سبعة أم ثلاثة.. لماذا تعثرت المفاوضات بين العسكري السوداني والحراك؟

تزداد الأمور تعقيداً في السودان مع استمرار الخلافات بين ممثلي المحتجين والجيش، في الوقت الذي لوح فيه الجيش بإمكانية استخدام القوة، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن سر هذا التدهور وما سبب تعثر المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/30 الساعة 17:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/01 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
المعارضة السودانية مصرعة على مواصلة الاعتصام حتى تسليم السلطة للمدنيين/ رويترز

تزداد الأمور تعقيداً في السودان مع استمرار الخلافات بين ممثلي المحتجين والجيش، في الوقت الذي لوح فيه الجيش بإمكانية استخدام القوة، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن سر هذا التدهور وما سبب تعثر المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير.

وأغلق العشرات شارعاً رئيسياً في العاصمة السودانية الخرطوم، صباح اليوم الثلاثاء، احتجاجاً على قرارات المجلس العسكري بفتح الطرق والجسور.

 وأفادت وكالة "سبوتنيك" الروسية بأن العشرات أغلقوا شارع النيل، احتجاجاً على قرارات المجلس العسكري بفتح الطرق والجسور بمنطقة القيادة العامة للجيش، قبل تسليمه السلطة للمدنيين.

تهديدات وقتلى في الشارع

في المقابل وجَّه الرجل القوي في المجلس العسكري محمد حمدان، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس تهديدات للمحتجين، واتَّهم قوى الحرية والتغيير بعدم الالتزام بوعودهم بفتح الكباري والسماح للقطارات بالمرور.

وأعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان، على لسان محمد حمدان قائد قوات الدعم السريع السودانية الثلاثاء، مقتل 6 من عناصر قوات الأمن في مواجهات مع متظاهرين الإثنين الماضي في كافة أنحاء البلاد.

سبب فشل المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير
محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع السودانية/ رويترز

 جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده حمدان إلى جانب قادة آخرين في المجلس العسكري، وتحدث فيه عن جانب مما جرى في المفاوضات، التي تعثرت مع قوى "الحرية والتغيير".

 ووجه حمدان اتهامات للمحتجين، وقال إن "هناك دعوات من بعض المنفلتين لاقتحام القصر الجمهوري ومقر قيادة الجيش وإغلاق الجسور والشوارع بالعاصمة الخرطوم"، بحسب تعبيره.

ما سبب تعثر المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير

ويتفاوض المجلس العسكري والائتلاف المدني بهدف الاتفاق على طريقة تشكيل المجلس المشترك، وما إذا كان سيتولى الحكم لمدة عامين، مثلما أعلن الجيش في البداية، أو لمدة أربع سنوات، مثلما  تطالب أحزاب المعارضة.

وانسحبت أحزاب المعارضة، ممثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير، من المفاوضات مع الجيش حول مستقبل السودان الأسبوع الماضي، لكن المجلس العسكري الانتقالي استأنف جهوده لتهدئة مخاوفها.

وفي النهاية، تقدم ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري باستقالتهم على خلفية اتهامات المدنيين للمجلس، بأن العديد من أعضائه يمثلون فصائل إسلامية أو نظام البشير.

وأجرى المجلس العسكري السوداني مفاوضات، أمس الإثنين، مع قوى الحرية والتغيير، لكنها لم تُكلل بالنجاح.

وأفادت تقارير إعلامية بأن الاجتماع الذي عقد أمس الإثنين في القصر الجمهوري، بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، لم يتم فيه التوصل إلى اتفاق بشأن نسب الطرفين في المجلس السيادي الانتقالي.

وذكر موقع قناة الجزيرة أن المشاورات تركزت على نسب التمثيل في المجلس السيادي دون التوصل إلى اتفاق، وأوضح أن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير اتفقا على إجراء مشاورات بشأن تفاصيل الإعلان الدستوري.

ويفترض أن يحدد الإعلان الدستوري هياكل المرحلة الانتقالية ثم صلاحيات المجلس السيادي والحكومة الانتقالية.

المجلس العسكري يتهم الحراك بالمسؤولية

وقال نائب المجلس العسكري في المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم الثلاثاء، إنه أثناء التفاوض اقترح المجلس 3 أعضاء مدنيين في المجلس السيادي، إلا "أن وفد قوى الحرية والتغيير لم يتسم بالصدق، وغيَّر مطالبه"، بحسب قوله.

من جهته، قال المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين كباشي -في مؤتمر صحفي عقد أمس الإثنين عقب الاجتماع- إن المجلس العسكري السوداني كان يرى أن يتضمن المجلس السيادي سبعة عسكريين وثلاثة مدنيين.

سبب فشل المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير
لمتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، شمس الدين كباشي/ رويترز

وبحسب ما نقلته وكالة رويترز عن مصدرين مطلعين، فإنه كان من المقرر أن يناقش الجانبان تشكيل المجلس المقترح، لكن قادة الجيش الذين أطاحوا بالبشير في 11 أبريل/نيسان، ركزوا بدلاً من ذلك على مهمة المجلس وصلاحياته في المستقبل.

وتجمع المهنيين يكشف سر الخلاف

وكان تجمع المهنيين السودانيين قد أعلن عن استمرارهم في الاعتصام حتى تحقيق جميع أهداف الثورة والتغيير.

