خامنئي ينشئ جيلاً جديداً «أكثر طاعة».. ما وراء الإطاحة بالجنرال جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/24 الساعة 16:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/29 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي/ فارس

في يوم 21 أبريل/نيسان، أعلن القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي إصدار أمر بتعيين الجنرال حسين سلامي، البالغ من العمر 59 عاماً قائداً أعلى للحرس الثوري الإيراني، بدلاً من الجنرال محمد علي جعفري.

حسين سلامي كان نائباً للجنرال جعفري، وتمت ترقيته في نفس يوم تعيينه إلى رتبة جنرال، في خطوة وصفها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأنها "تحرك جديد لإعطاء قيادة الحرس الثوري قاعدة روحية أكثر من ذي قبل"، لكنه لم يفسر الأمر أكثر من ذلك.

وكان الجنرال محمد علي جعفري قد تولى قيادة الحرس الثوري من عام 2007، وكان من المفترض وفقاً لقانون الحرس الثوري أن تنتهي فترة خدمته في عام 2017، لكنه في نفس العام صرَّح للصحفيين أن المرشد الأعلى أمر بمد فترة خدمته لمدة ثلاث سنوات أخرى، وقبل أن ينهي الفترة الإضافية تم حل محله.

خامنئي يرفع رتبة الجنرال حسين سلامي ويعينه قائداً للحرس الثوري، ويقف على يمينه القائد السابق علي الجعفري/ فارس
خامنئي يرفع رتبة الجنرال حسين سلامي ويعينه قائداً للحرس الثوري، ويقف على يمينه القائد السابق علي الجعفري/ فارس

يعتبره البعض ضعيف الكفاءة.. من هو الجنرال سلامي؟

قبل حوالي أسبوعين أعلن البيت الأبيض إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، ووصفه بأنه منظمة إرهابية أجنبية، وهو ما اعتبر داخل وخارج إيران خطوة غير مسبوقة ضد "قوات مسلحة وطنية".

وحينها، ردَّ القائد السابق للحرس الثوري الجنرال علي جعفري بأن "الجمهورية الإسلامية ستردّ على وصف الحرس الثوري بمنظمة إرهابية، وستكون هناك إجراءات مماثلة"، لكنه لم يُفصح عن تفاصيل تلك الإجراءات.

رأى بعض المحللين داخل إيران أن ردّ الجنرال جعفري جاء هادئاً، ويتماشى مع الفترة الصعبة التي تمرّ بها إيران اليوم، وهذا ما جعلهم يرون أن تعيين شخص مثل حسين سلامي في هذا الوقت هو "سوء تقدير من المؤسسة السياسية الإيرانية".

يقول المحلل السياسي الإيراني علي رضا حسين زاده لـ "عربي بوست"، إن "حسين سلامي مجرد بوق يلقي بالتصريحات النارية فقط، ولا يرقى لأن يكون قائداً لقوة عسكرية كبيرة مثل الحرس الثوري".

خامنئي خلال ترفيعه لرتبة سلامي/ فارس
خامنئي خلال ترفيعه لرتبة سلامي/ فارس

مضيفاً أن سلامي "ظلَّ لسنوات يهدد الولايات المتحدة وإسرائيل كما لم يفعل أي عسكري من قبل، وإذا كان تعيينه في ذلك الوقت لاستخدامه لإثارة الخوف لدى الولايات المتحدة فهو أمر خاطئ".

يعترض حسين زاده أيضاً على كفاءة سلامي، ويصفه بأنه "أقل القادة في الحرس الثوري كفاءة".

لم يكن لسلامي أي دور في الثورة ضدّ الشاه، فعند قيام الثورة الإسلامية كان يبلغ من العمر عشرين عاماً، وكان يدرس في جامعة التكنولوجيا، حتى إنه لم يكن من ضمن الكوادر الطلابية الثورية في ذلك الوقت.

بعد الثورة الإسلامية انضمَّ إلى الحرس الثوري أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وخدم في إقليم كردستان إيران في ذلك الوقت، ثم انتقل إلى قوات الحرس الثوري في إقليم خوزستان، وخدم ضمن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري.

بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، درس العلوم الدفاعية في جامعة أزاد الإسلامية، وتم تعيينه بعدها رئيساً لإحدى الجامعات العسكرية في إيران، مما أثار الجدل وقتها؛ نظراً لافتقاره إلى الخبرة العملية في هذا المجال.

الجنرال سلامي من أبناء الجيل الثاني للثورة

يقول ناصر مجتبى، الخبير في شؤون الحرس الثوري والقوات المسلحة في إيران لـ "عربي بوست"، إن سلامي يعتبر من الجيل الثاني في الحرس الثوري، الذي لاقى اهتماماً كبيراً من قبل المرشد الأعلى.

يضيف مجتبى أن "سلامي طوال حياته كان مثالاً جيداً على الطاعة العمياء لأوامر علي خامنئي، وكانت ترقيته وحياته العملية ثماراً لتلك الطاعة".

طوال حياته المهنية لم يكن سلامي من صفِّ الضباط الكبار في الحرس الثوري، ولم يكن معروفاً لدى جموع الإيرانيين، لكن بدأت شهرته أثناء الغزو الأمريكي للعراق، عندما استضافه التلفزيون الحكومي عدة مرات، بصفته خبيراً أمنياً وعسكرياً، وكان يقوم بشرح الخطط الأمريكية في العراق، وكيفية مقاومة القوات الأمريكية.

لكنه وبحسب محللين، كان يسعى دائماً "لنيل رضا القيادة الإيرانية العليا"، المتمثلة في المرشد علي خامنئي، وسعى جاهداً لتبنَّي كلّ وجهات نظر خامنئي، ونال مراده بتعيينه قائداً للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني في عام 2005، ومنها تم تعيينه نائباً لقائد الحرس الثوري.

سلامي جنرال "ضعيف" وليس قائداً حقيقياً

في العام الماضي صرَّح الجنرال سلامي أنه يفضل مشاهدة الأفلام الكرتونية، بدلاً من الاستماع إلى خطابات وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويمكن القول إن هناك مشاعر متضاربة، وصدمة بين الأوساط السياسية والعسكرية داخل إيران، من اختيار علي خامنئي لسلامي لكي يصبح قائداً للحرس الثوري.

يقول الخبير مجتبى لـ "عربي بوست"، "كان من المفترض أن تنتهي فترة خدمة الجنرال علي جعفري في العام القادم، وكنا نتوقع أن يتم تعيين قائد قوي ليحل محله"، وكانت هناك العديد من الأسماء التي تم ترشيحها مثل الجنرال غلام علي رشيد (قائد مقر خاتم الأنبياء، المؤسسة المالية للحرس الثوري)، أو الجنرال مصطفى آزادي (نائب رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة).

القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي/ فارس
القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي/ فارس

ويرى مجتبى أن "خامنئي أراد في تلك المرحلة أن يختار جنرالاً يكون متحدثاً باسم الحرس الثوري، وليس قائداً حقيقياً له آراء وتوجهات يمكن أن تصطدم بأوامر المرشد الأعلى".

يوافق مجتبى الرأي، صحفي إيراني مختص بملف الشؤون العسكرية، فضَّل عدم الكشف عن هويته، إذ يقول لـ "عربي بوست": "أراد خامنئي جنرالاً ضعيفاً، ليس لديه قاعدة جماهيرية، ويبدو أن المرشد الأعلى ساوره القلق من شعبية الجنرال جعفري التي زادت في الآونة الأخيرة، أثناء عمليات الإغاثة من الفيضانات".

وانطلاقاً من رأي الصحفي الإيراني، فهناك تساؤل مهم: لماذا اختار خامنئي رجلاً بمواصفات سلامي ليصبح قائداً على رأس أهم سلطة سياسية وعسكرية في البلاد؟ يلخص مجتبى الإجابة عن هذا التساؤل في نقطتين فقط، فيقول لـ "عربي بوست":

أولاً: في الآونة الأخيرة، وخاصة في فترة الفيضانات التي ضربت البلاد ظهرت التوترات بين الحرس الثوري والرئيس الإيراني حسن روحاني، وتبادل الاتهامات بالتقصير بين كل من روحاني وجعفري، مما كان سيؤدي إلى تمزق الجبهة الداخلية في إيران في وقت حرج للغاية، في وقت يسعى فيه خامنئي إلى تهدئة الأمور لمواجهة الضغوطات الخارجية.

