"إنها الحرب إذن"، هل يتورَّط ترامب في حرب مع إيران رغم أنه يتحدث دوماً عن الابتعاد عن الحروب، ويسعى لسحب القوات الأمريكية من مناطق القتال في العالم.
لا يبدو هذا السيناريو أمراً مستبعداً، بالنظر إلى أن دونالد ترامب قد سلَّم قياد سياسته الخارجية إلى رجل مولع بالحروب، وهو مستشاره للأمن القومي جون بولتون.
فقد واصلت إدارة ترامب -وعلى وجه التحديد الفصيل المتشدد داخل الإدارة الذي يقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون– نهج التجريم الفعلي الذي تنتهجه ضد إيران، بإعلانها الإثنين إنهاء استثناءات العقوبات الصادرة من أجل كبار مستوردي النفط، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية سارة ساندرز: "يستهدف القرار إيصال صادرات إيران النفطية إلى المستوى صفر".
ويأتي هذا التطور في الأحداث تتمة لإعلان الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابيةً، وهو أحد أبرز فروع القوات الأمنية في إيران. وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأمر في مطلع الشهر الحالي.
ترامب يلوح باتهام جون كيري بالخيانة
مجلة The National Interest أشارت في تقريرها إلى أنه من غير المعتاد بالنسبة لتحرك إجرائي، أن يشارك الرئيس في العمل بنفسه يوم الإثنين.
وقال ترامب في تغريدة له: "السعودية والآخرون في منظمة أوبك سوف يعوضون بما هو أكثر من فارق التدفق النفطي، مع فرضنا الكامل للعقوبات ضد إيران.
وتابع قائلاً: "لقد قُدمت إلى إيران نصيحة سيئة جداً من جون كيري والأشخاص الذين ساعدوه في قيادة الولايات المتحدة لعقد اتفاق نووي سيئ جداً".
وأضاف الرئيس أن مكائد وزير الخارجية السابق كيري قد تكون "انتهاكاً كبيراً لقانون لوغان"، وهو قانون يعود إلى القرن الثامن العشر، اكتسب رصيداً جديداً في عهد ترامب.
وقانون لوغان، وهو قانون يحظر على المواطنين غير المخولين التفاوض مع حكومات أجنبية لها خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية.
على مدى 218 عاماً لم توجه لأحد تهم استناداً على هذا القانون، إلا أن هناك مطالبات بتطبيق قانون لوغان ضد مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي المستقيل بسبب تواصله مع الروس.
وقال ريان كوستيلو، عضو المجلس الوطني الأمريكي-الإيراني، أمس الإثنين لـThe National Interest: "إذا أراد ترامب تجنُّب أخطاء جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط، فإنه يتبع قواعد اللعبة الخطأ مع إيران.
وفي ظلِّ النتائج القليلة ونفاد الوقت أمام مسار الضغط الذي يتبعه ترامب، يستنفد بولتون ومؤيدوه جميع خيارات العقوبات التي لديهم، والنتيجة الوحيدة الراسخة أن إيران تصير أكثر استعصاءً".
هذا الشارب الكثّ يذكر الجميع دوماً بالحرب
ويُعدّ بولتون، المشهور بشاربه الكث، أحد صقور الدفاع والمبعوث السابق في الأمم المتحدة أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، ويُعرف بسلسلة مواقفه الداعية للحرب، وبشكل أساسي باعتباره مهندس الغزو على العراق.
ولن ينسى العالم لبولتون أنه كان أحد العاملين على الملف، الذي زعم امتلاك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، ليتبيَّن بعد تدمير البلاد وقتل عشرات الآلاف من أهلها، أن الملف الذي عمل عليه بولتون كان غير سليم.
ويبدو أن فكرة "الحرب" تسيطر على عقل بولتون بشكل عام، ويراها السبيل الوحيد لأن تثبت الولايات المتحدة تفوّق قوتها على العالم بأسره، بحسب ما ورد في تقرير لموقع رصيف 22.
فولع الرجل لم يتوقف بالفشل الأمريكي في العراق، إذ له العديد من الآراء التي يشجع فيها بشكل واضح على استخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية وإيران.
والآن إدارة ترامب تدعم ثلاثة زعماء بالمنطقة
فالأمر بالنسبة لإدارة ترامب -حسبما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت سابق من هذا العام- أن أمريكا قد عادت في الشرق الأوسط، وتنحاز لأطراف دون الأخرى.
وقال وزير الخارجية الأمريكي خلال خطاب مهم ألقاه من العاصمة المصرية القاهرة في يناير/كانون الثاني: "إنها حقيقة لا تُقال عادة في هذه المنطقة من العالم، لكنني رجلٌ عسكريٌّ بحكم التخصص، لذا سأقولها بصراحة: أمريكا هي قوة من أجل الخير في الشرق الأوسط. انتهى".
وتعني رؤية بومبيو من الناحية اللوجستية تفضيل أغلبية عصبة مجلس التعاون الخليجي، وعلى وجه التحديد القيادة الحادة لمحمد بن زايد في أبوظبي، إضافة إلى الرجل القوي الأكثر إثارة للجدل محمد بن سلمان في الرياض، والجنرال عبدالفتاح السيسي في القاهرة.
وأمريكا تعتمد عليهم لضمان النفط الرخيص، ولكنهم يخدعونها
وأشار البيت الأبيض الإثنين إلى من يكونون أصدقاءه، وردَّد تطمينات الرئيس على عدم تأثر أسواق الطاقة العالمية.
وقالت ساندرز: "الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وهم ثلاثة من أكبر منتجي الطاقة في العالم، إضافة إلى أصدقائنا وحلفائنا، ملتزمون بضمان أن أسواق النفط العالمية سوف تُلبَى احتياجاتها على النحو الكافي".
يبدو هذا موقفاً حساساً بالنسبة للرئيس، الذي فرض فعلياً خلال أكثر من عامين كماً غير اعتيادي من الضغط على منتجي الطاقة العالميين من أجل استمرار خفض أسعار النفط.
ويبدو أن هذه السياسة تجاه إيران تتنافى مع تلك الدبلوماسية. ارتفع سعر خام النفط لأعلى مستوياته منذ ستة أشهر أمس الإثنين. وكانت روسيا والسعودية وآخرون سعداء بهذا.
هل يتورط ترامب في حرب مع إيران بعد انتصار بولتون على بومبيو؟
لكن إعلان الإثنين لم يشكل انتصاراً واضحاً لبومبيو، بل كان أقرب بدلاً من هذا إلى انتصار غير مقيد لبولتون، وهو صقر بامتياز من صقور الإدارة الأمريكية.
وأشارت تقارير كثيرة إلى أن بومبيو كان يعارض خلف الكواليس مثل هذا التحرك، ويفضل مساراً تدريجياً، ولكن خسر بومبيو.
يقول كوستيلو: "إذا واصلت الإدارة تطبيق خطط بولتون من دون ضوابط، فلن يكون من الممكن تجنب مخاطر تجدد أزمة نووية أو مواجهة عسكرية مباشرة".
فوزير الخارجية يقدم تنازلات لصاحب الشارب طمعاً في الرئاسة
ويقول مسؤول كبير سابق في الإدارة وقريب من بومبيو، إنه مع قدوم عام 2024 سوف يسعى وزير الخارجية لشغل منصب الرئيس. لا يزال بولتون وبومبيو حليفين، لكن مصالحهما غير متطابقة.
وحسبما قال في العام الماضي توماس رايت، وهو باحث في معهد Brookings الأمريكي: "بالنسبة لبولتون، تعتبر هذه آخر وأفضل فرصة لتحقيق هدفه الأيديولوجي بإظهار الولايات المتحدة غير ملتزمة بأي قيود قانونية ومؤسسية. وبالنسبة لبومبيو، فإنها وسيلة من أجل مستقبل سياسي مشرق".
وبولتون يراهن على مجاهدي خلق منذ زمن
ولا شك أن الاختلاف بين الاثنين تجلّى في تعليقات خلال عطلة نهاية الأسبوع. أخبر بومبيو مجموعة من إيرانيي المنفى في تكساس، حسب موقع Axios، قائلاً: "تحدث السفير بولتون خلال تجمع لمجاهدي خلق. لم نفعل ذلك أنا ولا الرئيس ترامب".
كان بومبيو بالتأكيد يلمح إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. أخبرني رودولف جولياني، محامي الرئيس ترامب، في الخريف الماضي خلال فعالية مرتبطة بمجاهدي خلق أن سياسة الإدارة هي تحقيق تغيير فعال في النظام.
وسبق أن أنقذ بولتون مجاهدي خلق عقب غزو العراق عام 2003 من صفقة سرية، كان بموجبها سيسلم الأمريكيون الذي كانوا قد احتلوا العراق للتو رؤوس المنظمة من قبل الأمريكيين إلى الإيرانيين مقابل قيادات تنظيم القاعدة.
ورأى "بولتون"، ومن امتلكوا رأيه نفسه في "البنتاغون"، أن خيار "مجاهدي خلق" ربما سيكون مفيداً للغاية في المستقبل للإطاحة بالنظام الإيراني، واستبداله بنظام أكثر ولاء وقرباً من واشنطن، وهو الحُلم الذي لم يخفت لدى بولتون على مدار ستة عشر عاماً وحتى الآن.
وها هي مريم رجوي تتطلع إلى أن تصبح "جلبي" إيران
من جانبها، احتفت قائدة المنظمة، مريم رجوي، بقرار الإثنين. وقالت إن حركة المقاومة التي ترأسها كانت "تطالب بفرض حظر على النفط والسلاح ضد نظام الملالي المعادي للإنسانية وللإيرانيين منذ أربعة عقود".
ويبدو أن الرياح تسير في اتجاه سفن مجاهدي خلق، مثلما كانت تسير في اتجاه سفن العراقي أحمد الجلبي، الذي افتخر مراراً بدوره في إصدار الكونغرس الأمريكي قانون تحرير العراق في عام 1998، الذي أصبح فيما بعد الأساس القانوني لغزو العراق في عام 2003.
وانتهى الأمر بالجلبي بالتحول من رجل أمريكا المفضل في العراق، إلى حليف خائن قيل إنه سلم الإيرانيين مستندات سرية، حتى إن القوات الأمريكية في العراق اقتحمت منزله بعد أن كانت تحميه.