«سي إن إن»: بعض مَن أعدمتهم السعودية قدَّموا اعترافاتهم بالإكراه

قبل فترة طويلة من إعلان المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها نفذت إحدى أكبر عمليات الإعدام في تاريخها، قدم بعض الرجال المحكوم عليهم بالإعدام مناشدات مؤثرة للمحاكم في محاولة لإنقاذ حياتهم.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/26 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/26 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ رويترز

قبل فترة طويلة من إعلان المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها نفذت إحدى أكبر عمليات الإعدام في تاريخها، قدم بعض الرجال المحكوم عليهم بالإعدام مناشدات مؤثرة للمحاكم في محاولة لإنقاذ حياتهم.

وحسب شبكة CNN الأمريكية، قال كثيرٌ منهم إنهم أبرياء كلياً، وإن اعترافاتهم كتبها الأشخاص أنفسهم الذين عذبوهم. وزعم البعض أن بحوزتهم أدلة على تعرّضهم لسوء المعاملة على يد من استجوبوهم.

واحدة من كبرى عمليات الإعدام في السعودية

ووفقاً لما أظهرته وثائق جلسات المحاكمة، فقد جدد أحدهم تأكيده على ولائه للملك سلمان وابنه ولي العهد محمد بن سلمان أملاً في أن تتساهل المحكمة معه.

غير أن أياً من تلك المزاعم استمالت القضاة الذين يشرفون على محاكماتهم في العام 2016، وأُدين المشتبه بهم بجرائم متعلقة بالإرهاب وحُكِّم عليهم بالإعدام. ويوم الثلاثاء الماضي 23 أبريل/نيسان، أعلنت الرياض تنفيذ حكم الإعدام بحق 37 رجلاً، بما في ذلك ثلاثة قُصَر قالت المملكة إنهم ارتكبوا جرائم.

وجرى صلب أحد الرجال بعد إعدامه وربطه وعرضه على الملأ ليكون عِبرة وتحذير للآخرين.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فأصغر من جرى إعدامهم يدعى عبدالكريم الحواج. ووجهت له تهمة المشاركة في احتجاجات غير سلمية حين كان في السادسة عشرة من عمره، وأثار حكم إعدامه غضب الأمم المتحدة، التي حثت المملكة على إسقاط الحكم.

ومن بين أصغر من أُعدموا أيضاً، مجتبي السويكت، الذي كان في السابعة عشرة حين شارك في مظاهرات أدت إلى اعتقاله في العام 2012. اعتقلته قوات الأمن في مطار الدمام حيث كان يستعد لاعتلاء طائرة ليتوجه إلى الولايات المتحدة، حيث كان سيلتحق بجامعة ميشيغان الغربية.

وسط اتهامات للرياض بـ "تعذيب" المتهمين للاعتراف

حصلت شبكة CNN الأمريكية على مئات الأوراق من وثائق خاصة بثلاث محاكمات تعود للعام 2016 تضمنت 25 رجلاً كانوا ضمن من أُعلن إعدامهم هذا الأسبوع. وجد 11 منهم مذنبين بالتجسس لصالح إيران، العدو الإقليمي اللدود للمملكة.

أُدين 14 آخرون بتشكيل "خلية إرهابية" أثناء احتجاجات مناهضة للحكومة في مدينة العوامية ذات الأغلبية الشيعية في الفترة بين 2011 و2012. وأغلبهم من الأقلية الشيعية المُشهَّر بها كثيراً في المملكة.

بالنسبة للسلطات، كان البت في محاكمة أولئك المشاركين في احتجاجات العوامية أمراً بالغ السهولة، فقد اعترف الرجال، و "حُققَّت العدالة"  على حد وصف مسؤول سعودي في حديثه مع شبكة CNN

يوم الثلاثاء. عندما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها في 2017 من أن التعذيب اُستخدم للحصول على الاعترافات في تلك القضية، ردت الحكومة السعودية بخطاب تنكر فيه المزاعم، وتشير إلى أن الرجال اعترفوا بجرمهم في المحكمة.

لكن الوثائق التي حصلت عليها شبكة CNN تعرض أنهم أبعد ما يكونون عن الاعتراف، إذ إن بعضاً من الرجال في قضية العوامية قيل إنهم أخبروا المحكمة أن الاعترافات كانت مزيفة، وأنه جرى الحصول عليها عن طريق التعذيب.

وفي بعض القضايا، قال المشتبه فيهم إنهم لم يقدموا أي شيء إلا بصمة الإبهام على اعترافاتهم التي زعموا أن مَن عذبوهم هم مَن كتبوها.

