«لا يمكن للحكومة تخيُّل واقع الناس».. لماذا لا تعد الإجازة في اليابان شيئاً مبهجاً وجميلاً؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/30 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/30 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
الكثير من العمال في العديد من قطاعات الخدمات في اليابان لا يحصلون على إجازة/ AFP

كان من المفترض أن تكون عطلة الأسبوع الذهبي -التي ستمتد 10 أيام هذا العام  للاحتفال بصعود إمبراطورٍ جديد لـ "عرش الأقحوان"- فترة احتفال وطني بهيج. فلماذا الكثير من اليابانيين بائسون ومهمومون؟

إذ وجد استطلاعٌ أجرته مؤسسة Expedia Japan أنَّ ما يقرب من نصف السكان العاملين غير راضين عن العطلة الطويلة التي تمتد من 27 أبريل/نيسان إلى 6 مايو/أيار. وكذلك أظهر استطلاعٌ سابق أجرته شركة Asahi وتضمَّن آراء ربات البيوت والمتقاعدين أن عدد الأشخاص غير السعداء بالإجازة الطويلة أكثر من عدد المسرورين بها.

إمبراطور اليابان تخلى عن العرش لنجله/ رويترز
إمبراطور اليابان تخلى عن العرش لنجله/ رويترز

ما سبب عدم سعادة اليابانيين بالإجازة؟

بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية، فقد انتقدت صحيفة Daily Gendai اليابانية الشعبية المشهورة بموظفيها الدؤوبين تلك الإجازة قائلةً: "هذه أسخف فكرةٍ في القرن. الأغنياء فقط هم السعداء بها. لا تعطونا إجازة مدتها 10 أيام متتالية".

ففي ظل ارتفاع أسعار السفر وازدحام الأماكن السياحية، وإغلاق البنوك والعديد من مراكز رعاية الأطفال، ومعاناة بعض المشروعات والشركات الصغيرة، يتضح ببساطة أن العطلة الطويلة ليست هي الاحتفال البهيج الخالص الذي كانت الحكومة تقصده.

فكل شيء بدءاً من القلق المتعلق بالبريد الإلكتروني إلى القلق الاجتماعي يفاقم مشكلات لكثير من اليابانيين. وتكشف حالة الاستياء مشكلات أعباء العمل الإضافية وعدم المساواة والتشرذم الاجتماعي في اليابان الحديثة.

البعض يعمل في الإجازة وبنوبات عمل طويلة

ويرجع السبب جزئياً إلى أنَّ العمال في العديد من قطاعات الخدمات في اليابان لا يحصلون على إجازة. بل إنَّ نقص الموظفين في سوق العمل الضيق في البلاد يضطر الكثيرين إلى العمل نوباتٍ طويلة للغاية في أثناء مدة الإجازة. وقد استشهد استطلاع رأي نشرته مؤسسة Nikkei بتغريدة كتبها أحد المستخدمين مهاجماً فكرة الإجازة الطويلة قائلاً: "10 أيامٍ جهنمية" ستعيشها قطاعات الخدمات.

بينما ذكرت تغريدةٌ أخرى نالت 120 ألف إعجابٍ ومشاركة كتبها موظفٌ ساخط في متجرٍ متعدد الأقسام بعدما عرف أنَّه سيعمل طوال مدة الإجازة: "حصول بعض الأشخاص على إجازة مدتها 10 أيام متتالية أسفر عن اضطرار البعض الآخر إلى العمل 10 أيام متتالية".

اليابانيون يعملون لساعات عمل طويلة/ رويترز
اليابانيون يعملون لساعات عمل طويلة/ رويترز

بينما وجد استطلاعٌ آخر أجرته شركة  User Local عبر موقع تويتر أنَّ الأسبوع الذهبي لا يرتبط فقط بكلماتٍ إيجابية مثل "جيد" و "راحة"، بل كلمات أخرى كذلك مثل "قطاع الخدمات" و "موت" و "مشغول" و "مزدحم" و "خائف".

وقد لخَّصت مدونة منشورة على موقع Niconico الإخباري -الذي يحظى بشعبيةٍ لدى الشباب- المزاج السائد بين الكثيرين قائلةً: "موجة غضبٍ عارم ضد الحكومة من أولئك الذين سيعملون طوال إجازة الأسبوع الذهبي".

وفي هذه المدونة التي نشرتها القناة الإعلامية لمؤسسة Career Connection، اشتكت امرأة ثلاثينية من أنَّها لا تستطيع الحصول أي إجازة على الإطلاق، لأنَّ الفندق الذي تعمل فيه محجوز بالكامل. وكتبت: "إذا كانت الحكومة هي التي قررت منح إجازة مدتها عشرة أيام، فيجب عليها التفكير في عمال قطاع الخدمات الذين لا يستطيعون الحصول على إجازة. أتمنى أن يرفعوا الأجور على الأقل في العطلات".

توتّر واكتئاب ما قبل العطلة وهَمّ تراكم العمل ما بعد انتهائها

جديرٌ بالذكر أنَّ مصطلح الأسبوع الذهبي يشير إلى سلسلةٍ من الإجازات تتضمَّن عيد ميلاد الإمبراطور شوا ويوم الطفل وتأتي في تتابعٍ سريع كل عام، مما يعني أن الكثير من الناس يحصلون على إجازة مدتها أسبوع. ويُذكَر أنَّ بعض شركات الأفلام هي التي صاغت هذا المصطلح لأول مرة لحث المواطنين على اغتنام "الفرصة الذهبية" لمشاهدة أحد الأفلام، لكنَّه سرعان ما أصبح جزءاً من الاستخدام الشائع.

وقد مُدَّت العطلة هذا العام للاحتفال بتنازل الإمبراطور أكيهيتو عن العرش وتقاعده وتولِّي ابنه ناروهيتو العرش مع إقامة احتفالات يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين.

قطاع كبير من النساء العاملات في اليابان يشعرن باكتئاب ما قبل العطلة
قطاع كبير من النساء العاملات في اليابان يشعرن باكتئاب ما قبل العطلة

وصحيحٌ أنَّ العطلة تشهد إغلاق العديد من المكاتب، لكنَّ موظفي المكاتب اليابانيين المُثقلين بأعباء العمل لا يتطلعون بالضرورة إلى إجازة.

إذ وجدت دراسةٌ استقصائية شملت 600 امرأة عاملة أجراها فرع شركة كوكاكولا في اليابان نتيجةً وصفها بأنَّها غير متوقعة: وهي أنَّ اثنتين تقريباً من بين كل ثلاث عاملاتٍ شعرن بتوتر "ما قبل العطلة" وكُنَّ مكتئباتٍ مع اقترابها.

ونقلت الدراسة عن إحدى النساء قولها: "من المحزن أن نتخيل التفكير في الكم الهائل من رسائل البريد الإلكتروني الذي سنتلقاه بعد العطلة"، بينما شعرت امرأةٌ أخرى بالقلق من العمل الذي سيتراكم عليها في أثناء فترة الإجازة.

وإذا كان البعض يريد السفر فسيلقى زيادة حادة في أسعار التذاكر والفنادق

وكذلك هناك الكثيرون لا يعرفون شيئاً محدداً يفعلونه في أثناء تلك العطلة القسرية. إذ وجدت دراسةٌ استقصائية أجرتها شركة Meiji Yasuda للتأمين أنَّ ثلاثة من كل أربعة أشخاص يخططون لقضاء الأسبوع في المنزل. بينما قالت نسبةٌ مماثلة من الذين شملهم استطلاع أجرته شركة Spacemarket للتأجير إنَّهم ليس لديهم خطط لأشياء يفعلونها في ذلك الأسبوع.

اكتظاظ المطارات الشديد وارتفاع تكاليف السفر بشكل بالغ يؤدي لعزوف الكثير من اليابانيين عن السفر في العطل
اكتظاظ المطارات الشديد وارتفاع تكاليف السفر بشكل بالغ يؤدي لعزوف الكثير من اليابانيين عن السفر في العطل

فالكثيرون أُحبِطوا بسبب الزيادات الحادة في أسعار تذاكر الطيران والفنادق، إذ أظهر موقع إلكتروني تديره وكالة H.I.S للسفر أنَّ تكاليف الرحلات الجوية والإقامات تضاعفت ثلاث مرات في العطلة. بينما وجد استطلاعٌ أجرته شركة Hankyu Travel أنَّ الآخرين لا يجدون راحة في الأماكن المكتظة، أو فاتهم موعد الحجز.

لكنَّ الاستطلاع الذي أجرته شركة Spacemarket وجد أن الكثير من الأشخاص أرادوا أن يطلبوا من أصدقائهم التنزه معهم، لكنَّهم لم يفعلوا ذلك، لأنَّ أصدقائهم بدوا "مشغولين للغاية" أو لأنهم كانوا يخشون رفض طلبهم. لذا سينتهي المطاف على الأرجح بأنَّ الكثيرين سيقضون الإجازة في منازلهم، محاولين الاستمتاعب بالنوم ومشاهدة التلفزيون أو أقراص الفيديو الرقمية.

"لا يمكن للحكومة تخيُّل واقع الناس العاديين"

وفي السياق نفسه، وجد استطلاع رأي أجرته مؤسسة Do House أنَّ العديد من ربات البيوت لا يتطلعن إلى العطلة، ويرجع ذلك أساساً إلى العبء الإضافي المتمثل في الطهي وأعمال المنزل مع أسرهن في المنزل. بينما هناك آخرون يخشون الازدحام المروري أو الإنفاق الزائد غير المقصود.

أمَّا بعض الأسر التي لديها أطفال، فتشكو منذ شهور من أنَّ العديد من مراكز رعاية الأطفال ستُغلق في هذه الفترة، وهذا سيُمثِّل مشكلةً كبيرة، لا سيما بالنسبة للآباء والأمهات المضطرين إلى العمل في تلك الفترة. لذا تعرض بعض الحكومات المحلية تقديم إعاناتٍ مالية للمراكز كي تظل مفتوحة، أو تُقدِّم خططاً بديلة.

وهناك كذلك مخاوف من أنَّ المستشفيات ستواجه صعوبةً في ضمان وجود عدد كافٍ من الأطباء للعمل في أثناء العطلة، بينما يخشى البعض أن تتأثر الأسواق المالية بعد العطلة. ومن جانبها ألقت صحيفة Daily Gendai اليابانية باللوم على رئيس الوزراء شينزو آبي ووزير الخارجية تارو آسو، الذين يُعتقَد أنهم أغنى الساسة في البلاد. وكتبت الصحيفة: "لا يمكن لآبي وآسو تخيُّل واقع الناس العاديين".

علامات:
تحميل المزيد