كشفت صحيفة The Washington Post الأمريكية عن وجود مفاوضات بين الولايات المتحدة وتركيا، حول خطة تضطلع قواتهما بموجبها بتسيير دوريات مشتركة، لحراسة المنطقة الآمنة بسوريا بمساحة تصل إلى نحو 20 ميلاً، على طول الحدود الشمالية الشرقية مع تركيا.
وأفاد مسؤولون أمريكيون وأتراك، للصحيفة الأمريكية، الخميس 25 أبريل/نيسان 2019، بأن الترتيب المقترح، الذي يتضمن الانسحاب من منطقة أكراد سوريا الذين كانوا حلفاء أساسيين للولايات المتحدة في قتالها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يشكل خطوة إلى الوراء ابتعاداً عن الآمال الأولية لإدارة ترامب، الرامية إلى إمكانية تأمين المنطقة عن طريق حلفائها من الائتلاف أو قوات أمن محلية.
البحث عن حل لأحد الصراعات التركية – الأمريكية
وتوضح الصحيفة الأمريكية أنه سوف يشكل الاضطلاع بأعمال الدوريات مهمة إضافية تتولاها القوات الأمريكية في سوريا، والتي يُنتظر خفض أعدادها إلى أقل من النصف، لتصل إلى نحو 1000 فرد، خلال الأشهر القادمة.
ورفضت بريطانيا وفرنسا -اللتين تواصل قواتهما مشاركتها في مهمة مكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ضد فلول تنظيم داعش- طلباً أمريكياً يدعوهما إلى الإسهام في مراقبة المنطقة الآمنة بسوريا فيما سيكون حاجزاً بين الأكراد وتركيا. ومن جانبها، تَعتبر أنقرة أن الأكراد إرهابيون.
تُعتبر قضية الحدود واحدة من صراعات عديدة زعزعت العلاقات التركية-الأمريكية زعزعةً شديدةً، ووضعت عضوَي منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مسار تصادمي. على الرغم من استمرار زيارات مسؤولين أتراك رفيعي المستوى لواشنطن في الأيام الأخيرة، لم يكن هناك تقدُّم واضح في التوصل إلى حل للمطالب التي تقدمت بها الولايات المتحدة إلى تركيا لإلغاء طلب شراء نظام دفاع صاروخي من روسيا، أو المخاطرة بالحرمان من المشاركة في البرنامج المشترك لإنتاج الطائرة المقاتلة "إف-35" أو شرائها.
في حين قالت تركيا إن شراءها نظام الدفاع الروسي إس-400 "صفقة محسومة".
قال ألكسندر ميخيف، رئيس شركة Rosoboronexport الروسية الحكومية لتصدير الأسلحة، الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2019، إن "كل شيء نُوقش بالفعل واتُّفق عليه"، وإنه من المخطط أن يبدأ التسليم في يوليو/تموز 2019.
ورفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إصرار الولايات المتحدة وحلف الناتو على أن وجود نظام الدفاع الروسي وطائرات "إف-35″، وهي الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة الأمريكية، في "موقع مشترك"، أمر غير مقبول. وهدد الكونغرس بفرض عقوبات على تركيا إذا مضت قدماً في إتمام الصفقة.
خاصة بعد أزمة النفط الإيراني
اشتد التوتر هذا الأسبوع، مع إعلان إدارة ترامب أنها ستتوقف عن منح إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران، لبعض الشركات الأجنبية والمؤسسات المالية في البلاد التي تعتمد على النفط الإيراني.
تعتبر تركيا زبوناً أساسياً لإيران، في وجود خط الأنابيب الممتد على الحدود المشتركة بين البلدين، وسوف تتعرض لضربة اقتصادية شديدة إذا توقفت إمدادات الطاقة القادمة من الجمهورية الإسلامية.
احتجت أنقرة على العقوبات "الثانوية" التي تسري في الثاني من مايو/أيار، باعتبارها انتهاكاً غير قانوني لحقوقها السيادية للتجارة مع أي بلد تريده. وطلبت مزيداً من الوقت لخفض اعتمادها على النفط الإيراني، لكنَّ موقف الإدارة يظل متمثلاً بعدم السماح بأي تمديد للإعفاء من العقوبات.
