تاريخ الاتحاد الإفريقي مع الحالة المصرية يخبرك ماذا سيفعل مع انقلاب السودان؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/25 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/25 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
القمة التي استضافتها مصر وضمت مجموعة من الدول الإفريقية المعنية بالسودان/ رويترز

كيف سيتعامل الاتحاد الإفريقي مع انقلاب السودان؟ فتاريخ الاتحاد في التعامل مع الانقلابات ليس واحداً، إذ اتخذ مواقف صارمة من بعض الانقلابات وكان أكثر ليونة في حالات أخرى.

وردَّ الاتحاد الإفريقي، شأنه شأن الهيئات الدولية الأخرى، على قرار الجيش السوداني الإطاحة بالرئيس عمر البشير بعد قرابة 30 عاماً في السلطة، بالتعبير عن استيائه من عملية الإطاحة غير الدستورية، فيما دعا إلى مرحلةٍ انتقالية هادئة ومُقيَّدة إلى حكمٍ ديمقراطي مدني.

كيف سيتعامل الاتحاد الإفريقي مع انقلاب السودان؟

البشير ليس إلا أحدث زعيم إفريقي ممن يتولون السلطة منذ زمنٍ طويل يسقط في الآونة الأخيرة، وسَبَقَه من هؤلاء رئيس بوركينا فاسو، بليز كومباوري، عام 2014، ورئيس غامبيا يحيى جامع عام 2017، ورئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، عام 2017.

نظرياً، الاتحاد الإفريقي ملتزم برفض التغييرات غير الدستورية في الحكم. لكن ما مدى قوة هذا الالتزام؟ وعملياً ماذا سيفعل الاتحاد الإفريقي؟ وما الذي يمكنه عمله عند وقوع عملية إطاحة عسكرية؟

تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية عرض للأساس القانوني الذي يستند إليه الاتحاد الإفريقي في التعامل مع الانقلابات، وكيف تبيان التطبيق الواقعي لهذا الموقف من حالة إلى أخرى، وهل لذلك علاقة بقوة الدولة التي وقع فيها انقلاب أم بالظروف المحيطة.  

لديه الأدوات للتعامل مع الانقلابات ومصر كانت الاختبار الأصعب

دعت منظمة الوحدة الإفريقية، سلف الاتحاد الإفريقي، إلى المشاركة الشعبية في الحكم من جانب المواطنين الأفارقة. ولتوضيح هذا، أصدرت المنظمة "إعلان لومي"، الذي أكَّد احترام القارة للحكم الدستوري، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان.

ويصل "القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي" بإعلان لومي إلى أبعد من هذا، فينص على إدانة الاتحاد ورفضه لكل التغييرات غير الدستورية في الحكم، ويمنح القانون التأسيسي للاتحاد كذلك الحق للتدخُّل في أي دولة عضو في ظل "ظروف خطيرة" (المادة الرابعة، الفقرة ح).

كيف سيتعامل الاتحاد الإفريقي مع انقلاب السودان؟
الرئيسان المخلوعان السوداني عمر البشير والمصري حسني مبارك، أرشيفية/ AFP

ويملك الاتحاد الإفريقي، من خلال "الميثاق الإفريقي حول الديمقراطية والانتخابات والحكم"، السلطة لمعاقبة الدول الأعضاء بعد وقوع انقلاب أو تمرد يطيح بقائدٍ مُنتخب ديمقراطياً، أو في حال رفض قائد حالي مغادرة الحكم بعد خسارته الانتخابات.

ووجد بحثٌ أجراه أستاذ العلوم السياسية توماس تيكو أنَّ مصطلح "التغييرات غير الدستورية" واسع بما يكفي لمنح الاتحاد الإفريقي بعض المرونة في استنتاج ما إذا كان الوضع يُمثِّل تغييراً دستورياً أو تغييراً غير ديمقراطي.

وكلٌ من إعلان لومي، والقانون التأسيسي، والميثاق الإفريقي حول الديمقراطية والانتخابات والحكم معاً يُشكِّلون ويُطبِّعون معايير الديمقراطية في البلدان الإفريقية، ويمنحون الاتحاد الإفريقي أدواتٍ لإجبار الدول على الامتثال.

