في أيار/مايو 2018 قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا عام 2015، مع تجديد للعقوبات التي سبق أن فرضتها تلك الدول، وعقوبات إضافية أقرتها الإدارة الأمريكية، دخلت حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وفي 2 يوليو/تموز 2018، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن "منع إيران من تصدير نفطها يعني أن لا أحد في المنطقة سيتمكن من تصدير نفطه"، في إشارة إلى السعودية والإمارات والكويت والعراق، وقطر أيضاً التي تشترك معها في حقل للغاز الطبيعي وتعتمد في تصديره على مضيق هرمز.
لماذا مضيق هرمز؟
ومضيق هرمز، ممر بحري ضيق بين إيران وسلطنة عُمان، يصل الخليج العربي بخليج عُمان من جهة، وبحر العرب بالمحيط الهندي من جهة أخرى؛ يبلغ عرضه الأقصى 50 كيلومتراً بعمق 60 متراً، وعرض ممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلومتر فقط يمر من خلاله ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يومياً قادمة من السعودية التي تصدر حوالي 88% من إنتاجها النفطي عبر المضيق ونسب أعلى لكل من العراق والإمارات، في حين تصدر الكويت وقطر كل نفطها عبر المضيق.
وعليه، ربما يكون الخاسر الأكبر حال أقدمت طهران على إغلاق المضيق هي السعودية على أساس أن أغلبية صادراتها من النفط تمر عبر هرمز، وتوقف تلك الصادرات يعني كارثة على الاقتصاد السعودي بلا شك.
ويستوعب مضيق هرمز حركة النفط بحوالي 30 إلى 40% من تجارة النفط عبر البحار في العالم بمعدل يزيد على 17 مليون برميل يومياً؛ ولا توجد بدائل متاحة عن المضيق لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعراق لتصدير النفط من موانئ الكويت وقطر والبحرين وبعض الموانئ السعودية والعراقية.
وتعد مياه مضيق هرمز في الخليج العربي "مياهاً دولية بامتياز، وأن أي تهديد بغلقه سيؤثر على الملاحة التجارية الدولية وليس فقط الإقليمية"، وفق تصريحات أدلى بها المتحدث باسم القيادة الوسطى الأمريكية العقيد إيريل براون، الأربعاء 24 أبريل/نيسان.
وتلتزم الولايات المتحدة والدول الحليفة بحماية حرية الملاحة البحرية ومسار القنوات المائية التجارية العالمية في المنطقة مع استعدادات لمواجهة أي تهديدات تتعرض لها حرية الملاحة الدولية.
الحرمان سيولّد الحرمان
ألغت الولايات المتحدة، الإثنين الماضي، جميع الإعفاءات على صادرات النفط الإيرانية مع التشديد على إجراءات عقابية سوف تتخذها اعتباراً من 2 أيار/مايو المقبل ضد الدول التي لا تلتزم بالقرار الأمريكي الأخير المعلن يوم الإثنين 22 أبريل/نيسان بعدم تمديد الإعفاءات التي تتيح لبعض مستوردي النفط الإيراني مواصلة الشراء دون مواجهة عقوبات أمريكية، منذ بدء المرحلة السابقة من قرار منع التصدير في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وجاء في بيان للبيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب ينوي بذلك التأكد من أن صادرات النفط الإيراني ستصبح "صفراً"، وبالتالي حرمانها من مصدر دخلها الأساسي.
سيؤدي قرار الولايات المتحدة إلى توقف ثماني دول مشمولة بالإعفاءات الأمريكية، الصين والهند وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وايطاليا واليونان، عن شراء النفط الإيراني بعد انتهاء مدة الإعفاءات البالغة ستة أشهر.
إلا أن مسؤولين إيرانيين يعتقدون أنه مع استمرار الإعفاءات أو عدم استمرارها، "فإن صادرات النفط الإيراني لن تصل إلى الصفر بأي حال ما لم تقرر السلطات الإيرانية وقف صادرتها النفطية، وهذا غير وارد حالياً".
وتعتبر إيران أن القرار الأمريكي "غير ذي قيمة" مع مواصلة خارجيتها الاتصال مع جيرانها وشركائها الأوروبيين لتفادي الآثار السلبية للقرار.
في مقابل ذلك صعد الحرس الثوري الإيراني من تهديداته بإغلاق مضيق هرمز مرة أخرى، وتحدث قائد القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري أن "إيران ستغلق مضيق هرمز إذا تم منع طهران من استخدامه".
ويحتج "تنكسيري" بالقانون الدولي الذي يعتبر أن مضيق هرمز "هو ممر بحري وفق القوانين الدولية ولن يستفيد منه أحد في حال منعنا من استخدامه"، وأنه في "حالة أي تهديد فلن يكون هناك أدنى شك في أن إيران ستحمي مياهها وستدافع عنها".
وتطلق إيران تهديدات مماثلة بين حين وآخر، قد تتكرر أكثر من مرة خلال العام الواحد، منذ بدء الولايات المتحدة ممارسة ضغوطها على إيران في العام 2012 للحد من برنامجها النووي وتطوير الصواريخ بعيدة المدى التي تطال الدول العربية في الخليج وإسرائيل.
تأتي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ضمن معادلة فحواها إذا أصرت الولايات المتحدة والدول الغربية على منع دول العالم من شراء النفط، فإن الخيار الوحيد المتاح أمامها عدم السماح بمرور أي سفينة حاملة للنفط من أي بلد آخر.
تعتقد إيران أن التهديد بإغلاق المضيق أو اتخاذ خطوة عملية أولية بهذا الاتجاه سيؤدي إلى اضطراب في سوق النفط العالمية وارتفاع في أسعار الطاقة في تلك الدول، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإجراء مفاوضات فورية مع إيران تقدم خلالها بعض التنازلات استجابة لمطالب إيرانية تتعلق بتخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وفي مواجهة سياسات الولايات المتحدة، تستخدم إيران وسيلة التهديد بإغلاق مضيق هرمز كوسيلة للضغط المضاد على الضغوط الأمريكية.
كيف ستغلق إيران المضيق أمام الجميع؟
عملياً، يمكن لإيران إغلاق المضيق بكل سهولة من خلال زرع الألغام البحرية أو استخدام الزوارق السريعة التي يمتلكها الحرس الثوري وكذلك أعداد من السفن الحربية للقيام بدوريات في المياه على طول المضيق، لكن السؤال الأهم يتعلق بإمكانية الإبقاء على المضيق مغلقاً لفترات طويلة مع تهديدات أمريكية "جدية" برد عسكري على أي محاولة إيرانية لإغلاق المضيق.
ومع ارتفاع وتيرة تهديدات إيران هذه المرة وفي المرات السابقة أيضاً، لكنها لم تتخذ أي خطوات عملية تخالف القوانين الدولية الناظمة لحركة الملاحة الدولية. ولا تبدو أي احتمالات واقعية لإقدام إيران على إغلاق المضيق، غير أن خطوة كهذه ستكون سبباً في مشاكل وردود فعل قد تهدد بقاء النظام الذي يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية داخلية.
كما أن تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز قد تشكل بداية لحرب إقليمية قد تتورط فيها دول خليجية ترى أن مضيق هرمز جزء من أمنها القومي وممر استراتيجي لتدفق نفطها إلى دول العالم.
على الجهة الأخرى، فمن المرجح أن الولايات المتحدة والدول الحليفة سوف لن تتخذ أية إجراءات عسكرية فورية مضادة في حال قررت إيران إغلاق مضيق هرمز، خشية اندلاع مواجهات مفتوحة تخرج عن سيطرة الأطراف الفاعلة وتؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة واحتمالات تدخل دول إقليمية تزيد من تعقيدات الوضع، ومن المتوقع أن تجد الولايات المتحدة والدول الحليفة نفسها أمام حقيقة الالتزام بضبط النفس وعدم تصعيد الموقف، بانتظار إعادة فتح المضيق من قبل إيران أمام الملاحة الدولية.
من سيتحمل نتائج الوضع القادم؟
أخيراً، تقول باربرا سلافين مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي بواشنطن، إن طالشعب الإيراني هو مَن سيتحمل نتيجة قرار ترامب وليست قيادته التي لن تنحني أمام إدارة أمريكية تتصرف بشكل منفرد ومتعسِّف".
وأضافت سلافين بحسب موقع المجلس الأطلسي: "الواقع أن القرار الأمريكي سوف يغذي الرواية الإيرانية بكونهم ضحية وسوف يعطي النظام في طهران الذريعة ليُلقي بلائمة المعاناة الاقتصادية للشعب على إدارة ترامب، كما أن القرار لن يؤثر في الوضع الإقليمي لطهران في الوقت الذي تسحب فيه واشنطن قواتها من الشرق الأوسط، وتتخلى عن دورها في عمليات إعادة بناء العراق"، بحسب تعبيرها.