بدأ الأردن في النظر إلى ما هو أبعد من حلفائه الاعتياديين، الذين اقتصروا في العقود الأخيرة على دول الخليج الغنية التي منحته مساعدات مالية ضخمة، وذلك في خضم التحولات الرئيسية التي تشهدها المنطقة، وأبرزها القضية الفلسطينية وصفقة القرن، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إذ انتهت حزمة المساعدات التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأردن بقيمة 3.6 مليار دولار في شهر يناير/كانون الثاني عام 2017، ولم تُعرَض المزيد من المساعدات. وتفاقمت الأزمة الاقتصادية داخل الأردن، رغم أنَّ السعودية والكويت والإمارات منحت البنك المركزي الأردني أكثر من مليار دولار في العام الماضي حتى تُزوِّد المملكة الهاشمية بالتمويلات التي اشتدت الحاجة إليها.
القضية الفلسطينية
وبحسب الموقع البريطاني ليست الأزمة المالية للأردن الدافع الوحيد للسياسة الخارجية. إذ تُسهم القضايا الأخرى بدور مُهم، ومنها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و"صفقة القرن الأمريكية" الوشيكة، والتي قد تغير واقع الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
ويعتقد الأردن أن التوقيع على الصفقة سيأتي على حساب هويته ودوره في القدس. لذا اتَّخذ موقفاً ينُصُّ على رفض أي تغييرات تطرأ على الوضع القانوني للقدس، أو وضع أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون داخل الأردن.
وأُرهِقت خزانة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) نتيجة تمويل اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن وقف المساعدات الخليجية الممنوحة إلى الأردن. وفي الوقت ذاته، لا يزال هُناك قرابة المليون لاجئ سوري داخل الأردن، ويعيش غالبيتهم تحت خط الفقر.
ودفعت هذه العوامل بالأردن إلى البحث عن حلفاء جُدُد، في ظل الضغوط الناجمة عن الأزمة المالية مُتعدِّدة الأوجه، إلى جانب خطر الاضطرابات الداخلية، والتوقُّعات بأن الصفقة الأمريكية الموعودة ستخدم مصالح إسرائيل.
حقبةٌ جديدة من التعاون
زار الملك عبدالله الثاني العراق في منتصف يناير/كانون الثاني، وهي الزيارة الأولى له إلى بلاد الرافدين منذ 10 سنوات، وتُعَدُّ من بين المؤشرات الأولية على البحث عن حلفاء جُدُد. وبعد أسبوعين، وقَّع رئيس الوزراء الأردني على عدد من الاتفاقيات مع العراق، في خطوةٍ قالت وكالة الأنباء الأردنية بترا أنَّها تُبشِّر بـ "حقبةٍ جديدة من التعاون".
ثم زار الملك عبدالله تركيا في فبراير/شباط، والتقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخل إسطنبول، رغم تصاعد التوترات بين أنقرة ودول الخليج. وذكر تقرير لوكالة الأنباء الأردنية بترا أنَّهما ناقشا القضية الفلسطينية والحاجة إلى دعم الأونروا لتتمكَّن من مواصلة تقديم المُساعدات. واتَّفق البلدان أيضاً على توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بينهما.
وفي الـ13 من فبراير/شباط، أرسل الملك الأردني برقيةً لتهنئة إيران بالذكرى الـ40 للثورة الإسلامية. وأشارت تقارير إلى أن الملك أعرب عن أمنياته "للرئيس الإيراني حسن روحاني بدوام الصحة والعافية، وللشعب الإيراني بالمزيد من التقدُّم والازدهار".
وبدأ الأردن أيضاً في بناء جسور تواصلٍ جديدة مع قطر، رغم استمرار الأزمة القطرية الخليجية، إذ زار وفدٌ برلماني أردني الدوحة مؤخراً للاجتماع بمسؤولين قطريين ومناقشة الشواغل المشتركة. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الملك الأردني بعث برسالةٍ إلى أمير قطر "لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين"، في وقت سابقٍ من هذا الشهر.
وعلم موقع Middle East Eye من مصادر حكومية أردنية أن العلاقات مع قطر "تتحسن رُويداً رُويداً"، رغم غضب بعض الدول الإقليمية. وليست هناك توتراتٌ بين عمَّان والدوحة؛ إذ "تتفهم قطر الموقف الأردني، وسيصل المزيد من الدعم القطري". وأضاف المصدر أن مُراسلي قناة الجزيرة، الذين مُنعوا في بلاد أخرى، يُباشرون عملهم المعتاد داخل الأردن.
صياغةُ مسارٍ جديد
تُعطي التحركات الأردنية الأخيرة مؤشراً مهماً على التحول المستمر للبلاد بعيداً عن حلفائها التقليديين، ومنهم السعودية والإمارات. ويأتي ذلك في خِضَمِّ الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة بين أنقرة والرياض، نتيجة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي الوقت ذاته، تخوض إيران حرباً غير مباشرةٍ ضد السعودية والإمارات في اليمن، في حين تُعتبر العراق أحد أهم الحلفاء الإقليميين لإيران. فضلاً عن أن قرار الأردن بإعادة فتح معبرٍ حدودي مع سوريا في العام الماضي يُمكن أن يُفسَّر على أنَّه رسالةٌ إيجابية تُبعَث للنظام.
وتُشير كافة هذه المؤشرات إلى أنَّ الأردن يبحث عن حلفاء جُدُد في المنطقة، بعيداً عن المحور التقليدي الذي هيمن على مشهده السياسي منذ أعوام.