الذئاب الشريرة في ألمانيا مرة أخرى والقوى المناهضة للمهاجرين تنتهز الفرصة للهجوم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/28 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/28 الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش
ظلت الذئاب تتسلل عبر الحدود البولندية لسنوات، واستقرت تدريجياً في الريف الألماني

كان هناك ستة، وربما سبعة قتلة. أحدهم مر بهدوء جانب سيارة السيدة أنيت هيرتويك، بينما كانت تسير مسرعة في طريق الغابة إلى مكان المذبحة، بالقرب من قرية فورستين الشرقية في ألمانيا. عندها فقط رأت الجثث. العشرات منهم.

قالت: "كان أمراً مروعاً".

الجناة كانوا حسب تقرير صحيفة New York Times الأمريكية ذئاباً، منحدرين من سلالة بولندية. الضحايا كانوا خرافاً ألمانية، 55 خروفاً.

بعد أن انقرضوا قرابة قرن، عاد أسوأ الأشرار سُمعة في الحكايات الألمانية.

ظلت الذئاب تتسلل عبر الحدود البولندية لسنوات، واستقرت تدريجياً في الريف الألماني. لا يوجد سوى بضع مئات منهم.

لكن إذا سمعت حديث بعض السياسيين عن الأمر، ستشعر بأن البلاد تواجه غزواً. الطريقة التي يتحدثون بها عن الذئاب تشبه بشكل لافت طريقة حديثهم عن المهاجرين، محولين الحيوان إلى أداة للرعب، والنقاش إلى قصة رمزية عن الحروب الثقافية المستعرة التي تخوضها البلد، بين النخب الحضرية والريفيين المنسيين. بين الغرب والشرق.

وأيضاً بين أولئك الذين يرحبون بالذئاب، والمهاجرين، ومن يخافونهم.

تقول أنيت، التي تدير محمية حيوية تضم 500 خروف، وتصف نفسها مناصرة للذئب: "الذئب مصدر استقطاب، إنه يلمس شيئاً عميقاً داخلنا".

وتضيف: "الذئب كبش فداء مثالي لعصرنا"، يُصور على أنه مجرم دخيل "له أسنان بدلاً من سكاكين"، وهو "محمي من النخبة".

في منزل الأخوين غريم، كان الذئب الضخم السيئ مادة لكوابيس الأطفال عبر الأجيال، الآن يشكل أيضاً مادة للمنشورات الشعبوية في الانتخابات.

عندما يتحدث كارستن هيلس، وهو مشرِّع من شرق ألمانيا في الحزب المناهض للمهاجرين، والمناهض للذئاب، حزب البديل من أجل ألمانيا، عن الذئاب، يبدو الأمر كثيراً كما لو كان يتحدث عن المهاجرين، وأحياناً يقصد ذلك.

تشبيه اللاجئين بالذئاب

في نقاش برلماني العام الماضي قال هيلس: "هناك تشابه كبير بين مستعمرات الذئاب في ألمانيا وأزمة اللاجئين".

وقال إن وصول 1.2 مليون مهاجر منذ عام 2015 أدى إلى "جرائم اغتصاب وقتل وهجمات على ضباط الشرطة"، مضيفاً أن معظم المهاجرين يعيشون على المعونات الألمانية. وأشار إلى أن "الشيء نفسه ينطبق على الذئاب"، في إشارة إلى الدعم الحكومي لتدابير حماية الذئاب وتعويض حيوانات المزرعة المقتولة.

أصبحت الذئاب وما ينبغي أن يُفعل بها قضية رئيسية في ثلاثة صراعات انتخابية إقليمية حامية هذا العام في الشرق الشيوعي سابقاً، حيث عدد الذئاب أعلى، واليمين المتطرف قوي.

يريد البعض إطلاق النار على الذئاب، يراها مفترساً خطيراً لا يمثل تهديداً للحملان فحسب، بل للأطفال ولأسلوب الحياة المألوف. آخرون يرون أن هذا الحيوان من الأنواع المهددة بالانقراض التي تحتاج إلى الحماية.

المرأة المسؤولة عن قضية الذئاب في الفرع المحلي لحزب البديل في ولاية سكسونيا الشرقية اسمها سيلكا غريم، لكن لا علاقة لها بالأخوين غريم.

تنظم سيلكا غريم حملات للدعوة لصيد الذئاب منذ عام 2014. وقالت: "في ذلك الوقت ضحك علينا الآخرون، الآن يقلدوننا".

في مكتبها الصغير بالقرب من الحدود البولندية – التشيكية، أعطتنا سيلكا مطويتين، إحداهما عن الإسلام ولماذا لا يتوافق مع الثقافة الألمانية.

الآخر عن الذئاب، ولماذا لا يتوافق العدد الحالي منها مع "المشهد الثقافي" في ساكسونيا.

سقف لعدد الذئاب واللاجئين

مثلما طالب حزب البديل بـ "سقف" لعدد طالبي اللجوء الذين يمكن لألمانيا تحملهم، يطالب المنشور بـ "سقف" لعدد الذئاب.

ينصح المنشور أيضاً الأطفال بألا يكونوا وحدهم في الغابة. وعلى الغلاف، يظهر ذئب بارز الأسنان يتجول في منطقة سكنية، بينما تظهر دمية دب ملقاة في مقدمة الصورة.

قالت سيلكا: "الذئاب خطيرة وتتكاثر بشكل كارثي، التصريحات الرسمية هي أن الأمر تحت السيطرة. نحن نعرف هذا الكلام من أزمة اللاجئين، لا أحد يصدق كلمة منه".

