تمر العلاقات المغربية السعودية بأزمة كبيرة بين البلدين، بسبب مواقفهما السياسية المتعارضة في عدد من الملفات، أبرزها التعاطي مع الربيع العربي، وموقف الرباط من الأزمة الخليجية مع قطر، وأخيراً ردُّ فعل الرياض بشأن قضية الصحراء، التي يعتبرها المغرب خطاً أحمر.
موقع Lobe Log الأمريكي وقف على تاريخ الخلاف بين المملكتين، وقال إنه على الرغم من الإشارات المتكررة إلى أنَّ الملك محمد السادس كان من المقرر أن يزور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالرياض، في نهاية أبريل/نيسان 2019، فإن تلك الزيارة لم تحدث، في إشارة جديدة إلى التوتُّرات المتصاعدة بين المملكتين. إذ يأتي الإلغاء المحتمل لتلك الزيارة وسط تدهورٍ في العلاقات الثنائية بدأ في 2017.
في أعقاب ثورات الربيع العربي التي هزت المنطقة عام 2011، قرَّر الملك محمد السادس التفاعل مع الاحتجاجات التي يشهدها المغرب، بتبنّي دستور جديد والدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرة؛ وهو ما أسفر عن حكومةٍ يقودها منذ 2012 حزب العدالة والتنمية الإسلامي. قدَّمت السعودية، التي كانت آنذاك تحت حكم الملك عبد الله، للمغرب، من خلال مجلس التعاون الخليجي، حزمة مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات، بل حتى طرحت لفترة وجيزة فكرة انضمام المغرب إلى مجلس التعاون.
ومع اعتلاء الملك سلمان العرش في 2015، بدا أنَّ العلاقات المغربية السعودية راسخة كما كانت دوماً. فدعمت الرباط موقف الرياض بشأن سوريا ولبنان. وسرعان ما انضمت كذلك إلى التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين باليمن، فأرسلت ست مقاتلات للمشاركة في الحملة.
بداية الأزمة
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن الغيوم بدأت تُخيِّم على العلاقات بعد الأزمة الخليجية-الخليجية في يونيو/حزيران 2017. فعلى الرغم من علاقات المغرب الوثيقة مع السعودية، عارض بقوةٍ المواجهةَ السُنِّيَّة-السُنِّيَّة الآخذة في التعمُّق. وأعلن حياده بالأزمة وعَرَضَ مساعيه الحميدة للوساطة بين الطرفين. أبقى الملك محمد السادس الاتصالات مفتوحة مع كل الأطراف، ثُمَّ زار قطر والإمارات والسعودية، رافِضاً الانضمام إلى حملة عزل الدوحة، وهو الأمر الذي أغضب الرياض.
كان المغرب قلقاً إلى حدٍّ كبير من آثار هذه الأزمة على حياته السياسية الداخلية، حيث يضطلع الإسلام السياسي بدورٍ رئيسي. وبالنظر إلى مركزية العداء للإخوان المسلمين والإسلام السياسي باعتباره محركاً للمواجهة السعودية/الإماراتية مع قطر، كان الملك قلقاً من أنَّ الانضمام إلى المعسكر المعادي لقطر قد يزعزع استقرار الوضع السياسي الداخلي في المغرب.
جاءت نقطة تحوُّل أخرى في العلاقات المغربية السعودية حين أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القدس عاصمةً لإسرائيل. وقد عمل الملك محمد السادس، على مدى سنوات، بصفته رئيساً للجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، على الحفاظ على وضعية القدس باعتبارها عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقبلية. وبعدما أرسل الملك محمد السادس رسائل إلى كلٍّ من ترامب والأمين العام للأمم المتحدة احتجاجاً على القرار الأمريكي، ظهرت تقارير تفيد بأنَّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كان على أقل تقدير متفقاً جزئياً مع سياسات ترامب.
