حذَّر مقال بموقع LobeLog الأمريكي ممَّا سمَّاه محاولة سرقة الثورة السودانية من قبل النظام العسكري الحاكم وبعض الدول الاقليمية، عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
وقال بشير أحمد، المدير التنفيذي لمؤسسة Shabaka الاجتماعية والباحث بجامعة ساسكس البريطانية لقد سادت مشاهد السعادة والابتهاج جميع أنحاء السودان، عندما أُطيح بالرئيس السوداني عمر البشير بعد ما يقرب من ثلاثة عقود في السلطة، لكن هناك خطر ما زال قائماً.
وكان عدد غير مسبوق من السودانيين قد شارك في الاحتجاجات السودانية السلمية، أو دعموها عندما بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، احتجاجات تضامنية من جانب السودانيين المغتربين في لندن والقاهرة وواشنطن العاصمة.
أظهرت الاحتجاجات بعضَ جوانب الشخصية السودانية من إبداع وكرم وحس فكاهة، والأهم من ذلك إصرار وشجاعة مَكّنتهما من الصبر على الحكومة الإسلامية وسياساتها طيلة 30 عاماً من الحكم الاستبدادي.
وأخيراً، أطيح بالرئيس البشير، الذي ظلَّ في منصبه لفترة طويلة، وحلَّ محلّه مجلس انتقالي بقيادة القوات المسلحة السودانية، برئاسة وزير الدفاع عوض بن عوف.
لكن هذا لم يُخمِد الاحتجاجات، حيث استقال ابن عوف في غضون 24 ساعة وحلَّ محلَّه الفريق عبدالفتاح البرهان، المفتش العام للقوات المسلحة السودانية. ووعد المجلس الانتقالي العسكري بإجراء حوار مع المعارضة وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية خلال عامين.
خطر سرقة الثورة
وبحسب المقال، مع ذلك تواجه تلك الثورة الفريدة للغاية خطر السرقة أمام أعين الشعب السوداني. أدرك كثير من السودانيين سريعاً أنَّ المجلس الانتقالي الحالي يتطلَّع إلى مواصلة إدارة البلاد كالمعتاد، إذ ظلَّت حالة الطوارئ التي أعلنها البشير سارية، ولم يظهر ما يشير إلى احتمالية تشكيل حكومة مدنية.
يتواصل اعتصام آلاف المتظاهرين خارج مقرِّ القيادة العامة للجيش السوداني، وتتجه كلُّ الأنظار حالياً إلى كيفية تعامل المجلس الانتقالي مع أولئك المُصرّين على الاستمرار في الاعتصام حتى تلبية مطالبهم.
تتمثَّل إحدى المشكلات المثيرة للقلق في الحكومة الجديدة بوجهٍ خاص في صعود قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان (الملقب بحميدتي)، الذي أصبح حالياً الرجل الثاني في قيادة المجلس العسكري الانتقالي المُشكَّل حديثاً.
وكانت قوات الدعم السريع، المعروفة رسمياً باسم "الجنجويد"، مسؤولة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دارفور، من بينها استخدام الاغتصاب سلاح حرب مع قتل أكثر من 300 ألف وتشريد ما يتجاوز 2 مليون شخص من ديارهم، بحسب الموقع الأمريكي.
المعارضة تتيقظ
يبدو أنَّ معظم قوى المعارضة قد شرعت في تطبيق استراتيجية توافقية في حوارها مع المجلس الانتقالي في تدافعها لكسب بعض النفوذ والسلطة، مما يشير إلى أنَّها ربما اعتادت على خفض سقف المطالب والطموحات، عندما يتعلق الأمر بكيفية حكم السودان، ومن ثمَّ تعريض جوهر الثورة ذاتها للخطر.
ويعتبر ردّ فعلهم، جزئياً، أحد أعراض سنوات التدمير المنهجي لأي معارضة سياسية في السودان، إلى جانب سحق حيز العمل المُتاح للمجتمع المدني. ومع ذلك، فشلت تلك الجهود في تهدئة أولئك الذين نظموا الاحتجاجات على مدى الشهرين الماضيين، ولا يزال الاعتصام أمام المقر العسكري مستمراً، بحسب الموقع الأمريكي.
لقد حان الوقت للتحلِّى بالجرأة ومواجهة التحديات الهائلة في السودان، من ضمنها إصلاح الاقتصاد وإعادة بناء البنية التحتية للدولة، وتشمل قطاعات الصحة والتعليم والقضاء، خاصةً فيما يتعلق بمناطق دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، التي عانت سنوات طويلة من الصراع.