لكن في عام 2011، اختبرت الأحداث في مصر التزام الاتحاد الإفريقي بهذه المهمة.

إذ ساعدت انتقالات الحكم في مصر الاتحاد الإفريقي على تطوير رده على الانقلابات والأزمات

فبعد 18 يوماً من الاحتجاجات الشعبية في مصر عام 2011، استقال الرئيس حسني مبارك وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة. وبعد عام، أجرت مصر أول انتخاباتٍ ديمقراطية لها. وعلى الرغم من المخاوف بشأن إقدام القضاة المصريين المعينين من قِبل مبارك على إبطال فرز الأصوات وإعلان فوز المرشح المُفضَّل لدى الجش الحاكم، أحمد شفيق، أدَّى مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي اليمين رئيساً للبلاد في 30 يوليو/تموز 2012. وبعدما منح مرسي نفسه سلطات واسعة أثارت احتجاجاتٍ شعبية، أطاح به ضباط الجيش في يوليو/تموز 2013.

ورداً على ذلك، أعلن مجلس السلم والأمن الإفريقي أنَّ الإطاحة برئيسٍ منتخبٍ ديمقراطياً لا تتوافق مع الدستور المصري، وأنَّ عملية الإطاحة التي جرت في يوليو/تموز 2013 كانت تغييراً غير دستوري للحكم.

علَّق الاتحاد الإفريقي "مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الإفريقي حتى استعادة النظام الدستوري"، وبالفعل أعاد مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2014.

ويشير الكاتب إلى أن الجيش عزل مرسي بعد احتجاجاتٍ شعبية على أفعاله غير الدستورية، والتي إن لم تكن ديمقراطية، فيمكن اعتبارها على الأقل تمثيلاً للإرادة الشعبية.

لن نجامل الأقوياء.. تقرير مصر يحدد كيف يتم تعليق العضوية أو إعادتها

كيف يُقرِّر الاتحاد الإفريقي متى وتحت أي ظروف يمكن تعليق عضوية أي بلد وإعادتها، والتمسك بتلك المبادئ بصورة متسقة؟

للإجابة عن هذا السؤال، أصدرت لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى حول مصر في عام 2014 تقريراً يُظهِر الخطوات التفصيلية التي اتخذتها من أجل التوصُّل لقرار التوصية برفع العقوبات عن مصر.

اعترف التقرير بأنَّ الاتحاد الإفريقي لابد أن يُطبِّق معاييره بصورة متسقة على كل الأعضاء، بمن في ذلك الأعضاء الأقوياء نسبياً مثل مصر، بدلاً من اتخاذ موقف قوي فقط تجاه التغييرات غير الدستورية في الأعضاء "الأضعف" مثل مدغشقر عام 2010 وغينيا بيساو عام 2012.

وفي كلتا الحالتين، كان تعليق العضوية سريعاً وحاسماً، وسرعان ما انتقلت كلتا الدولتين إلى فترة انتقالية إلى حكمٍ مدني.

مع ذلك لم يرد الاتحاد الإفريقي باتساق على الانقلابات كما يزعم

بدا أنَّ الاتحاد الإفريقي يتّبع مبادئه التوجيهية عند رده على محاولتي الانقلاب في بوركينا فاسو عام 2014 وبوروندي عام 2015.

إذ أدانت رئيسة الاتحاد الإفريقي السابقة نكوسازانا دلاميني زوما المحاولة الانقلابية في بوروندي "بأشد العبارات".

وحين عاد الرئيس البوروندي إلى البلاد وسط ادعاءات بأنَّ الانقلاب قد "فشل"، سعى الاتحاد الإفريقي للتوسط في الأزمة السياسية، وحثَّ على إجراء حوارٍ شامل، بدلاً من مناقشة الظروف التي أدَّت إلى الأمر.

وبالمثل، أدان الاتحاد الإفريقي بصورة قاطعة انقلاباً عسكرياً في بوركينا فاسو، وهدَّد بمعاقبة قادة المجلس العسكري وفرض حظر سفر عليهم.