ثارت شائعاتٌ كذلك بأنَّ ولي العهد ضغط على القادة العرب الآخرين لقبول "صفقة القرن" المرتبطة بترامب، رغم من انحيازها المتوقع إلى إسرائيل. وسعت الرباط بصورة كبيرة إلى تخطّي محمد بن سلمان، للتعامل مباشرةً مع الملك سلمان، الذي كان رافضاً لسياسات ترامب في القدس، بحسب الموقع الأمريكي.
وحين قام محمد بن سلمان بجولة في شمال إفريقيا عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ووسط مزاعم التورُّط المباشر لولي العهد في عملية القتل، لم يَزُر الرباط. وبالنظر إلى العلاقات العميقة تاريخياً بين الأسرتين الحاكمتين، كان هذا غريباً. وفي حين أصدرت بلدان عربية أخرى بياناتٍ داعمة لمحمد بن سلمان، التزمت الرباط الصمت. وبعد بضعة أشهر فقط، اتُّهِمَت السعودية بالضغط ضد ملف استضافة المغرب بطولة كأس العالم 2026.
تجاوُز الخط الأحمر
وبحسب الموقع الأمريكي، حدثت انتكاسة مهمة أخرى في فبراير/شباط 2019، حين بثَّت قناة "العربية" فيلماً وثائقياً يُشكِّك في سيادة المغرب على الصحراء الغربية، ويُصوِّر جبهة البوليساريو باعتبارها الممثلة الشرعية للصحراويين. ويُعَد هذا تجاوزاً لخطٍّ أحمر كبير بالنسبة للرباط، التي سرعان ما استدعت السفيرين المغربيين من الإمارات والسعودية. وفي الشهر نفسه، انسحب المغرب رسمياً من التحالف الذي يقاتل باليمن، وسط انتقادٍ دولي ومحلي متصاعد لتلك الحرب. ومع أنَّ مساهمات الرباط بالتحالف كانت ضئيلة منذ انسحاب مقاتلاتها في عام 2018، كانت الخطوة مهمة سياسياً.
وفي مارس/آذار 2019، أعلنت كلٌّ من الرياض وأبوظبي خططاً لزيادة الاستثمارات بموانئ ومنشآت عسكرية في موريتانيا، وهو الأمر الذي نظرت إليه الرباط باعتباره محاولة لتجاوز المغرب، وبناء منشآت في مدينة نواذيبو الموريتانية، لمنافسة مشروعي الداخلة وميناء طنجة المتوسط بالمغرب. ومن شأن الحصول على موطئ قدم في موريتانيا أن يُعزِّز بصورة كبيرة، الاستراتيجية الإماراتية البحرية الرامية إلى إقامة طريق متصل من سواحلها إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر، تتخلَّلها اتفاقيات موانئ في منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا. ويُزعَم أنَّ وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لهذا السبب تجاهل الإمارات خلال جولته الخليجية في أبريل/نيسان 2019. وبعد ذلك بفترة وجيزة، استدعت الإمارات فجأةً سفيرها من الرباط للتشاور.
لا يمكن استبعاد حدوث مزيد من التدهور في العلاقات، ولو أنَّ ذلك قد يخلخل واحداً من أقدم المحاور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وضمنت العلاقات بين المغرب والسعودية، القائمة على الثقة المتبادلة والتواصل المستمر على أعلى مستوى، التنسيق والدعم على مدار خمسة عقود. وكما وقف المغرب جنباً إلى جنب مع السعودية في وجه تهديدات العراق وإيران، أثبتت السعودية أنَّها حليفٌ مهم في ضمان استقرار المغرب بالداخل وجوارها. وفي حين يجد شمال إفريقيا نفسه مجدداً بمنعطفٍ دقيق، في ظل الاحتجاجات التي تطيح بنظام عبدالعزيز بوتفليقة الذي استمر عقوداً في الجزائر، قد يستفيد المغرب من الدعم السعودي. وفي الوقت نفسه، إذا ما رغبت السعودية في أن تصبح قائدة حقيقية بالمنطقة، فإنَّ استعداء طرف فاعل رئيسي مثل المغرب قد تكون له نتائج عكسية كبيرة.