وفي الشهر الماضي (مارس/آذار 2019)، أمل كبار المسؤولين في إدارة ترامب إذابة الجليد في العلاقات بعد الانتخابات البلدية التي جرت في تركيا أواخر مارس/آذار 2019. ولكن على الرغم من زيادة المحادثات التجارية والعسكرية والدبلوماسية رفيعة المستوى خلال الأسابيع الماضية، لم يظهر بعض بريقٍ من التقدم إلا في مسألة الحدود.
إلا أن هناك رغبة من الطرفين في تجاوز "العوائق"
قال مسؤول حكومي أمريكي بارز: "لا تزال هناك اختلافات كبيرة، ولكن هناك رغبة من الجانبين في التوصل إلى حلول"، مضيفاً أن الإدارة تريد قطعة أرض أضيق من المساحة البالغة نحو 20 ميلاً والتي اقترحها الأتراك. تحدَّث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته، لأن المفاوضات ما زالت جارية.
حصلت وحدات حماية الشعب الكردية على التدريبات من الولايات المتحدة، وكانت القوةَ البريةَ الأساسية في القتال الذي يخوضه الائتلاف ضد تنظيم داعش في سوريا بقيادة الولايات المتحدة. وتعتبر هذه الميليشيا الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو المنظمة السياسية الكردية الرئيسية في سوريا.
وقد وجهت تركيا اتهامات إليهم بأنهم إرهابيون متحالفون مع الحركة الكردية الانفصالية على أراضيها، وطلبت من الولايات المتحدة نزع السلاح منهم وتسريحهم. رفضت الطلب التركي الولاياتُ المتحدةُ، التي قالت إن آلافاً من مقاتلي تنظيم داعش لا يزالون منتشرين أو مختبئين في سوريا.
في انتظار انسحاب كلي للقوات الأمريكية من سوريا
عندما ادَّعت إدارة ترامب في العام الماضي (2018)، تحقيق النصر في معركتها لإخراج تنظيم داعش من الأراضي السورية التي احتلها على طول نهر الفرات، حشد أردوغان قوات بلاده على الحدود، وهدد بشن هجوم على الأكراد إذا لم يخرجوا من هذه المنطقة.
اكتسب هذا التهديد ثقلاً إضافياً عندما قال ترامب في مكالمة هاتفية مع أردوغان بمنتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، إنه يخطط لسحب نحو 2000 من أفراد القوات الأمريكية في سوريا.
ووافق ترامب أيضاً على منطقة حماية سوف تُبعد الأكراد عن الحدود التركية. غير أن السؤال الذي لاح في الأفق على الفور، هو: من يمكنه أن يقدم هذه الحماية؟
قالت تركيا إنها كانت سترسل قواتها -إضافة إلى اللاجئين السوريين الذين أُعيد توطينهم في تركيا؛ هرباً من العنف في سوريا- وطالبت بتوفير مساعدات لوجيستية أمريكية وغطاء جوي.
كانت الإدارة الأمريكية راغبة في تجنُّب موقف سوف يحرِّك فعلياً الحدود 20 ميلاً جنوباً في الداخل السوري، ولن يتخلص من التهديد بوجود صراع مسلح مع الأكراد، لذا فقد ناشدت حلفاء الائتلاف اتخاذ مواقع لهم في المنطقة الحدودية الحاجزة.
رفض هؤلاء، قائلين إن مهمتهم كانت قتال تنظيم داعش فقط. حتى إن إدارة ترامب اقترحت خطة لاحقة تتمثل بتدريب سوريين ليسوا تابعين لوحدات الشعب الكردية، كي يشكلوا قوة حماية، لكنها لم تتجسد كلياً.
وفضلاً عن النقاشات المستمرة حول اتساع المنطقة التي تحميها الدوريات، قال قادة وحدات حماية الشعب، في الأسبوع الماضي، إنهم لم يُبلَّغوا بعدُ خطط الولايات المتحدة للانسحاب.