دعوات لتعديلات بالدستور المغربي قد تنهي سيطرة الإسلاميين على الحكومة

تم النشر: 2019/05/05 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/05 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني/ رويترز

قبل عام ونصف العام من الانتخابات التشريعية لسنة 2021، تزايدت الدعوات إلى تعديل الدستور المغربي بشكل يوسع خيارات الملك في تعيين رئيس الحكومة، وهو تعديل دستوري يرى البعض أنه ضروري، في حين يؤمن آخرون بأن هدفه تقليل فرص الإسلاميين في الاستمرار بالسلطة أو على الأقل إبعادهم عن قيادة الحكومة.

فقد خرج سياسون مغاربة بدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على أن يعيِّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها".
وبعد انتخابات عام 2011، لم تحدث مشكلة بسبب هذا النص، إذ قام الملك محمد السادس بتكليف عبدالإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة.

ولكن عقب انتخابات 2016 لم يتمكن بنكيران من تشكيل الحكومة بعد
شهور من المفاوضات العسيرة أطلقت عليها وسائل الإعلام المغربية اسم "البلوكاج الحكومي"، والتي باءت بالفشل.

الأمر الذي جعل ملك البلاد يُعفيه من مهامه ويكلف القيادي بالحزب ذاته سعد الدين العثماني بتشكيل حكومة تتألف من ستة أحزاب، تَم تعيينها في أقل من شهر.

وبسبب هذا النص الدستوري الذي يقصر التكليف على الحزب الأعلى في الأصوات، فإن الملك محمد السادس لم يكلف أي شخص من حزب آخر بتشكيل الحكومة.
 

المطالبون بالتعديل.. الفصل 47 يتسبب في أزمات

والآن يطالب سياسيون مغاربة على رأسهم إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، (مشارِك في الحكومة)، إلى تعديل الفصل 47، موضحاً أنه في "حالة فشل الحزب المتصدر في تشكيل أغلبية، يمكن اللجوء إلى تكتل الأحزاب التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية لتعيين رئيس الحكومة منها".
 "حزب الوردة" ليس الوحيد المدافع عن طرح تعديل الدستور المغربي، إذ وجد مساندة من قبل حزب الأصالة والمعاصرة (حزب معارض يتهمه منتقدوه بأنه يتلقى أوامر من الملك لإضعاف الإسلاميين)، الذي سبق لأمينه العام السابق إلياس العماري، أن انتقد الفصل 47 ولجنة خبراء القانون الذين تكلفوا بصياغة دستور 2011.

من جانبه، يرى عبداللطيف وهبي، محام وبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة أن الفصل 47 من الدستور، "تم وضعه من خلال تصور تحكمه فكرة الملكية البرلمانية، مما يفترض وجود قطبين سياسيين رغم أن ذلك يثير فزع الأحزاب المغربية بدعوى أن هذه القطبية الثنائية إلغاء للبعض".
وقال وهبي، أن وجود حزبين كبيرين في الساحة السياسية يفرض نتيجة حتمية مفادها أن "طرفاً منتصر وطرفاً منهزم، وعلى صاحب سلطة التعيين أن يعين المنتصر دون المنهزم".
 هذا التخوف من الانهزام ومحاولة الأحزاب نيل حصة مقنعة داخل التشكيل الحكومي، يجعل "الحكومة هجينة والتحالفات جد معقّدة، وقابلة لفرز الأزمات ومكلفة جداً ما يجعل من مؤسسة رئاسة الحكومة ضعيفة وتسود حولها الضبابية" يقول رشيد لزرق أستاذ القانون الدستوري.

ويقول المتخصص في الشؤون الحزبية بالمغرب، رشيد لزرق لـ"عربي بوست"، إن دعوة بعض قيادات الأحزاب المغربية، إلى ضرورة فتح نقاش حول تعديل الدستور، أمر طبيعي وضمان للممارسة السياسية المتجددة، بغض النظر عن نوايا كل طرف.