وقال التجمع على صفحته في تويتر: "لم يتم الاتفاق بعد على النسب في مجلس السيادة بين المدنيين والعسكريين، واتفق الطرفان على أن الأولوية هي لتحديد كافة الهياكل الانتقالية وصلاحيات كل منها، سيتم تقديم المقترحات من قبل الطرفين خلال 24 ساعة القادمة، وهو ما سيعمل على تحديد الصلاحيات".

وأضاف التجمع: "ستستمر اعتصاماتنا ومواكبنا حتى تحقيق كافة أهداف الثورة والتغيير، وأهمها مدنية السلطة الانتقالية بكافة صلاحياتها التنفيذية والتشريعية، التي تضطلع بتنفيذ بنود إعلان الحرية والتغيير، ولن يثنينا عن ذلك".

وتابع المهنيون السودانيون: "كما ستستمر كافة أشكال عملنا السلمي المقاوم تصدياً لكل محاولات جرِّ البلاد للعنف والعنف المضاد، فسلميّتنا وتماسكنا ووحدتنا هي ما قهرت وتقهر الجبروت والاستبداد".

 من ينتصر في صراع الإرادات؟

وأظهرت التطورات في السودان منذ عزل البشير أن الحراك يستطيع أن يُظهر حضوراً قوياً، فيما يتعلق الأمر بتحديد مسار البلاد المستقبلي، حسب تقرير لموقع Stratfor الأمريكي.

فقد توصَّل المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولَّى مقاليد الأمور في السودان بعد إطاحة الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان، في 28 أبريل/نيسان، إلى اتفاق مهم مع أحزاب المعارضة، وافق الجانبان بموجبه على تشكيل مجلس عسكري مدني مشترك.

ولكن تظل المشكلة في نسبة المدنيين والعسكريين في هذا المجلس.

يوضح الاتفاق أن أحزاب المعارضة السودانية والمتظاهرين يتمتعون بقوة تمكّنهم من التأثير على قرارات المجلس العسكري الانتقالي، الذي أثبت استعداده للتصرف بأسلوب واقعي وعملي، حسب موقع Stratfor.

الجيش لا يستطيع الحكم دون رضا المحتجين ويتطلع لإزالة العقوبات الأمريكية

وفي حين أن الاحتجاجات الشعبية في الخرطوم ساعدت الجيش في إطاحة البشير، تحدّ هذه المظاهرات نفسها من هيمنة الجيش الكاملة على العملية الانتقالية.

وفي النهاية، لا يمكن للنخبة العسكرية في البلاد أن تحكم على الوجه الأمثل دون دعم حركة الاحتجاج الشعبية، وفقاً لما يراه الموقع الأمريكي.

ومن المرجح أن يؤدي غضب المتظاهرين إلى بدء إصلاح داخلي كبير، وإزالة التوتر في العلاقات مع الدول الأخرى، التي أعربت عن قلقها إزاء خطط الجيش للاستمرار في الحكم عدة سنوات قبل تنظيم الانتخابات، مما قد يتيح للسودان الحصول على مزيد من الدعم الاقتصادي، أو إقناع واشنطن بحذف الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

كبار المسؤولين يغادرون منازلهم

وأنذرت سلطات السودان الجديدة كبار المسؤولين والموظفين في الحكومة الاتحادية السابقة، بوجوب إخلائهم فوراً للمنازل الحكومية، التي خُصصت لهم أثناء عملهم بحكومة الرئيس المعزول عمر البشير.

وبعثت الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، والأمانة العامة لمجلس الوزراء برسائل شخصية لكبار المسؤولين في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير بهذا الخصوص.

 وشدَّدت الجهات السودانية المختصة على ضرورة تنفيذ الإخلاء خلال مدة أقصاها 48 ساعة، والمنازل المطلوب إخلاؤها تشمل منازل نواب رئيس الجمهورية والمساعدين والوزراء الاتحاديين ووكلاء الوزرات وكبار الموظفين في الحكومة السابقة.

 وتقع معظم هذه المنازل في الخرطوم (حي المطار)، والخرطوم بحري، كما تتوزع منازل أخرى في الأحياء الراقية بالعاصمة السودانية.

معركة الجيش السهلة.. إقصاء الإسلاميين

لا يتمتع المجلس العسكري الانتقالي وهو قائم بمفرده سوى بالقليل من الشرعية المستدامة، مما يعني أن الحركة الاحتجاجية تُجبره على مواجهة بعض القضايا الأكثر إثارة للجدل في السودان. وتتمثل إحدى هذه القضايا في وضع الفصائل الإسلامية في البلاد، حسب الموقع الأمريكي.

وفي الوقت الحالي، لم يشارك الحزب الإسلامي الرئيسي، حزب المؤتمر الشعبي، في المفاوضات لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك، في حين اضطر الجيش إلى إقصاء القادة العسكريين الإسلاميين من مجلسه.

ومع ذلك، في محاولة للتخفيف من المعارضة المحتملة من جانب المحافظين المتدينين، أكد القادة العسكريون أنهم لن يغيروا شيئاً في النظام القانوني، الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية، قبل إجراء انتخابات.

مع ذلك، قد تصل الخلافات بين المتظاهرين وحزب المؤتمر الشعبي إلى ذروتها قريباً، مثلما تجلَّى في هجوم المتظاهرين على الحزب أثناء اجتماع لأعضائه في الخرطوم في 27 أبريل/نيسان.

وفي النهاية، سيتحتَّم على السودان خوض فترة انتقالية صعبة تشمل مصالح أطراف مختلفة إلى أن تأتي الانتخابات بنظام سياسي يتمتع بشرعية أكبر، حسب الموقع الأمريكي.

تحميل المزيد