وأوضحت فانيسا لودفيغ، عالمة الأحياء في مكتب المعلومات عن الذئاب التابع للحكومة الإقليمية، أنه خلال القرن الماضي لم يبلغ عن أي حالة قتل لإنسان من جراء هجوم ذئب في ألمانيا. آخر وفاة معروفة في أوروبا الغربية كانت في إسبانيا خلال الستينيات.

أحصت السلطات الألمانية 73 قطيعاً من الذئاب، و31 زوجاً من الذئاب، وثلاثة ذئاب وحيدة في جميع أنحاء البلاد، قرابة 700 حيوان في الإجمال.

وتقول فانيسا: "ليس هناك أزمة ذئاب". وتتذكر بالضبط متى أصبحت الذئاب أزمة سياسية وتؤكد: "لقد كان ذلك عام 2015، أثناء أزمة اللاجئين"، منذ ذلك الحين "كانت هناك عاصفة عاطفية واحدة".

العواطف تبدو أكثر أهمية من الحقائق

ومثلما هو الحال مع المهاجرين، عندما يتعلق الأمر بالذئاب، فإن العواطف تبدو أكثر أهمية من الحقائق.

كل شخص في ولاية ساكسونيا يعرف حكايات غريم. والجميع يعرفون قصة لوليك وبوليك.

كانت لوليك وبوليك غنمتين تُرعيان في فناء خلفي لحضانة في قرية أوسمانسدورف. في إحدى الليالي، جاء ذئب. اختفت لوليك أولاً. وبعد أسبوعين اختفت بوليك أيضاً. لذلك لم يعد الأطفال يؤخذون إلى الغابة القريبة.

تتجول هايك بوم عمدة القرية في الغابة يوماً. تقول: "لقد عززت قصة لوليك وبوليك المخاوف من أن المكان قد اجتاحته الذئاب، أنا لم أرَ واحداً قط".

عندما التقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل زملاءها من حزب المحافظين في المنطقة العام الماضي، وحينها أُثيرت قضية لوليك وبوليك أيضاً. قالت ميركل إنه "عند الضرورة"، يجب اصطياد الذئب. تدرس وزيرة البيئة الآن قانوناً من شأنه أن يسهل إطلاق النار على "الذئاب التي تسبب مشكلات".

لم ينتظر البعض القانون. عثر على جثة ذئب طافية في بحيرة بالمنطقة. أطلقت النار على رأس الحيوان، ثم أغرق في الماء بربط كتلة من الأسمنت حول جسمه، في عملية إعدام على طريقة المافيا.

في أوائل القرن التاسع عشر، عندما جمع الأخوان غريم حكاياتهما الخيالية، كانت الذئاب تمثل تهديداً وجودياً لصغار الفلاحين في مجتمع زراعي. صوِّر الذئب على أنه الشرير المطلق، المفترس الماكر الذي يهدد النساء والأطفال والمعيشة.

في قصة "الذئب والخراف السبعة"، يلتهم الذئب ستة من الخراف السبعة. في قصة "ذات الرداء الأحمر"، يبتلع الذئب الجدة أولاً ثم الفتاة الصغيرة.

وقالت فانيسا من الحكومة الإقليمية: "يمكنك أن تشرح أن الحكايات الخرافية ليست سوى حكايات خرافية، لكن هذا وحده ليس كافياً، سيكولوجية المجتمع معقدة بسبب التاريخ الطويل للذئاب في الفلكلور الألماني".

أطلقت عليها: "متلازمة ذات الرداء الأحمر".

في السياسة، كما في الحكايات الخيالية، يمثل الذئب أشياء عديدة. بعد مرور 30 عاماً على سقوط جدار برلين، أصبحت الذئاب تجسد الامتعاض الذي يشعر به بعض الألمان الشرقيين تجاه ما يعتبرون أنه استيلاء غربي.

في ظل الشيوعية، كانت الذئاب التي تمر عبر الحدود، تُردى قتيلة. بعد إعادة توحيد الشطرين، أصبحت الذئاب "نوعاً محمياً بشدة" بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي.

الذئب الفائز في إعادة توحيد ألمانيا

كان ينظر إلى الذئب على أنه الفائز في إعادة التوحيد، في حين أن بعض المزارعين هنا يشعرون بأنهم الخاسرون، بلا أموال طائلة، ويفتقرون المكانة التي كانوا يحظون بها في السابق، ويفقدون أطفالهم لصالح الغرب.

والآن تقول أنيت، الشاهدة على مجزرة الأغنام: "يأتي الذئب ويأكل خرافهم، أستطيع أن أفهم غضبهم".

على بعد مسافة قصيرة بالسيارة، كان ستيفان كاشي، أحد مرشدي السياحة الطبيعية، يدير ورشة عمل مع أطفال يبلغون من العمر 10 أعوام. أخرج جمجمة ذئب، وفتح فكيه على اتساعهما، وأمسكهما فوق رأس إحدى الفتيات.

قال: "هل ترين؟"، "لا يمكن للذئب ابتلاعك كاملة".

بالنسبة لستيفان، فإن الهستيريا الحالية حول الذئاب "لا تقول شيئاً عن الذئاب، وإنما تقول الكثير عن الطبيعة البشرية".

وقال إن مظالم الناس حقيقية، لكن لا علاقة لها بالذئاب. السياسيون الذين يدعون خلاف ذلك "يشبهون ذئباً في فراء خراف".

تحميل المزيد