وسط ترقُّب كبير، قرر البيت الأبيض الاثنين، إلغاء جميع الإعفاءات الممنوحة لثمانية اقتصادات تتيح لها شراء النفط الإيراني دون مواجهة عقوبات أمريكية، فيما تعهد بـ "ضمان تلقِّي سوق النفط العالمية إمدادات جيدة".
وأضاف البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر ذلك، وأن "الولايات المتحدة والسعودية والإمارات إلى جانب أصدقائنا وحلفائنا، ملتزمون بضمان أن تظل أسواق النفط العالمية تتلقى إمدادات كافية".
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن واشنطن لن تمدد أي إعفاءات تستثني مستوردي النفط الإيراني من العقوبات الأمريكية، وإنه لن تكون هناك فترة سماح للالتزام بالقرار. وقال بومبيو للصحفيين: "سنصل إلى الصفر، سنصل إلى الصفر مع الجميع".
ووفقاً لمقال سابق في صحيفة The Washington Post الأمريكية، كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد توقعت اضطلاع السعودية بدورٍ رئيسي في زيادة الإنتاج لتعويض خسارة الصادرات الإيرانية ومنع ارتفاع أسعار النفط.
لكن السعودية ستتخلّى عن موقع قوتها في "أوبك"
والآن، وبعد إقرار ذلك، فإنَّ السعودية بذلك ستتخلّى عن موقع قوتها في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بحسب محللين. وستُقلِّص الرياض قوتها التفاوضية فيما يقترب اجتماع أوبك في يونيو/حزيران المقبل. وتقول مجلة Forbes الأمريكية، إن السعودية تريد حينها التأكُّد من تمسُّك كل الدول الأعضاء في أوبك البالغ عددها 14 بلداً، بالإضافة إلى الدول العشر المشاركة من غير الأعضاء في أوبك (وأهمها روسيا) بأي اتفاقٍ يبرمونه.
وفي حال دخلت السعودية اجتماع يونيو/حزيران في فيينا، وهي بالفعل قد قدَّمت التزاماً للولايات المتحدة بأنَّها ستنتج عند مستوى معين، فإنَّها ستفقد أي ورقة ضغط لإجبار البلدان الأخرى على ضبط الإنتاج. وبالتالي، ستتعرقل القوة التفاوضية للمملكة في فيينا.
وبالنسبة لاتفاق أوبك الحالي لمدة ستة أشهر، ادَّعت السعودية في الواقع أنَّها تنتج عند مستوى أقل من حصة 10.3 مليون برميل/يومياً المُخصصة لها. لذا، يمكن للسعودية حتى نهاية يونيو/حزيران رفع الإنتاج، لأنَّ أوبك تحكم على امتثال الدول بالاتفاق استناداً إلى متوسط الإنتاج خلال 6 أشهر.
لكنَّ دول أوبك ودول خارج أوبك التي ستجتمع في فيينا في يونيو/حزيران المقبل مهتمة بالإنتاج السعودي خلال الأشهر الستة المقبلة (من يوليو/تموز وحتى ديسمبر/كانون الأول). وإذا بدا أنَّ السعودية التزمت بالإنتاج عند مستوى معين بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ستفقد السعودية نفوذها.
من جانبه، قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بُعيد القرار الأمريكي على الفور، إن المملكة تعيد التأكيد على سياستها القائمة منذ أمد بعيد بالعمل على الدوام من أجل استقرار سوق النفط.
وأكد الفالح، الإثنين، في بيان وصل لرويترز، أن "المملكة ستتشاور عن كثب خلال الأسابيع القليلة المقبلة مع المنتجين الآخرين وكبرى الدول المستهلكة للنفط من أجل سوق متوازنة ومستقرة".
"السعة المستدامة القصوى" للسعودية
قد يتساءل البعض إن كان لدى السعودية أو العالم طاقة إنتاجية فائضة للقيام بذلك. وطبقاً لمعلومات مُستقاة من نشرة إصدار سندات شركة أرامكو السعودية الأخيرة، فالإجابة هي نعم. إذ تفرض الحكومة السعودية على أرامكو أن تكون قادرة على رفع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يومياً في غضون ثلاثة أشهر والحفاظ على هذا المستوى لما يصل إلى عام. يُسمَّى هذا "السعة المستدامة القصوى"، ومن الممكن أن ترفع الحكومة السعودية السعة المستدامة القصوى إلى أعلى من 12 مليون برميل يومياً في حال رغبت.
وبالتالي، نعرف أنَّ السعودية كان لديها مسبقاً القدرة للاتفاق مع الولايات المتحدة لتعويض المفقود من الصادرات الإيرانية. لكنَّ هذا من شأنه الإضرار بموقع قوة السعودية داخل أوبك، على الأقل في الوقت الراهن. وفيما يتطلَّع التُّجار إلى الأخبار، سيكون عليهم الأخذ في الاعتبار ما إن كانت الاستراتيجية، على النحو المنصوص عليه، معقولة لكل الأطراف المعنية أم لا.
أسعار النفط قفزت قُبيل القرار الأمريكي
وكانت أسعار النفط قد قفزت بعد تقارير صادرة يوم الأحد 21 أبريل/ نيسان، ذكرت أن الإعفاءات الأمريكية للدول المتعاملة مع إيران، ستنتهي، وتظل الأسعار مرتفعة اليوم الإثنين. وزاد سعر خام القياس العالمي برنت 2.6% إلى 73.87 دولار للبرميل بعد أن لامس 74.31 دولار في وقت سابق، وهو أعلى مستوياته منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
وبحسب رويترز، ربحت العقود الآجلة للخام الأمريكي 2.4% أو 1.52 دولار للبرميل مرتفعة إلى 65.52 دولار. ولامست العقود في وقت سابق المستوى المرتفع البالغ 65.87 دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات في نوفمبر/تشرين الثاني على صادرات النفط الإيراني، بعد أن انسحب الرئيس ترامب على نحو منفرد من الاتفاق النووي المُبرم في عام 2015 بين إيران وست قوى عالمية. وتضغط واشنطن على إيران لكبح برنامجها النووي، ووقف دعم جماعات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان.
وكانت واشنطن منحت إعفاءات لثماني دول خفضت مشترياتها من النفط الإيراني، مما سمح لها بالاستمرار في الشراء بدون مواجهة العقوبات لمدة ستة أشهر. وهذه الدول هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان.