناة BFM TV الفرنسية: "ما من شيء سيكون أسوأ اليوم من رؤية إيران نفسها تغادر هذا الاتفاق".
أما موسكو فقد كان لها رأي آخر، وحمّلت واشنطن المسؤولية
في المقابل، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي ظهر في موسكو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، إنَّ "الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الوصول إلى هذا الوضع. إذ تجعل من الصعب على إيران أن توفي بالتزاماتها وتعقّد الحالة العامة لنظام حظر انتشار الأسلحة النووية".
وكتب ماثيو روجانسكي، مدير معهد Kennan بمركز Wilson الأمريكي، في رسالة بالبريد الإلكتروني "لا يمكن اعتبار روسيا سعيدة بالتطورات الأخيرة. لا تريد موسكو بوجهٍ خاص رؤية الاتفاق ينهار، وذلك لعدة أسباب ليس أقلها أنَّ لديها مصلحة في الإنجاز الدبلوماسي التي كانت جزءاً منه".
وموسكو هي المستفيد الأكبر من بين الدول من انهيار الاتفاق النووي
لكن، ومن وجهة نظر روجانسكي، فإن روسيا ومن بين جميع الأطراف المعنية، تحقّق الاستفادة الأكبر من تسلسل الأحداث التي بدأت قبل عام عندما أعلن ترامب خطة الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق.
وأوضح روجانسكي أنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي منح روسيا فرصة "تحقيق منفعة مزدوجة"، قائلاً: "أدَّت موسكو دوراً محورياً في التفاوض على الاتفاقية الأصلية، والتي حظيت نتيجة ذلك بالكثير من الحفاوة والثناء.. لكن مع انسحاب الولايات المتحدة حالياً، تستطيع موسكو إلقاء اللوم على واشنطن لإفشالها هذا التقدم، وهو جزء من خطابها الانتقادي الأوسع لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم".
من ناحية أخرى، ساعدت حقيقة عدم قدرة العالم على شراء النفط الإيراني بدون المخاطرة بإثارة غضب الولايات المتحدة في تعظيم منافع روسيا. قالت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي إنَّ "سعر النفط ارتفع بنسبة 30% عن العام السابق، وكان ذلك جزئياً على الأقل نتيجة ما فعلته إدارة ترامب بشأن إيران".
وأضافت: "يستطيع الروس الآن الجلوس والاستمتاع برؤية ارتفاع أسعار النفط".
يستمتع الروس، أو على الأقل يستفيدون، بإحدى التداعيات الأخرى للضغط الأمريكي على إيران وهي: توثيق العلاقات مع إيران.
أصبحت العلاقات بين روسيا وإيران أقوى مما كانت عليه تاريخياً
وكتبت أندريا كيندال تايلور، مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي بمركز New American Security، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة The Washington Post الأمريكية : "أصبحت إيران شريكاً مهماً لموسكو، لاسيما بالنظر إلى اهتمامهما المشترك بتقويض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. وأصبحت العلاقات بين روسيا وإيران أقوى مما كانت عليه تاريخياً".
وأضافت أنَّ "مواقفهم المتداخلة المتكررة من خلال دعم موسكو لإيران لإنجاز الاتفاق النووي والتعاون عن كثب في ميدان الحرب السورية قد ساعدت أيضاً على تجاوز حالة انعدام الثقة التاريخية وبناء أساس للتعاون المشترك".
قارن ظريف، في موسكو، بين الدعم الذي قال إنَّ إيران تلقته من روسيا والصين والتراخي الذي أبدته الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي.
وقال ظريف: "حافظ أصدقاؤنا في روسيا والصين على علاقات جيدة للغاية معنا هذا العام منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في حين لم تفِ بقية الدول الأعضاء الموقعة على الاتفاق بأي من التزاماتهم".
وكتب روجانسكي أنَّه "بعد إنذار الإيران الأخير يوم الأربعاء، الذي بموجبه أصبحت الدول الأخرى مجبرة على الاختيار بين تبني موقف أمريكي أكثر تشدداً أو مواصلة التعاون مع إيران، ستكون الفرصة سانحة أمام روسيا للتوسع في علاقاتها التجارية والأمنية والسياسية القوية بالفعل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
لكن الذي يحدث لا يعني أن روسيا تتمنى انهيار الاتفاق النووي
ومع ذلك، هذا لا يعني أن روسيا تريد تفكيك الاتفاق أو أنَّ تحالف روسيا مع إيران لن يجلب معه مشاكل أخرى، بل على العكس تماماً، وذلك وفقاً لما كتبته كيندال تايلور، نائب سابق لضابط المخابرات المسؤول عن روسيا وأوراسيا في مركز الأبحاث الاستراتيجية الأمريكي National Intelligence Council.
وقالت: "بينما تريد روسيا الحفاظ على علاقاتها مع طهران، لن ترغب في أن يُنظر إليها باعتبارها تنحاز بقوة إلى معسكر إيران لأن ذلك قد يؤدي إلى عزلها عن دول مثل المملكة العربية السعودية، التي عمل الكرملين على تعزيز العلاقات معها".
يعني ذلك أنَّ روسيا حقَّقت منافع اقتصادية وجيوسياسية من شيء يُعد، بالنسبة لكثيرين آخرين، تطوراً سلبياً تماماً. ويُعتبر ظهور لافروف يوم الأربعاء مع ظريف دلالة تؤكد ذلك.
قالت باربرا سلافين إنَّ "الولايات المتحدة هي التي تبدو معزولة، وليس دولة أخرى".