في حين تؤكد المملكة أنها "لن تتساهل مع الإرهابيين"

تشير الوثائق إلى أن أحد المتهمين، واسمه منير آل آدم، قال خلال المحكمة: "هذه ليست كلماتي. لم أكتب خطاباً. هذا افتراء كتبه محقق بيده".

كان الشاب البالغ من العمر 27 عاماً، الذي يعاني من عمى وصمم جزئي، أحد الأشخاص الذين وردت أسماؤهم ضمن قائمة المنفذ فيهم حكم الإعدام التي أُعلنت الثلاثاء 23 أبريل/نيسان 2019.

لم تُقدم الحكومة السعودية استجابة فورية على طلبات عديدة للتعليق على مزاعم التعذيب والإجبار على الاعتراف، التي وردت في وثائق المحكمة.

وفي تعليق على الإعدامات، قال مسؤول سعودي لشبكة CNN الثلاثاء: "المملكة العربية السعودية تبنت منذ عهد طويل سياسة عدم التسامح إطلاقاً تجاه الإرهابيين الذين أراقوا دماء الأبرياء، وهددوا الأمن القومي للمملكة، وشوهوا عقيدتنا. المجرمون المدانون الذين أُعدموا اليوم حظوا بفرصة الشكوى أمام المحكمة ووُجد أنهم مذنبون لارتكاب جرائم خطيرة للغاية".

وكل مَن يحاول "زرع الاضطرابات"

كانت غالبية المنفَّذ فيهم حكم الإعدام من أبناء الأقلية الشيعية في المملكة، التي طالما احتجت على التهميش السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه طائفتهم الدينية.

وتستند أغلب قضايا المُنفذ فيهم حكم الإعدام إلى أحداث مدينة العوامية، وهي مدينة ذات أغلبية شيعية تقع في المنطقة الشرقية، حيث ترسخت فيها احتجاجات الربيع العربي في المملكة في 2011. كانت العوامية مسقط رأس رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، الذي أعدمته الحكومة السعودية في 2016.

في إحدى القضايا، حُوكم 24 رجلاً على خلفية جرائم مزعومة تتعلق بالاحتجاجات. اتُّهم 14 منهم بالانضمام إلى خلية إرهابية، حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة متعلق بالقضية. وكان هؤلاء الرجال الـ14 ضمن قائمةِ من نُفِّذ فيهم حكم الإعدام، والتي أُعلنت الثلاثاء 23 أبريل/نيسان 2019.

تشير وثائق المحكمة التي اطلعت عليها CNN، إلى أن محاكمة الرجال اعتمدت إلى حدٍ كبير على الاعترافات، وأن الرجال الـ14 المتهمين بالانضمام إلى خلية إرهابية أنكروا التهم.

وبجمعها معاً، ترسم الاعترافات لهؤلاء الرجال الـ14 صورةً مفصلةً لمجموعة من النشطاء الشباب الذين نسقوا تنسيقاً وثيقاً أعمال شغب، ودعاية معادية للحكومة، وكانوا أحياناً يقيمون علاقات جنسية بعضهم مع بعض.

لكن هناك حديث عن "تلفيق" التهم

حسبما ورد في الاعترافات المُقدَّمة إلى المحكمة، اعترف أحد الرجال بأنه أقام علاقات جنسية مع أربعة رجال آخرين ممن يُحاكمون. ظهرت علاقاته الجنسية مرتين في البيانات المنشورة، مختلطة مع تفاصيل عن العنف المُناهِض للحكومة. تُجرَّم المثلية الجنسية في السعودية، التي تلتزم التأويل الصارم لأحكام الشريعة.

وقد جاء في تقرير المحكمة: "قال إنه فعل كل هذا لأنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية ولأنه كان ضد الطائفة السنية، وبسبب كرهه للدولة ورجالها وقواتها الأمنية". أنكر الرجل التهم الموجَّهة إليه، وقال محاميه إن المحقق "اختلق" الاعترافات.

سجينٌ آخر صدر بحقه حكم بالإعدام، واسمه حسين محمد آل مسلم، أخبر المحكمة بأنه عانى إصابات كثيرة، من ضمنها كسر في الأنف والترقوة والساق.

وحسبما ورد في الوثائق، قال حسين: "لا شيء من هذه الاعترافات صحيح، ولا يمكنني إثبات إجباري على القيام بهذا. ولكن هناك تقارير طبية من مستشفى السجن في الدمام، وأطلب من عدالتكم استدعاءها. فهي توضح آثار التعذيب على جسدي".

وإجبار على التوقيع "ليتوقف التعذيب"

القضية برمتها ضد الطالب مجتبى السويكت بُنيت لـ "خلق وهْم (وجود) خلية إرهابية"، إذ لم تكن هناك خلية، كما جادل والده أمام المحكمة.

وقال نادر السويكت، الذي كان محامي ابنه خلال المحاكمة الجماعية: "عدد قليل فقط من الرجال الأربعة والعشرين ارتكبوا جرائم حقيقية"، طبقاً لوثائق المحكمة.

في دفاعه عن ابنه، حاول نادر رسم صورة لعائلة وطنية موالية للمملكة، ولصبي مجتهد مهذَّب أنهى اختباراته النهائية الرسمية في السعودية بمعدل متوسطٍ قدره 94%.

لكن بدلاً من مواصلة تحقيق أحلامه في ولاية ميشيغان الأمريكية، اعتُقل مجتبى السويكت عام 2012، ووُضع في الحبس الانفرادي 90 يوماً، وفقاً لوالده.

وجاء في وثائق المحكمة أن مجتبي اعترف بإلقاء قنابل مولوتوف على قوات الأمن، وإدارة مجموعة محادثة على هاتفه من طراز البلاك بيري، ساعدت في تنظيم المظاهرات. ادَّعى والده أن ابنه انضم مرتين فقط إلى المظاهرات، ولمدة خمس دقائق في كل مرة.

وقال والد مجتبي في تصريحٍ وَرَدَ بوثائق المحكمة: "تعرَّض لإيذاء نفسيٍّ وجسديٍّ استنزف قوته"، مضيفاً: "أَمْلى المحققُ الاعترافَ للسويكت، وأجبره على التوقيع عليه، حتى يتوقف التعذيب. فوقَّع".

في النهاية، أُدين مجتبى السويكت أيضاً، وحُكم عليه بالإعدام.

وإعدامهم تمَّ دون علم عائلاتهم

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية وبعض الناشطين السعوديين، لم تبلَّغ العائلات مسبقاً عمليات الإعدام، وقد صُدموا عندما تلقوا الأخبار التي تفيد بأن أحبَّاءهم المحتجَزين منذ فترة طويلة، قد قُتلوا.

لا يظهر أن أياً من العائلات علَّقت علناً منذ الإعلان عن عمليات الإعدام. اعتبرت السلطات السعودية الاتصال بالصحفيين الأجانب دليل إدانة في قضايا جنائية أخرى.

وعبَّر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقه من عمليات الإعدام، التي نُفذت يوم الثلاثاء الماضي.

وقال المسؤول لشبكة CNN: "لقد رأينا هذه التقارير. نحثُّ الحكومة السعودية وجميع الحكومات على التأكد من ضمانات المحاكمة، والتحرر من الاعتقال التعسفي والاعتقال خارج نطاق القضاء، والشفافية، وسيادة القانون، وحرية الدين والمعتقد".

الإعدامات جزء من حملةٍ أوسع

لدى السعودية أحدُ أعلى معدلات الإعدام في العالم. وقد نُفِّذت عمليات إعدام جماعي بحق 47 شخصاً في يناير/كانون الثاني عام 2016، بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر. واتهمت السلطات المعتقلين الذين أُعدموا بالإرهاب وبتبنِّي أيدولوجيا متطرفة.

يشرف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على حملة مكثفة ضد المعارضة منذ ظهوره لأول مرة على الساحة السياسية في المملكة عام 2015.

وفي السنوات الأخيرة، أمر أيضاً باحتجاز رجال أعمال وأمراء بارزين، إلى جانب مدافعين عن حقوق المرأة، يُقال إنهم تعرضوا للتعذيب، وتتهمهم السلطات بأنهم "على اتصال مشبوه" بكيانات أجنبية. ونفت الحكومة مراراً مزاعم التعذيب.

جاءت أخبار عمليات الإعدام في السعودية عشية مؤتمر أعمال كبير بالرياض، لكنه لم يمنع بعض أكبر الأسماء في القطاع المصرفي والمالي من الحضور.

ظهر كل من لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة BlackRock، وجون فلينت الرئيس التنفيذي لبنك HSBC، ودانييل بينتو كبير مسؤولي العمليات في JPMorgan، على المنصة، الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2019، في الحدث الذي نظَّمته الحكومة السعودية.

لم يُسأل أيٌّ من المسؤولين الماليين، عن حقوق الإنسان على منصة المؤتمر. ورفض كل من JPMorgan وMorgan Stanley التعليق، في حين لم يردَّ HSBC وBlackRock على طلب التعليق.

تحميل المزيد