قال البيت الأبيض، أمس الجمعة 19 أبريل/نيسان، إنَّ الرئيس دونالد ترامب أثنى في مكالمةٍ هاتفية مع اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر بسبب محاربته الإرهاب وحماية النفط الليبي، وهي تعليقات بعيدة كل البعد عن سياسة الإدارة المُعلَنة تجاه ليبيا.
وبحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية فإن الاتصال الذي أجراه الرئيس الأمريكي مع حفتر قد يكون ضوءاً أخضر من قبل واشنطن للعملية العسكرية التي تدعمها الإمارات ومصر في ليبيا.
وكان حفتر، الذي تسيطر قواته الميليشياوية منذ فترةٍ طويلة على شرق ليبيا، قد أطلق هجوماً مطلع هذا الشهر للسيطرة على العاصمة طرابلس وإطاحة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.
ووسط قتالٍ محتدم يُهدِّد باندلاع حربٍ أهلية شاملة، دعت الأمم المتحدة وبلدان كثيرة، بينها الولايات المتحدة، إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار.
تغيّر الموقف الأمريكي
وحثَّت وزارتا الخارجية والدفاع "البنتاغون" الأمريكيتان حفتر علناً على الانسحاب والانضمام إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بيانٍ شديد اللهجة الأسبوع الماضي إنَّ الولايات المتحدة "تشعر بقلقٍ عميق"، و "إنَّنا أوضحنا أنَّنا نعارض الهجوم العسكري" من جانب قوات حفتر.
لكنَّ بيان البيت الأبيض، الذي صدر بعد أربعة أيام من مكالمة ترامب التي لم يُعلَن عنها سابقاً وجرت يوم الإثنين الماضي 15 أبريل/نيسان، لم يأتِ على أي ذكرٍ لهجوم حفتر، أو وقف إطلاق النار، أو جهود الأمم المتحدة. وأشار إلى حفتر بـ "المشير"، وقال إنَّ حفتر وترامب بحثا "رؤيةً مشتركة للانتقال الليبي إلى نظامٍ سياسي مستقر وديمقراطي".
ورفض البيت الأبيض الرد على الأسئلة بشأن المكالمة أو كيف تمت. فالمكالمات التي تتم مع الرئيس عادةً ما تكون مقتصرة على نظرائه من قادة الحكومات، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وكان مسؤولٌ بالخارجية الأمريكية قال، الجمعة 19 أبريل/نيسان: "إنَّنا عبَّرنا عن قلقنا العميق من مستويات عدم الاستقرار العالية في طرابلس"، و "إنَّ كل الأطراف المعنية ينبغي أن تعود للعملية السياسية".
وفي الوقت نفسه قال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هُويته بموجب القواعد التي تفرضها الخارجية الأمريكية: "ما زلنا نعتقد بأنَّ الجنرال حفتر يمكن أن يكون جزءاً مهماً في الحل السياسي"، بحسب الصحيفة الأمريكي.
خلاف داخل الإدارة الأمريكية
وقال القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان، أمس الجمعة، إنَّ وزارة الدفاع "والسلطة التنفيذية متفقتان تماماً بشأن ليبيا". وعند سؤاله عما إن كانت الولايات المتحدة تدعم هجوم حفتر، قال إنَّ "الحل العسكري ليس هو ما تحتاجه ليبيا".
وأوضحت حكومة الوفاق الوطني في تغريدةٍ على تويتر أنَّه قد أُصدرت مذكرة توقيف بحق حفتر ومسؤولين عسكريين آخرين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقارن العديد من خبراء الشأن الليبي هذه المكالمة وبيان البيت الأبيض مع الفترات السابقة، حين بدا أنَّ ترامب يُناقض السياسة الخارجية المُعلَنة. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أثناء مكالمةٍ مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال ترامب إنَّه سيسحب كل القوات الأمريكية من سوريا على الفور. وقد أعلن مؤخراً مسؤولو وزارة الخارجية ومستشار الرئيس للأمن القومي نفسه جون بولتون الخطوط العريضة لاستراتيجيةٍ جديدة لإبقاء القوات الأمريكية هناك إلى أجلٍ غير مسمى.
وفي منتصف عام 2017، بعد زيارةٍ إلى العاصمة السعودية الرياض، غرَّد ترامب مُعبِّراً عن اتفاقه مع مزاعم السعودية والإمارات بأنَّ قطر تدعم الإرهاب، في نفس الوقت الذي كان وزيرا خارجيته ودفاعه يدعوان دول الخليج لتسوية خلافاتها.
يتمثَّل حلفاء حفتر الرئيسيون في حكومات مصر والإمارات والسعودية، وهي الحكومات التي يتمتَّع قادتها بتواصلٍ مقرب ومنتظم مع ترامب. إذ زار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي واشنطن الأسبوع الماضي. وتحدث ترامب، أول من أمس الخميس 18 أبريل/نيسان، هاتفياً مع ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات الفعلي الشيخ محمد بن زايد.
تهمة الإسلام السياسي
وأطلقت كلٌّ من هذه الحكومات وحفتر اتهاماتٍ بأنَّ ليبيا باتت مرتعاً للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، التي تفكر إدارة ترامب في تصنيفها تنظيماً إرهابياً.
وقال الجنرال توماس والدهاوزر، قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، لأعضاء الكونغرس الشهر الماضي مارس/آذار، قبل فترةٍ وجيزة من إصدار الأمر بإجلاء المجموعة الصغيرة من قوات الجيش الأمريكي الموجودة في طرابلس، إنَّ روسيا تمد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر "بكل أنواع المعدات والأفراد والتدريب على حدٍّ سواء". ويوجد الدبلوماسيون الأمريكيون المُكلَّفون بالعمل في ليبيا حالياً في الجارة تونس، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تلقّى حفتر الدعم كذلك من فرنسا، وسابقاً من الولايات المتحدة، على الأقل حتى صراع 2014 الذي اندلع عقب إطاحة الديكتاتور الليبي معمر القذافي. ومنذ ذلك الحين، انقسمت البلاد بين الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس في الغرب، والإدارة المدعومة من حفتر في شرق البلاد.
كان السياسيون الليبيون في كثيرٍ من الأحيان عاجزين عن السيطرة على الميليشيات من مختلف المشارب -بمن في ذلك أولئك المدعومون من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة- التي تحاربت من أجل السلطة والسيطرة على الأرض وموارد النفط في ليبيا.
وأعربت كلٌّ من الولايات المتحدة وأوروبا عن القلق من التوسُّع الجهادي في شمال إفريقيا، ومدى مساهمة الفوضى الليبية في تدفُّق المهاجرين من القارة. وعبَّر ترامب بالأخص عن اهتمامه بإنتاج النفط الدولي، وضمان عدم تأثُّر أسعار الغاز في الولايات المتحدة بالعقوبات الأمريكية ضد صادرات النفط الإيرانية.
الفوضى المحتملة
لكنَّ الحلفاء الغربيين اتفقوا كذلك على أنَّ محاولة حفتر للسيطرة على البلد من خلال القوة العسكرية على الأرجح ستزيد الفوضى في ليبيا، وربما تفتح الباب أمام مزيدٍ من النشاط الجهادي، ودعموا التوصل إلى حلٍّ تفاوضي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال بن فيشمان، الذي عَمِلَ مديراً لقسم الشؤون الليبية بمجلس الأمن القومي الأمريكي إبَّان حكم الرئيس أوباما، إنَّ مكالمة ترامب مع حفتر "تُقوِّض بشدة سبع أو ثماني سنوات من السياسة الأمريكية"، بما في ذلك السياسة الأمريكية في أول عامين من حكم إدارة ترامب. وأضاف: "كانت سياستنا هي دعم عملية سلام مدعومة من الأمم المتحدة". وقال فيشمان إنَّه بوصف حفتر باعتباره شريكاً في مكافحة الإرهاب و "شخصاً سيحمي حقول النفط"، فـ "بالتأكيد يبدو لي أنَّ هذا يُمثِّل تفضيلاً في المعاملة (من ترامب)".
ووصف فريدريك ويري، مؤلف كتاب "الشواطئ المحترقة: داخل المعركة من أجل ليبيا جديدة The Burning Shores: Inside The Battle for a New Libya"، المكالمة وبيان البيت الأبيض عنها باعتبارهما "تغيُّراً متقلِّباً آخر، وحالة من الإشارات المتضاربة، من جرَّاء تدخُّلات ترامب الشخصية المتقلِّبة بحسب أهوائه".
ضوء أخضر من ترامب
ويرى الزميل الأقدم بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "أظن أنَّ هذه دفعة رمزية كبيرة لحفتر، يمكن الشعور بها في ساحة القتال. وهي تجعله يتجرَّأ على تجاهل حتى وقف إطلاق النار الإنساني".
وقال العقيد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر، إنَّ القادة الأمريكيين "يعرفون جيداً ما يجري في ليبيا.. إنَّهم يعرفون أنَّ القوات المسلحة (التابعة لحفتر) تقاتل من أجل الاستقرار العالمي والسلام الدولي".
وأضاف أنَّ ترامب وحفتر لم يبحثا وقفاً محتملاً لإطلاق النار أو إنهاء الهجوم الحالي، الذي يصفه بأنَّه المرحلة الأخيرة من الحملة العسكرية التي شنَّها حفتر قبل خمس سنواتٍ في شرق ليبيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتابع المسماري موضحاً أنَّ غياب الإشارة في بيان البيت الأبيض لأي ذكرٍ للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة أو الاتفاق السياسي التفاوضي تُمثِّل "دليلاً" على أنَّ الموقف الأمريكي "يتغيَّر بصورةٍ كاملة في اتجاهٍ مختلف".
وقالت ديبورا جونز، التي عملت سفيرةً للولايات المتحدة لدى ليبيا بين عامي 2013 حتى 2015، إنَّها تعتقد أنَّ "الرئيس خضع لتأثير تقييمٍ مفرط في التفاؤل بشأن قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس"، وأنَّ داعمي حفتر "يقامرون باعتبارهم أنَّ هذا التأييد الأمريكي المزعوم سيُحوِّل دفة الأمور".
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في إحاطةٍ إعلامية للصحفيين يوم الخميس الماضي، إنَّ "عدد الضحايا المدنيين والهجمات على ممتلكات المدنيين والبنية التحتية في ازدياد" داخل وحول طرابلس. وأضاف دوجاريك إنَّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة وجَّه "نداءاتٍ جياشة.. من أجل هدنة إنسانيةٍ على الأقل" في القتال.