مرَّ أكثر من شهر على إعلان الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، شنّ هجوم عسكري على العاصمة طرابلس لانتزاعها من يد حكومة الوفاق الوطنية المعترف بها دولياً، ولم يتم حسم المعركة لأي من الطرفين.
هذا الوضع جعل الموقف العسكري في حالة من الجمود، وحولها لمعارك كرّ وفر على الأرض، فيما حاول الطرفان المتنافسان على نقل المعركة إلى ساحات أخرى غير عسكرية مثل النفط والمال، فما الذي يمتلكه كل طرف؟ ومن هو الأقوى في هذه الساحات؟
القوة العسكرية
من الصعب الوصول إلى أرقام دقيقة حول عدد الجنود والمعدات العسكرية التي يمتلكها كل طرف في ليبيا، لكن هناك أرقام تقريبية توضح القوة التي يتمتع بها كل طرف.
- القوة العسكرية لحفتر
يصل عدد المقاتلين الذين يعملون تحت مظلة خليفة حفتر إلى حوالي 30000 مقاتل، لكنهم يتوزعون على شكل ميليشيات ومجموعات غير نظامية لكل منها أجندتها الخاصة وطموحاتها، ما يجعلها كتلة غير صلبة ومتماسكة.
إلا أن هذا العدد ينقص ويزيد، بسبب أن عدداً من الميليشيات تنسحب وأخرى تنضم إلى قوات حفتر.
أما فيما يتعلق بالمعدات العسكرية، فيملك حفتر حالياً سلاحاً جوياً متهالكاً يضم بضع عشرات من الطائرات العسكرية الهجومية، عدد منها مخصص لنقل الجنود فقط، كما لديه طائرات عمودية.
وتعود هذه الطائرات إلى حكم الرئيس السابق معمر القذافي (1969-2011)، وهو ما يجعلها قليلة الكفاءة، وليس لديها القدرة مثلاً على شنِّ غارات ليلية.
- القوة العسكرية لحكومة الوفاق الوطني
في المقابل، يتبع لقوات حكومة الوفاق الوطني عدد من المجموعات المسلحة، تشارك حالياً في صدّ هجوم حفتر، وتتمثل في 8 مجموعات رئيسية، وأبرزها ثوار ليبيا أو ثوار طرابلس، قوة الردع الخاصة لواء النواصي، قوة الردع الخاصة، لواء المحجوب، لواء المشاة الثالث والثلاثون أو كتيبة البقرة، قوات أبي عبيدة الزاوي، إلى جانب عدد كبير من المجموعات الصغيرة المسلحة.
أيضاً لا يوجد عدد محدد لهذه المجموعات، إلا أن المعلومات المتوفرة تشير إلى كل مجموعة يصل عددها لعدة آلاف.
وتعد القوة الجوية لحكومة الوفاق أكثر تطوراً، حيث تشغل طائرتين ثنائيتَي المحرك من طراز MiG-23MLD وطائرة أحادية المحرك من طراز Mirage F1EQ، وتنتمي مقاتلات كلا الطرازين إلى مقاتلات الجيل الثالث.
وتنبع قوة حكومة الوفاق القتالية الأساسية في طائرات التدريب البالغ عددها 12 تقريباً من طرازَي L-39ZO Albatros تشيكية الصنع وG-2 Galeb يوغوسلافية الصنع.
أما القوات البرية، فلدى حكومة الوفاق 3500 سيارة مجهزة بمضادات الطائرات وراجمات صواريخ، وما يزيد على 200 دبابة.
السيطرة على النفط والمال
ومع جمود الموقف العسكري على جبهة القتال في العاصمة الليبية طرابلس، بدأ الطرفان المتنافسان يعملان على نقل المعركة إلى ساحة النفط والمال في حربهما من أجل السلطة.
حاولت المؤسسة الوطنية للنفط أن تنأى بنفسها عن الصراع، إلا أن تعقيد العمليات العسكرية يدفعها الآن إلى واجهة الصراع.