ثانياً: أراد خامنئي أن يستخدم رجلاً يجيد الحرب النفسية والكلامية مع الولايات المتحدة في تلك الفترة، وحسين سلامي هو أفضل من يقوم بهذا الدور.

خامنئي يصنع جيلاً جديداً أكثر ولاءً وطاعة له

وفي نفس السياق يرى حسين زاده سبباً ثالثاً لهذا الاختيار، فيقول لـ "عربي بوست"، إن خامنئي يحاول أن يخلق جيلاً جديداً في كافة القطاعات العسكرية يكون أكثر ولاء وطاعة، فالجنرال جعفري يعتبر من الجيل الأول للحرس الثوري، وحاول خامنئي طوال السنوات الماضية أن يربي جيلاً جديداً يكون هو الجيل الثاني.

ويشير زاده أن "تلك الحيلة يتبعها خامنئي من وقت لآخر، وأن سلامي شخص تتوافر فيه كافة المميزات بالنسبة لخامنئي، فهو رجل لا يتمتع بشعبية على الإطلاق، ليست لديه أي تكتلات مساندة له داخل الحرس الثوري، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالتيارات السياسية الإصلاحية، بجانب أنه لن يكون أبداً قائداً مستقلاً عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخاصة بالحرس الثوري".

بالرغم من أن سلامي معارض لإدارة الرئيس المعتدل روحاني، إلا أنه لم يصطدم به كثيراً، وهذا ما يفضله المرشد الأعلى في الوقت الحالي.

والجدير بالذكر أن الجنرال سلامي مقتنع تمام الاقتناع بأن الاحتجاجات الشعبية داخل إيران أشد أثراً من التهديدات الخارجية الأجنبية، وهذا هو مبدأ علي خامنئي بالأساس. لذلك يخشى البعض في إيران من زيادة قمع المعارضة في البلاد.

أين سيذهب القائد السابق علي جعفري؟

عندما قام علي خامنئي بإعلان تعيين حسين سلامي قائداً للحرس الثوري، أعلن أنه سيتم تعيين القائد علي جعفري المنتهية ولايته قائداً لمقر "حضرة باقية الله الأعظم"، تلك المؤسسة الثقافية والاجتماعية التابعة للحرس الثوري، التي تم إنشاؤها في عام 2016.

الجنرال علي الجعفري/ فارس
الجنرال علي الجعفري/ فارس

وأكد خامنئي أن هذا المنصب الجديد هو رغبة الجنرال جعفري قائلاً: "وفقاً لرغبتك في التواجد في الساحة الثقافية ولعب دور في الحرب الناعمة".

وتكهن بعض المحللين أن هذا المنصب من المستحيل أن يكون محل نظر ورغبة أي قائد عسكري كبير، لكن في كل الحالات، سواء كانت تلك رغبة جعفري أم لا، فالحقيقة أنه تمت إزاحته من المشهد.

تغييرات أخرى قادمة

في السياق، علم "عربي بوست" من مصادر صحفية إيرانية، أنه في الفترة المقبلة من المتوقع أن يقوم الجنرال الجديد حسين سلامي بتغييرات كبيرة تطال القادة الكبار داخل الحرس الثوري، خاصة هؤلاء الذين قام الجنرال جعفري بتعيينهم في بداية قيادته لقوات الحرس.

الجدير بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني يعد واحداً من أقوى المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية في البلاد، وتتمتع تلك المؤسسة بنفوذ كبير في كل جانب من جوانب الحياة العامة الإيرانية، من الثقافة والبيئة إلى الاقتصاد والسياسة.

تم إنشاء الحرس الثوري الإيراني في وقت مبكر من الثورة الإسلامية عام 1979 بأوامر مباشرة من قائد الثورة آية الله الخميني، وكانت مهمته المعلنة في ذلك الوقت هي حماية الثورة وإنجازاتها، ولكن على مرّ السنين وسع الحرس الثوري أنشطته وضمَّ العديد من الكيانات الاقتصادية والثقافية إليه، مما جعل البعض يطلق عليه "الحكومة الموازية".

علامات: