سافر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى مدينة أسيزي الإيطالية لتسلُّم جائرة، نظير جهوده الرامية لدفع عجلة السلام يوم 29 مارس/آذار الماضي. وقال إنَّه من الضروري أن يدرك المجتمع الدولي الأهمية التي يُوليها الأردن لفكرة كونه الوصيّ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
فقال الملك: "التزام الأردن بالوئام والسلام يُشكِّل الأساس لدورنا الدولي ومعركتنا ضد الإرهاب والكراهية على كافة الجبهات في إطار نهجٍ شامل". وعقب الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من أبريل/نيسان الجاري وقرار البيت الأبيض الذي طال تأجيله بطرح خطة السلام التي باتت معروفة بـ "صفقة القرن"، فإنَّ دور الأردن هو مفتاح النجاح لأي خطة والاستقرار في المنطقة.
يقول سيث فرانتزمان، وهو صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجلة The National Interest الأمريكية: "يدعم خطاب الملك أساس سياسة المملكة، وهي دولة صغيرة ذات اقتصادٍ يعاني وتُعَد كذلك محوراً للأمن بين كل من إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والسعودية، والعراق، وسوريا. استضاف الأردن مؤخراً المنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونظَّم اجتماعاً مهماً في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي مع قادة عرب لمناقشة مستقبل المنطقة".
الاقتصاد يمثل نقطة الضعف
يضيف فرانتزمان: في إطار زيارة قمتُ بها إلى الأردن في مطلع أبريل/نيسان الجاري، كانت التحديات التي تواجه المملكة واضحة. إذ نزح أكثر من مليون لاجئ سوري إلى الأردن أثناء الصراع السوري وسُجِّل أكثر من 660 ألفاً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باعتبارهم لاجئين. ويملك الأردن ثاني أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد في العالم. واللاجئون فقراء، فيعيش 80% منهم تحت خط الفقر، ومعظمهم في المناطق الريفية، و51% منهم أطفال. ولا يعيش الكثيرون منهم في مخيمات اللاجئين، ما يعني أنَّهم موجودون في أرجاء شمالي الأردن والعاصمة عمَّان.
وعلى الرغم من إعادة سيطرة النظام السوري على جنوب سوريا العام الماضي 2018، وعرضه ظاهرياً العفو عن المعارضين السوريين، وإعادة فتح الحدود، فإنَّ اللاجئين لا يعودون. وفي المقابل ما زالوا بحاجة إلى كميات كبيرة من المساعدات. وقدَّمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن في شهر مارس/آذار الماضي مساعداتٍ نقدية لـ132 ألف شخص، 124 ألفاً منهم من السوريين. وهذا يتطلَّب تمويلاً، يصل إلى أكثر من نحو 500 مليون دولار سنوياً من الأمم المتحدة.
ويجدر النظر إلى دور الأردن التاريخي في المنطقة في هذا الصدد؛ ففي الفترة حتى سبعينيات القرن الماضي، كان الأردن طرفاً رئيسياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فمنذ السيطرة على الضفة الغربية وصولاً لعام 1967، استضافت المملكة أيضاً ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وتغيَّرت الأمور منذ الثمانينيات؛ إذ وقَّع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام عام 1994 كجزءٍ من حقبة أوسلو حين بدا أنَّ دولةً فلسطينية ستخرج إلى حيز الوجود.
فاعل رئيسي في "الأمن الإقليمي"
ومنذ تولَّت إدارة الرئيس دونالد ترامب السلطة، كان ملك الأردن والرئيس الأمريكي على تواصلٍ دائم. فسافر الملك عبدالله إلى واشنطن للقاء المسؤولين الأمريكيين في يناير/كانون الثاني 2017، وأبلغ الولايات المتحدة أنَّ هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحل الصراع السوري قضيتان أساسيتان للأردن. وكان قلقاً كذلك من خطط ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وطريقة تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
والتقى ملك الأردن مع ترامب في أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2017، وأكَّد أهمية مواجهة الإرهاب والأمن الإقليمي. ورفض الأردن قرار نقل السفارة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2017، واصفاً إيَّاه بـ "الباطل". عُقِدَت المزيد من المباحثات الأردنية-الأمريكية في يونيو/حزيران 2018 ومارس/آذار 2019 لتدارس خطة البيت الأبيض للسلام.
ويبدو أنَّ الأردن سعى باستمرار إلى علاقة عمل وثيقة مع الولايات المتحدة، فحثَّ على توخِّي الحذر بشأن قرار الولايات المتحدة حول القدس، فيما يسعى للتأثير على أي خطة سلام أمريكية. تقول المجلة الأمريكية، و "لهذا السبب، علَّقت إدارة ترامب طرح خطة السلام، مُنتظِرَةً انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من أبريل/نيسان 2019".
يقول فرانتزمان: قبل ثلاث سنوات حين كنتُ في الأردن، كانت المملكة لا تزال في ذروة أزمات اللاجئين وكانت مركزاً لبرنامج أمريكي للمساعدة في تدريب المعارضة السورية المعتدلة. أُنهي هذا البرنامج في يوليو/تموز 2017. وخلال الفترة التي شرعت فيها الولايات المتحدة في تدريب مجموعات المعارضة، كانت قد انتقلت كذلك إلى التنف، وهي منطقة صحراوية في سوريا قرب الحدود الأردنية-العراقية. ومنذ ذلك الحين، كان مستقبل تلك القاعدة غير واضح.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل إعلان ترامب أنَّ الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا، زار الجنرال جوزيف فوتيل القاعدة. وسعت روسيا والنظام السوري لتصوير الوجود الأمريكي في التنف باعتباره احتلالاً غير شرعي لأراضٍ سورية ومكاناً يعاني فيه اللاجئون السوريون الذين فرّوا ليكونوا تحت مظلة الحماية الأمنية الأمريكية التي امتدت حول التنف.
وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض صانعي السياسة الأمريكيين أنَّ التنف تساعد في إعاقة النفوذ الإيراني. الفكرة هنا أنَّ القاعدة، بمجرد وجودها، تمارس نفوذاً حولها، وبالتالي يمكن أن تساعد في إعاقة الفكرة الإيرانية المتمثلة في تأمين "ممر إلى البحر". وتستخدم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق والمجموعات المدعومة من إيران في سوريا الحدود العراقية-السورية باعتبارها معبراً.
وفي الجهة الأخرى من الحدود في العراق، واجهت القوات الأمريكية مضايقات من مجموعاتٍ مدعومة من إيران. والآن بعدما صنَّفت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية، وبعدما دعت إيران علناً الولايات المتحدة لمغادرة العراق، باتت قاعدة التنف والأردن أكثر أهمية للسياسة الأمريكية في المنطقة.
وتفيد تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية بأنَّ الأردن لن تسيطر على قاعدة التنف إن انسحبت الولايات المتحدة. وفي الوقت الراهن، تستعد الولايات المتحدة لترك قواتٍ في سوريا بعد هزيمة داعش في مارس/آذار الماضي.
المواءمة مع فلسطين
المشكلة التي تواجه الأردن الآن هي المواءمة، فالأردن يرغب في الحفاظ على علاقاتٍ وثيقة مع السلطة الفلسطينية، ولا يرغب في أي زعزعةٍ للاستقرار في الضفة الغربية. والتصرفات الإسرائيلية في القدس وخطة السلام الأمريكية، أو حتى تمدُّد الصراع في غزة، كل هذا يمكن أن يُهدِّد الاستقرار في الضفة الغربية.
قال الأردن مراراً إنَّه من الضروري التوصل إلى حلٍ "عادل وشامل" للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقود إلى حل الدولتين. ويرغب الأردن كذلك في بناء توافق بين الدول العربية الجنوبية، بما في ذلك الإمارات والسعودية والبحرين والكويت ومصر.
وكان الأردن منتقداً لسلطنة عُمان في المنتدى الاقتصادي العالمي البحر الميت 2019، وجادل بأنَّ إسرائيل تحتل أراضي عربية في الضفة الغربية، في حين تسعى عُمان للحصول على علاقاتٍ أوثق مع إسرائيل.
مستقبل أزمة اللاجئين السوريين
والاهتمام الرئيسي للأردن لا يتعلَّق فقط بإحداث توازن في السياسة الأمريكية، ومرحلة ما بعد الصراع السوري، والنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل يرغب كذلك في إيجاد سبيلٍٍ للمضي قدماً فيما يتعلَّق باللاجئين السوريين. وفي محادثاتٍ مع لاجئين في الأردن في أبريل/نيسان الجاري، كان واضحاً أنَّ أيَّاً منهم لم يُعبِّر عن اهتمام بالعودة إلى سوريا. فقال واحدٌ تلو الآخر ممن حاورتُهم إنَّه بعد الآمال الأولية العام الماضي فيما يخص مبادرات النظام السوري، اعتُقِل أولئك الذين عادوا، واقتيد الشباب إلى التجنيد الإجباري.
كان الكثير من هؤلاء اللاجئين موجودين في الأردن منذ ما يصل إلى 7 سنوات. ولديهم معدل مواليد عالٍ، وقال الكثير ممن حاورتُهم إنَّ لديهم طفلاً أو اثنين وُلِدوا في الأردن. ويُشكِّل هذا جزءاً من عدد السكان السوريين الكبير والمتزايد في الأردن.
ينحدر معظم السوريين في الأردن من جنوب سوريا، وبعضهم لديه علاقات أسرية في الأردن. ولذلك اندمجوا ثقافياً في الأردن. خفَّف الأردن أيضاً القيود للسماح لبعضهم بالعمل في صناعاتٍ معينة، خصوصاً الأعمال الصغيرة. فمع ارتفاع الأجور والتكاليف والذي يعود جزئياً على الأقل إلى وجود الكثير للغاية من اللاجئين، باتت مشكلة المنافسة الاقتصادية والاستياء مشكلة حقيقة. ويؤكد المسؤولون الحكوميون المحليون والمؤسسات الخيرية، مثل منظمة كاريتاس الأردن، وهي منظمة إغاثة كاثوليكية، مراراً، أنَّ الأردن ينظر إلى نفسه باعتباره يقوم بواجبه باستضافة اللاجئين الذين يُصوَّرون باعتبارهم "أشقاء" للأردنيين.
ستتمثَّل المشكلة الأكبر في السنوات المقبلة في أنَّ السوريين إذا ما اختاروا البقاء على المدى الطويل فإنَّهم سيخلقون جيلاً شاباً جديداً. وفي ظل وجود نحو 10 ملايين أردني، يُشكِّل السوريون أكثر من 10% من السكان. وواجه الأردن بالفعل مشكلةً أصغر بعدما قطعت الولايات المتحدة المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين. ولدى البلاد مخاوف من إمكانية تقليص المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو المنظمات الأخرى تمويلاتها.
تداعيات كبرى على الأردن
يقول الكاتب إنَّ المملكة فاعل رئيسي في الأمن الإقليمي في السنوات المقبلة، وعلى صانعي السياسة الأمريكيين الاعتراف بهذا والبناء عليه. كما أنَّ موقف الملك ثابت وواضح؛ إذ عبَّر في إيطاليا عن دعمه لـ "دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للوجود على حدود 1967، تكون القدس الشرقية عاصمتها، ووجود إسرائيل آمِنة وجزءاً من منطقتها، وتعترف بها البلدان العربية والإسلامية حول العالم". والطريقة التي تختار بها إدارة ترامب طرح خطتها للسلام، والطريقة التي يختار بها نتنياهو نهجه بعد الانتخابات، وما إذا قرَّر المضي قدماً بضم أجزاء من الضفة الغربية على سبيل المثال أم لا، قد يكون لذلك تداعيات كبرى على الأردن.