تسيطر قوات حفتر على مناطق تحيط بمعظم البنية التحتية النفطية في البلاد، لكنها لا تستفيد بشكل مباشر من مبيعات النفط والغاز، وتقوم المؤسسة النفطية في نفس الوقت بتحويل إيرادات الطاقة إلى البنك المركزي في طرابلس، الذي يعمل فقط مع رئيس الوزراء فائز السراج.
لذلك بدأ حفتر باستخدام النفط كأحد الأدوات الاستراتيجية، فالتقى خلال الأيام الأخيرة مع اثنين من المسؤولين التنفيذيين بالمؤسسة الوطنية للنفط بشرقي البلاد، في مقره خارج بنغازي.
ويرى دبلوماسيون ومحللون هذا التحرك كدلالة على أن حفتر يريد أن يُذكر طرابلس بأنه يستطيع وقف صادرات النفط، كوسيلة للضغط على السراج بهدف التوصل إلى اتفاق لاقتسام إيرادات النفط، إذا لم ينتصر في أرض المعركة.
يذكر أن واشنطن أوقفت في وقت سابق محاولات مماثلة، حينما دفعت بعناصر من قواتها الخاصة البحرية لاعتراض ناقلة أبحرت من ميناء كانت تسيطر عليه مجموعة مسلحة في 2014.
الصراع على المال
ردَّت طرابلس على تحركات حفتر من خلال قيام مصرف ليبيا المركزي "بفرض إجراءات حاسمة على عمليات بيع النقد الأجنبي للأغراض التجارية، ما يقيد حصول حفتر على العملة الصعبة".
وقال طارق المجريسي، المحلل السياسي لدى المجلس الأوروبي "يبدو أن حفتر يضع خطط طوارئ حول كيفية مواصلة تمويل عمليته المتنامية، وما سيكون على الأرجح صراعاً طويل الأمد".
الدول الداعمة لحفتر
يبدو حفتر أقل حضوراً في الإعلام من السراج، إلا عبر ما يرتبط بلقاءات محدودة، تعكس حلفاء هذا الرجل، فقد التقى عاهل السعودية، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في الرياض، قبيل بدء هجومه على طرابلس، مقر حكومة الوفاق.
وبعد أيام من بدء هجومه، زار حفتر القاهرة، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث ضمن تأييد الرئيس عبدالفتاح السيسي، لهجومه على طرابلس.
كما أن علاقته في الإمارات ليست خفية على أحد، فقد زارها أكثر من مرة والتقى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
أما غربياً فيحظى حفتر حالياً بدعم فرنسي واضح، فقد نقل موقع "شبكة تونس الآن" أن مصادر إعلامية ليبية كشفت، الأحد، عن وجود مستشارين فرنسيين.
كما يتلقى حفتر تأييداً روسياً، وكان هذا الدعم حاضراً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عندما اعترضت موسكو على قرار يدعو حفتر وميليشياته، المسماة الجيش الوطني الليبي، إلى وقف تقدمهم ناحية طرابلس.
الدول الداعمة لحكومة الوفاق الوطني:
تتلقى حكومة الوفاق الوطني الليبية دعماً أممياً، فقد اعترفت بها الأمم المتحدة، وحظيت باعتراف دولي.
أما أوروبياً فتوجد خلافات بين إيطاليا، الدولة المستعمرة لليبيا سابقاً، وفرنسا.
حيث تدعم إيطاليا، التي لها مصالح نفطية كبرى في ليبيا العضو في أوبك، حكومة طرابلس برئاسة رئيس الوزراء فائز السراج. وعبّرت عن غضبها من عدم رغبة فرنسا في مساندة قرار حديث للاتحاد الأوروبي يدعو حفتر لوقف تقدمه.
كما دعا الاتحاد الأوروبي قوات حفتر اليوم إلى وقف هجومها على العاصمة طرابلس، إلا أنه فشل في إصدار بيان بسبب خلافات فرنسا وإيطاليا.
قطر من جهتها دعت إلى فرض حظر فعال للسلاح على حفتر، وانسحاب قواته من المناطق التي سيطرت عليها في الآونة الأخيرة.
كما تؤيد تركيا حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، وأعلنت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، الذي قال إن ليبيا باتت تشكل مسرحاً لـ "سيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة".