قد يُنبئ بوجود حياة سابقة وأكثر.. ماذا يعني اكتشاف غاز الميثان على المريخ؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/23 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/06 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
مركبة كوريسيتي مارس روفر التابعة لوكالة ناسا، المسؤولة عن التنقيب في أسفل جبل شارب على كوكب المريخ/ ناسا، رويترز

يمكن لاكتشاف حياة على كوكب المريخ أن تثير اهتمام الجميع على كوكب الأرض، لكن العلماء الذين يبحثون عن هذه الحياة سيكونون سعداء على الأرجح من أي نتيجة يصلون إليها خلال أبحاثهم، سواء كانت هذه الحياة منقرضة أو خاملة أو موجودة، بل وحتى إذا لم يتوصلوا إلى أي دليل على وجود صورة من صور الحياة فإنهم يعتبرونه اكتشافاً مهماً.

لكن حسبما اعتدنا القول: غياب الدليل ليس دليلاً على انتفاء الشيء، سوف تتطلب المسألة عقوداً من الاستكشافات التفصيلية لكوكب المريخ من أجل الوصول إلى يقين يقبله العقل، بأن الحياة كانت غائبة على الدوام هناك.

تقول مجلة Newsweek الأمريكية، لم يكن هناك أي ملاحظات مباشرة تدل على وجود كائنات حية أو أحفوريات على كوكب المريخ حتى هذه اللحظة. ولكن يوجد نوع مختلف من الأدلة، كان اكتشاف غاز الميثان في الغلاف الجوي للكوكب واحداً من أكثر الاكتشافات ذِكراً وإثارةً للجدل، وقد حدث ذلك لأول مرة في عام 2004، ثم في عام 2014، وربما نتج هذا عن طريق نوع محدد من دورة الحياة الميكروبية في الماضي أو الحاضر، بيد أن وفرته محدودة للغاية لدرجة تجعل البيانات الواردة عن وجوده غير مؤكدة. وفي عام 2018، قال فريق مشروع Trace Gas Orbiter التابع لوكالة الفضاء الأوروبية إنهم فشلوا في اكتشاف أي كمية من غاز الميثان.

وتشير ورقة بحثية جديدة منشورة في دورية Nature Geoscience العلمية، إلى اكتشاف جديد لغاز الميثان في الغلاف الجوي للكوكب، إضافة إلى نظرية تتحدث عن منبعه. ولكن في ظلِّ صعوبة القدرة على الوصول إلى قياسات موثوقة حول هذا الغاز، فإلى أي مدى يمكن أن نكون واثقين بشأن النتائج؟

اكتشاف مزدوج

استخدم البحث الجديد بيانات أرشيفية تعود إلى الفترة بين عامي 2012 و2014، جُمعت عن طريق المطياف Planetary Fourier Spectrometer المصاحب للبعثة الاستكشافية مارس إكسبريس، التي تدرس تكوين الغلاف الجوي للمريخ من خلال الأشعة تحت الحمراء، التي تنعكس وتنبعث عن طريق الكوكب. وكانت هذه الأداة  نفسها التي اكتشفت المستويات المنخفضة من غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ لأول مرة في عام 2004.

ينبع الاختلاف بين مجموعتي الملاحظات من الوضع الذي يعمل فيه المطياف. ففي عام 2004، جُمعت البيانات عن طريق أداة تنظر إلى سطح الكوكب من خلال غلافه الجوي، مع دوران بعثة مارس إكسبريس. وفي الدراسة الجديدة، وُجهت الأداة نحو معلم واحد من معالم السطح، وتتبعت هذا المعلم مع دوران المركبة الفضائية.

وتنبع أهمية البيانات الواردة من المعلم الذي اختار الفريق تتبعه: فوهة غيل. ومما لا شك فيه أن هذا هو الموقع الذي تعمل فيه المركبة المتجولة كيوريوسيتي روفر، وهو المكان الذي اكتُشفت فيه مستويات مرتفعة من الميثان عام 2014 عن طريق المطياف Tunable Laser Spectrometer (وهو مطياف ليزر قابل للتوليف) المُلحق بالمركبة كيوريوسيتي.

تتبع المطياف المُلحق ببعثة مارس إكسبريس فوهة غيل، قبل وخلال وبعد اكتشاف المركبة كيوريوسيتي. المثير للاهتمام أنه اكتشف أيضاً مستويات مرتفعة من غاز الميثان في المنطقة، وهذه هي المرة الأولى التي تشهد اكتشافاً متزامناً لغاز الميثان على السطح وفي الغلاف الجوي، ولعل هذا ما يجعل الإجراء الجديد أكثر موثوقية من الاكتشافات السابقة.

حاول الباحثون أيضاً تحديد مصدر غاز الميثان، باستخدام تقنية رسم الخرائط الشبكية. وأسَّسوا نماذج حاسوبية لسيناريوهات الانبعاث في كل شبكة واطَّلعوا أيضاً على السمات الجيولوجية في كل مكان، لمعرفة ما إذا كان يحتوي على مصادر محتملة لغاز الميثان. واستنتجوا أن الميثان انبعث من منطقة تقع شرق فوهة غيل، وخلصوا أيضاً إلى أن منشأ الغاز هو على الأرجح عبارة عن تسرُّب من التصدعات الموجودة في الثلج الكامن أسفل السطح.

هل يكون مصدره كائنات حية؟

لن يشكل الوصول إلى منبع غاز الميثان إلا مجرد مرحلة في رحلتهم لتحديد كيفية تشكّله، والأهم من هذا أن هناك كثيراً من الآليات التي قد تكون تسببت في إنتاجه غير الكائنات الحية، مثل العمليات الجيولوجية مثلاً. فعلى سبيل المثال، لعل حدثاً جيولوجياً أحدث شقوقاً في الثلوج التي تحتوي على غاز الميثان، مما أدى إلى انبعاثه في الغلاف الجوي.

في عام 2014 قال العلماء إن اكتشاف الميثان يشير إلى احتمال وجود حياة ولو لمرة واحدة على كوكب المريخ، إذ أرسلت المركبة كريوسيتي معلومات إلى الأرض تفيد بوجود مستويات منخفضة من غاز الميثان في الغلاف الجوي للكوكب، إضافة إلى مواد عضوية أخرى في تربته، وأنها قد تكون "ناتجة عن ميكروبات عاشت في أجهزة هضمية لكائنات حية".

منظر لقاعدة جبل شارب في فوهة غيل بكوكب المريخ/ ناسا
منظر لقاعدة جبل شارب في فوهة غيل بكوكب المريخ/ ناسا

لكن الدراسة الجديدة لا تحاول الوصول إلى أي استنتاجات حول أصل غاز الميثان. بالرغم من هذا، يعلق مُعدو الدراسة قائلين إن النتائج التي توصلوا إليها، ولا سيما في ظل التأكيد على صحتها عن طريق البيانات الواردة من المركبة كيوريوسيتي، تقترح أن انبعاثات الميثان هي على الأرجح أحداث صغيرة وقصيرة وليست انبعاثات عرضية كبيرة.

ومن المؤكد أن التكهنات قد تقول إن الأحداث الصغيرة محتملة الحدوث أكثر من الأحداث الكبيرة، إذا اتَّضح أن كوكب المريخ يتعرَّض لزلازل مريخية، وهي الظواهر التي يجري برمجة المسبار إنسايت من أجل اكتشافها.

ولذا أيما يكون المصدر، فثمة انبعاثات للميثان على ما يبدو في نهاية المطاف. غير أننا في حاجة إلى مزيد من التأكيد كي نكون على يقين تام. ولحسن الحظ، يُرجح أن تتاح النتائج الجديدة قريباً، إذ إن الفريق الذي فشل في اكتشاف الميثان مع مشروع Trace Gas Orbiter يحلل بيانات جديدة منذ عدة أشهر.

ونظراً إلى أنها تحمل على متنها أجهزة شديدة الحساسية للكشف عن غاز الميثان، يُتوقع أن يمنحنا استمرار جمع البيانات خلال الأعوام القليلة المقبلة صورةً أوضح حول ما إذا كان التباين في وجود غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ حدثاً عرضياً أم موسمياً، أو ما إذا كان مجرد وهج مستنقعي خادع.

تحميل المزيد