العلاقة بين روسيا والمسيحيين السوريين أصبحت جزءاً من استراتيجية موسكو في سوريا بعد أن أصبحت اللاعب الرئيسي في البلاد.
عندما يحتفل الروس بعيد الفصح الأرثوذكسي في 28 أبريل/نيسان، سيرسل القادة في موسكو رسائل التهنئة السنوية إلى رفاقهم من المسيحيين الأرثوذكس حول العالم.
أمَّا في سوريا، فتعتبر الروابط بينهم وبين المسيحيين هناك جزءاً من استراتيجية شاملة أقرها الكرملين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
إذ دأبت مجموعة من رجال الدين والجمعيات الإنسانية وأعضاء في الحكومة على تعزيز علاقاتها سراً مع الأقلية المسيحية المحاصرة بالمشكلات في سوريا، والتي تمتد جذور عقيدتها إلى القرون الأولى التي ظهرت فيها.
العلاقة بين روسيا والمسيحيين السوريين تعزز نفوذ الكريملين
وبدأ هذا التواصل مع بداية الصراع. إذ تدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية المدمرة عام 2015 وساعدت في تغيير مسار الأمور لصالح حليف موسكو، الرئيس السوري بشار الأسد.
وقد فتح هذا التدخل أيضاً الأبواب أمام موسكو لزيادة نفوذها في سوريا، التي أصبحت موطئ قدمها الرئيسي في الشرق الأوسط.
ويرى الكثيرون في روسيا أن المسيحيين السوريين يشبهونهم وبالتالي تصبح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية القوية راعيتهم. في السنوات الأخيرة، اتخذت هذه الحماية شكل جهود لإعادة إعمار الكنائس التي دمرها المتطرفون.
وفي الآونة الأخيرة تحول الجزء الأكبر من الاهتمام الروسي إلى معلولا، وهي بلدة مشيدة في صخور الجبال الواقعة شمال شرق دمشق.
قبل الحرب، كان الحجاج المسيحيون القادمون من جميع أنحاء العالم يتدفقون إلى دير القديسة تقلا، لينطلقوا في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر عبر واد ضيق قبل العثور على مقبرة القديسة التي تحمل اسمها.
في كانون الثاني/يناير من العام الحالي، كشفت جمعية مستقلة يقودها ديمتري سابلن، وهو عضو بارز في البرلمان الروسي، عن ترميم الدير القائم منذ 1600 عام. وقال إنهم يخططون لتشييد فندق في معلولا، وهي أحد الأماكن المتبقية التي لا تزال فيها اللغة الآرامية، لغة المسيح، متداولة.
وقال سابلن خلال زيارة لمعلولا: "ستتمكن مجموعات الحجاج الروس من القدوم إلى هنا، ليتبركوا بأعظم المزارات المقدسة في المسيحية، وليشعروا بالسعادة والطمأنينة".
قديماً كانت روسيا تعتبر نفسها وصية على المسيحيين الأرثوذكس
تعود علاقات روسيا مع المسيحيين في "الأراضي المقدسة" إلى قرون خلت. أثناء حقبة القياصرة، اعتبرت روسيا نفسها وصية عليها.
وفي عهد الإمبراطورة كاثرين الثانية في القرن الثامن عشر، كانت تُشَبَّه في حكمها بنظيرتها السورية القديمة، الملكة زنوبيا.
ولُقبت العاصمة الإمبراطورية سان بطرسبرغ بـ"تدمر الشمال"، وتدمر هو اسم المدينة الصحراوية القديمة التي تستقر في وسط سوريا وتضم آثاراً رومانية مذهلة.
وفي الحقبة السوفيتية، ساد الهوس بتدمر، إذ أطلق اسمها على القطارات والفنادق وحتى السجائر سميت باسم المدينة.
وقال ميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف هيرميتاج الحكومي في سان بطرسبرغ، في مقابلة: "من الجليّ أن التدخل الروسي في سوريا كان دفاعاً عن ثقافة مشتركة". ويضم متحفه واحدة من أكبر مجموعات العالم من التحف والآثار السورية القديمة، وبعضها من تدمر.
والأسد وصف بوتين بأنه المدافع الوحيد عن الحضارة المسيحية
ووصف الأسد، وهو أحد المنتمين للطائفة العلوية وليّ نعمته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "الوحيد من المدافعين عن الحضارة المسيحية الذي يمكن الاعتماد عليه"، حسبما ورد في التقرير.
إن مأساة المسيحيين في الشرق الأوسط -الذين طالبت المجموعات الأمريكية الإنجيلية طويلاً بحقوقهم- جذبت انتباه الرئيس ترامب أيضاً، الذي قال قبل عامين إن معاملة المسيحيين في سوريا "غاية في السوء".
وبعد الكشف عن خطط ترامب لسحب معظم القوات الأمريكية من سوريا، أصبح المسيحيون السوريون هدفاً مشتركاً نادراً بين الكنيسة الروسية والمجموعات الإنجيلية الأمريكية.
إذ كانت القمة العالمية للدفاع عن المسيحيين المضطهدين، التي عُقدت قبل عامين في واشنطن، مشروعاً مشتركاً بين البطريرك الروسي كيريل والقس فرانكلين غراهام.
وترأس غراهام، نجل الزعيم الإنجيلي الراحل بيلي غراهام، المؤتمر في وقتٍ لاحق، حيث التقى كبار رجال الدين الروس بنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس.
وقال بيوتروفسكي، مدير متحف هيرميتاج: "إذا انهارت المسيحية في الشرق الأوسط، فستنهار في كل مكان. يمكن لروسيا بوجودها هناك أن تدافع عن المسيحية مثلما فعلت الإمبراطورية الروسية من قبل".