تعديل الدستور.. انقلاب ضد الحزب الإسلامي؟

المطالبة بتعديل الفصل 47 من الدستور تستهدف شرْعَنة رفض نتائج الانتخابات، وإلقاءها في سلة المهملات بحجج واهية، حسبما يرى حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الحاكم ذي التوجهات الإسلامية.
وقال حمورو لـ"عربي بوست"، إن هؤلاء الذين يطالبون بتعديل الفصل 47 يخالفون توجهات الملك ويرفضون أن تكون الحكومة منبثقة عن الاقتراع العام، بمعنى أنهم "يرفضون أن تكون لأصوات المواطنين أية قيمة، وهذا تبخيس للمواطنين وتبخيس للانتخابات أيضاً"، حسب قوله.
 وتابع ، أن "محاولات فرض تعديل الفصل 47 هي مساعٍ لخلخلة عناصر معادلة سياسية فيها الكثير من الانسجام بين الإرادة الملكية الثابتة في مواصلة البناء الديمقراطي، والإرادة الشعبية التي تتجسد في صورة من صورها في نتائج الانتخابات".

شهادة يأس، هكذا يرى رئيس الحكومة المطالبات  

رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، انتقد بدوره المطالب الداعية لتعديل الفصل 47 من الدستور، واصفاً متبنّي هذه الخطوة بكونهم أعلنوا "شهادة يأسهم".
 العثماني، تساءل عما إذا كان المغرب قد حل جميع مشاكله ولم يتبق له سوى الفصل 47 من الدستور، داعياً الواقفين وراء هذه الدعوات إلى "ممارسة العمل السياسي الجاد وإقناع المواطنين بالتصويت عليها في الانتخابات".
 من جهته، اعتبر نبيل بن عبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن دعوات تعديل الفصل 47 من الدستور التي يكون غرضها التعامل مع نتائج الانتخابات لا علاقة لها بمصلحة الوطن، داعياً الأحزاب السياسية إلى "الدفاع عن استقلالية قرارها الداخلي دون تدخل خارجي" وفق تعبيره.

هل يستجيب الملك لدعوات تعديل الدستور؟

كان الملك محمد السادس واضحاً، حين خاطب المغاربة بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2011، عارضاً عليهم مضامين الدستور وغاياته ومراميه، حيث اعتبر الملك أن الدستور ليس مجرد قانون أسمى، بل "أساس النموذج التنموي والديمقراطي" وفي صلبه ما سماه "الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة" من خلال الارتقاء بالمكانة الدستورية "للوزير الأول" إلى رئيس للحكومة وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تجسيداً لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر.
إلا أن الدعوات الأخيرة المتلاحقة لتعديل الدستور تطرح أسئلة حول مدى استجابة الملك لها.

سبب الخلاف الإماراتي المغربي
العاهل المغربي محمد السادس/ رويترز

دستورياً، تبقى مبادرة تعديل الدستور من ضمن صلاحيات الملك محمد السادس ورئيس الحكومة والبرلمان المغربي، كما يقول رشيد لزرق.

ويرى أن الجدل السياسي القائم حول الفصل 47 يدخل ضمن الاستقطاب السياسي التي تعرفه حكومة العثماني بين "العدالة والتنمية" و"التقدم والاشتراكية" من جهة، وبين باقي الأحزاب المكونة للحكومة من جهة أخرى.
واعتبر لزق "أن شيئاً جعل التحالف الحكومي الحالي يبتعد عن التوافق الذي غايته المصلحة الوطنية يسقط في في مزاد المحاصصة الحزبية". فهل هدف هذه الدعوات لتعديل الدستور عدم تكرار أزمة بنكيران في 2016، أم أنها وسيلة لإخراج الإسلاميين من السلطة بمنح حزب آخر غير العدالة والتنمية حق قيادة الحكومة المنتظرة.

تحميل المزيد