وفي حالة زيمبابوي بدا الاتحاد الإفريقي ليناً مع فكرة عزل الرئيس

لكن بعدما عزل الجيش في زيمبابوي موغابي من السلطة، أدان الاتحاد الإفريقي في البداية تلك التحركات، ثُمَّ سرعان ما تراجع عن ذلك البيان.

وجادل في المقابل مفوض السلام والأمن بالاتحاد الإفريقي إسماعيل شيرغوي بأنَّ "مجرد حوار بين قادة البلاد والرئيس" أدّى إلى استقالة موغابي.

وكان رد فعل الاتحاد الإفريقي على إزاحة موغابي أقل قوة بكثير مما حدث مع بوركينا فاسو وبوروندي.

وفي غامبيا تراجع للخلف وترك القرار لمجموعة غرب إفريقيا

وعلى غِرار حالة زيمبابوي، رفض الاتحاد الإفريقي في ديسمبر/كانون الأول 2016 في غامبيا الاعترف بالرئيس جامع بعد رفضه التنحي عقب خسارته في الانتخابات لصالح أداما بارو.

مع ذلك، لم يقم الاتحاد الإفريقي بتحرك، بل ترك الأمر لـ "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (إيكواس) لممارسة "دبلوماسية الإكراه" لإزاحة جامع عن السلطة. وهنا، تراجع الاتحاد الإفريقي إلى المقعد الخلفي لصالح الإيكواس ولم يُعلِّق عضوية غامبيا في الاتحاد.

رئيس زيمبابوي المطاح روبرت موغابي
رئيس زيمبابوي المخلوع روبرت موغابي/
Reuters

وبما أنَّ الاتحاد الإفريقي غير متسق في رده على الانقلابات والأزمات الدستورية، فماذا سيفعل في السودان؟ واصل المواطنون الدعوة إلى حكومة مدنية فورية، وهو طلب رفضه المجلس العسكري الأحد الماضي 21 أبريل/نيسان.

ورداً على ذلك، أصدر مجلس السلم والأمن الإفريقي بياناً ينص بشكل لا لبس فيه على أنَّ إزاحة البشير تُعتَبَر تغييراً غير دستوري في الحكم، ويطالب الجيش السوداني بتسليم السلطة للمدنيين في غضون 15 يوماً وإلا سيُعلِّق عضوية البلاد في الاتحاد الإفريقي.

لكن هل سيفعل الاتحاد الإفريقي ذلك؟ بالنظر إلى عدم اتساق الاتحاد الإفريقي في الماضي، لا يزال غير واضحٍ ما إن كان الاتحاد سيستغل صلاحيته وولايته لتقديم دعمٍ قوي لإرادة المواطنين السودانيين أم لا.

ورئيس القمة الإفريقية يفرغ قرار الاتحاد الإفريقي من مضمونه

واللافت أن الرئيس الحالي للقمة الإفريقية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان له تحرك مختلف عن الاتحاد الإفريقي.

إذ عقد قمة إفريقية مصغرة بشأن السودان أصدرت قراراً بمنح مهلة لمدة ثلاثة أشهر للمجلس العسكري السوداني لتسليم السلطة للمدنيين.

والأخبار المتداولة عن القمة ليس فيها تفاصيل كثيرة عن القادة الذين حضروها.

ولكن البيان الصحفي الذي سبق القمة بيوم ذكر أن القمة التي تركزت حول السودان وليبيا تأتي بمشاركة "الرئيس التشادي إدريس ديبي، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، والرئيس الرواندي بول كاجامي، ورئيس الكونغو ساسو نيجسو، والرئيس الصومالي عبدالله فرماجو، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا".

كما يشارك فيها موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ودميكي ماكونين، نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، وتوت جالواك، مستشار رئيس جنوب السودان للشؤون الأمنية، ومبعوثان عن رؤساء كل من أوغندا سام كوتيسا وزير الخارجية، وكينيا مونيكا جوما وزيرة الخارجية، ونيجيريا مصطفى لوال سليمان وكيل وزارة الخارجية.

وقرار هذه القمة بمنح المجلس العسكري ثلاثة أشهر لتسليم السلطة فعلياً أفرغ قرار الاتحاد الإفريقي من مضمونه الأكثر حسماً بإعطاء المجلس مهلة قصيرة لتسليم السلطة للمدنيين.

تحميل المزيد