إذا ما نظرت إلى تغُير الموقف الأمريكي حيال الوضع في ليبيا والاتجاه إلى دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر ستجد حينها أن القرار في واشنطن بات مرهوناً بمصالح بعض الحلفاء الإقليميين مثل الإمارات والسعودية، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية ففي نهاية الأسبوع الماضي، بدا أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعطى إذناً بإحداث تحوُّل تام في السياسة الأمريكية. فوفقاً لبيانٍ صادر عن البيت الأبيض، أجرى ترامب مكالمة هاتفية مع اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، الذي يقود هجوماً عسكرياً ضد الحكومة الليبية المعترف بها دولياً في العاصمة الليبية طرابلس. وقد أثنى ترامب في المكالمة على حفتر لمحاربته "الإرهاب" وحماية أصول النفط الليبية.
ترامب في واد وإدارته في واد آخر
لكنَّ المشكلة في هذه المكالمة هي أنها جاءت على عكس الرسائل الحالية لوزارة الخارجية والبنتاغون، التي تحث حفتر على التراجع والمشاركة في مفاوضات مع الحكومة في طرابلس بوساطةٍ من الأمم المتحدة. ويُذكَر أنَّ المئات من المدنيين والمقاتلين لقوا حتفهم في الأيام الأخيرة في ظل توجه قوات حفتر نحو العاصمة الليبية، بينما نزح عشرات الآلاف بالفعل. وقد استخدم الجانبان المدفعية والغارات الجوية في القتال.
من جانبه قال بن فيشمان، وهو مسؤولٌ سابق في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يُركِّز على الشأن الليبي، إنَّ مكالمة ترامب "تقوِّض سبع أو ثماني سنوات من سياسة الولايات المتحدة"، من بينها العامان الأولان من رئاسته. إذ كانت سياستنا هي دعم عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة". وأضاف: "يبدو لي بالتأكيد أنَّ (ترامب) منحازٌ" بتصميمه على اعتبار حفتر شريكاً في مكافحة الإرهاب، وتجنُّب أي تعليقٍ على تحركه الأحادي لمهاجمة طرابلس، بحسب الصحيفة الأمريكية.
حلفاء حفتر الإقليميون
بيد أنَّ ترامب ليس وحده في هذا المسعى، فهناك قوى أخرى تُعَد متحالفة ضمنياً مع حفتر، من بينها فرنسا وروسيا. وصحيحٌ أنَّ عدة حكومات أوروبية أعربت عن قلقها إزاء حكومة الوفاق الوطني الفاسدة الضعيفة التي يقع مقرها في طرابلس ويعتزم حفتر مهاجمتها، لكنَّ الوضع الراهن يقضي على أيِّ أمل في التوصل إلى تسويةٍ بتوسُّط من أحد الأطراف في بلدٍ تمزقه الميليشيات المتناحرة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
إذ كتب ستيفن كوك الباحث في مجلس العلاقات الخارجية قائلاً: "مع أنَّ الجهود القصوى التي يبذلها بعض الليبيين لكتابة دستورٍ جديد وتسوية النزاعات الداخلية بالحوار تُعَد جديرة بالثناء، فغالباً ما كانت تُعتبر منفصلة ومتزامنة مع تناحرٍ بين جماعات عنيفة. لقد قضى تحرُّك حفتر على أي أمل متبقٍ في إمكانية وضع ليبيا على مسارٍ أفضل بالحوار".
مكالمة بن زايد التي غيرت موقف ترامب
وبحسب الصحيفة الأمريكية، بالنسبة لترامب، فمن المحتمل أن يُسفر قرار انحيازه إلى حفتر عن تأثيراتٍ أخرى. إذ يقال إنَّ مكالمة ترامب مع حفتر جاءت بعد مكالمةٍ منفصلة مع محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات العربية المتحدة الفعلي. وجديرٌ بالذكر أنَّ الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب السعوديين والمصريين، تدعم حفتر، الذي أمضى السنوات القليلة الماضية في توطيد سلطته في شرق ليبيا، وهو متحالف مع حكومةٍ منافسة يقع مقرها في مدينة طبرق المينائية. ويرى الإماراتيون العالقون في صراعٍ جيوسياسي مع قطر أنَّ حفتر شخصيةٌ قادرة على سحق الميليشيات الليبية المرتبطة بالدوحة، مع ترسيخ السيطرة على النفط الليبي. ويرونه كذلك رجلاً قوياً مناسباً يستطيع قمع الإسلام السياسي، حتى لو كان ذلك يعني تجميد تطلعات ليبيا نحو الديمقراطية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وترى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبعض الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة أنَّ حكم الرجال الأقوياء في جميع أنحاء العالم العربي هو الحل للفوضى التي سبَّبتها ثورات المنطقة المؤيدة للديمقراطية. وقد كان ترامب من أوائل مؤيدي هذا الرأي حين وصف احتجاجات الربيع العربي في عام 2011 بأنَّها أرضٌ خصبة للتطرف الإسلامي، بدلاً من أين يقول، على سبيل المثال، إنَّها انعكاسٌ لمجتمعاتٍ مقموعة منذ فترةٍ طويلة تحتاج بشدة إلى الحصول على قدرٍ أكبر من الحريات والحقوق. ويتجنَّب ترامب -الذي يتبع نفس طريقة تفكير أشخاصٍ مثل محمد بن زايد والأمير السعودي محمد بن سلمان على ما يبدو- أي حديثٍ عن الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط .
ترامب والكرملين يتفقان
وقد أشار جيمس دورسي، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إلى أنَّ موقف ترامب لا يختلف عن موقف الكرملين، بشأن الوضع الليبي على الأقل. إذ كتب دورسي: "تفضيل ترامب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لرجلٍ لديه سجلٌ مشبوه في مجال حقوق الإنسان من المُرجَّح، إذا نجح، أن يحكم ليبيا حكماً دكتاتورياً يعكس اعتقاد الرئيسين بأنَّ أفضل طريقة لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الحكم الاستبدادي أو بعض الواجهات الديمقراطية التي يستتر خلفها رجالٌ ذوو خلفيات عسكرية يسيطرون على أذرع القوة"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ولتحقيق هذه الغاية، دعم ترامب بقوةٍ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي وصل إلى السلطة في انقلابٍ عسكري في عام 2013، ثم شن حملة قمع وحشية ضد المعارضين، وهو الآن على وشك تمديد حكمه الذي قد يصل إلى عام 2030 عبر استفتاء يعتبره الكثيرون مهزلة. وساعد الإماراتيون والسعوديون في تمويل انقلاب السيسي، بتقديم مليارات الدولارات في شكل معوناتٍ لمصر بعد استيلائه على السلطة ساعدت في استقرار الاقتصاد المصري وسمحت للسيسي بتعزيز موقفه.
على خطى حفتر السودان يسير
والآن، يبدو أنَّ السعودية والإمارات تحاولان تنفيذ الخطة نفسها في أماكن أخرى في شمال إفريقيا. فإلى جانب دعمهما العلني لحفتر في ليبيا، سارع السعوديون والإماراتيون إلى تقديم 3 مليارات دولار في شكل مساعداتٍ للحكومة العسكرية المؤقتة في السودان، التي وصلت إلى السلطة في وقتٍ سابق من الشهر الجاري بعد أسابيع من احتجاجاتٍ مناهضة للحكومة ضد الرئيس السابق عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ زمنٍ طويل أسفرت عن إقالته وسجنه على أيدي كبار الضباط في الجيش.
وفي تصريحاتٍ رسمية متوقعة، وصف البلدان المساعدات بأنَّها محاولة "لتحقيق استقرار" الجنيه السوداني الضعيف، وتقديم المساعدات الغذائية اللازمة للبلاد. فرغم كل شيء، اندلعت الاحتجاجات السودانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي بسبب ارتفاع أسعار الخبز. لكنَّ بعض المحللين حذروا من أنَّ هذه التحركات تعد بمثابة أول ضربةٍ في حربٍ إقليمية جديدة على كسب النفوذ في السودان.
إذ قال بايتون كينوف، الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في شؤون منطقة القرن الإفريقي، لشبكة PBS التلفزيونية الأمريكية: "سيكون ذلك سيناريو كابوسياً للسودان. فإذا انتقلت خصومات الشرق الأوسط إلى السودان في هذا الوقت الذي يشهد إصابتها بهشاشةٍ بالغة، فمن المؤكد أنها ستُعرِّض العناصر السياسية المختلفة في البلاد، وكذلك العناصر العسكرية والأمنية، لخطر المزيد من التفتيت والتقسيم"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
من جانبهم قال بعض المتظاهرين السودانيين في محادثاتٍ أجروها مع صحفيين إنَّهم يعتقدون أنَّ الأموال السعودية والإماراتية جزءٌ من أجندة جيوسياسية أكبر تتبعها الدولتان لضمان وجود حكومة مُطيعة في السلطة، وكبح السعي نحو الحكم الديمقراطي المدني في مهده. لذا رفع المتظاهرون لافتاتٍ تندد بالحكومات العربية التي بدا أنَّها منحازةٌ إلى جانب المؤسسة العسكرية في البلاد. ولا شك أنَّ الكثيرين يدركون المثال الذي ضربته مصر بالفعل.
إذ كتب محمد أيوب، وهو زميل أول في مركز السياسة العالمية: "كما تعلَّم المصريون في درسٍ مُكلِّفٍ للغاية، فسقوط الحاكم الصوري لا يؤدي تلقائياً إلى تحوُّل النظام الاستبدادي. وإطاحة أصحاب النفوذ الحقيقيين في النظام، أي كبار القادة العسكريين، أصعب بكثير من إطاحة الحكام الصوريين".