لماذا يحدث الآن احتجاج بهذا الحجم في السودان؟
وبحسب المقال لم يكن الأمر يتعلق بما إذا كانت ستحدث ثورة أم لا، إذ يمتلك السودان تاريخاً في الثورات ضدّ الديكتاتورية في عامي 1964 و1985، ولكن متى سيخرج المحتجون ضد الحكومة.
وكان شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، توقيتاً مثالياً، إذ أصبح الاقتصاد السوداني في حالة سقوط حر. ومن ثمَّ عانت كل أسرة سلباً جراء ارتفاع تكاليف المعيشة. واندلعت الاحتجاجات على أطراف البلاد، حيث بدأت في مدينة الدمازين في 13 ديسمبر/كانون الأول، وانتشرت سريعاً إلى بلدات ومدن أخرى في جميع أنحاء السودان، مع مظاهرة حاسمة في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، في 19 ديسمبر/كانون الأول.
لم تكن القوات الحكومية قادرةً على قمع الاحتجاجات بنفس القدر من السرعة إذا كانت قد بدأت في الخرطوم. كذلك تولِّي "تجمع المهنيين السودانيين" قيادة الاحتجاجات ضد البشير أدَّى دوراً مهماً في حشد الجماهير. ويعتبر "تجمع المهنيين السودانيين" منظمة جامعة تضم أطباء ومحامين وصحفيين ومُعلمين ومجموعات مهنية الأخرى.
على الرغم من الإشارات المستمرة إلى "الربيع العربي الثاني" –الذي تحمل الثورة السودانية بالفعل عدداً من أوجه التشابة معه- تغفل هذه المقارنات طبيعة البلاد ذات الهويات المتعددة.
يقع السودان على عدة خطوط تصدع ثقافية ولغوية ودينية وعرقية فريدة من نوعها، تشمل إفريقيا والعالم العربي. لم يكن هذا ربيعاً عربياً ثانياً، بل كانت ثورة سودانية فريدة.
دور المرأة والشباب في الاحتجاجات
وبحسب المقال قاد تلك الاحتجاجات شباب السودان، أولئك الذين ولدوا أو ترعرعوا في ظل حكم البشير الذي دام 30 عاماً تقريباً. أدَّت النساء السودانيات، الشابات بوجهٍ خاص، دوراً مهماً حاسماً في الاحتجاجات على جميع المستويات، وأُطلق عليهن اسم "كنداكات"، وهو لقب ملكات حضارة النوبة القديمة.
وعلى الرغم من القوانين المقيدة، التي تحكم الزي والسلوك ولم يتضرر منها في الغالب سوى المجتمعات الفقيرة، أظهرت الفتيات والسيدات السودانيات قوة وإصراراً خلال الاحتجاجات.
وهذا لا ينبغي أن يكون أمراً مفاجئاً، إذ أدَّت المرأة السودانية أدواراً اجتماعية وسياسية مهمة عبر تاريخ السودان الحديث، ومن الضروري لهن أيضاً أن يكنّ جزءاً من الحوار السياسي والحكومة المستقبلية.
ماذا يستطيع العالم الأوسع أن يفعل للشعب السوداني؟
كان هناك صمت مطبق من جانب الحكومات ووسائل الإعلام الدولية عندما بدأت الاحتجاجات ولم تظهر تغطية الأحداث إلا عندما أطيح البشير.
لكن السودان يقع في خضمّ مصالح متضاربة وقوى متنافسة. على سبيل المثال، يشارك السودان بآلاف من الجنود المشاة في الصراع اليمني. خرج حلفاء السودان، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، لدعم المجلس الانتقالي (ويجدر الإشارة إلى أنَّ البرهان هو الجنرال المشرف على القوات السودانية في اليمن)، وبينما يتحدث الاتحاد الأوروبي عن الديمقراطية يغضّ الطرف عن مسعاه لوقف موجات الهجرة إلى شواطئه.
كان الاتحاد الإفريقي أحد الأصوات القليلة التي رفضت مجلساً انتقالياً بقيادة الجيش، وحثَّ على تشكيل حكومة بقيادة مدنية، بحسب الموقع الأمريكي.
في الواقع، لا يزال المجال مفتوحاً أمام العديد من الأحداث والاحتمالات في الوقت الراهن، ولا أحد يعلم إلى أين سيذهب السودان في الأيام والأسابيع المقبلة، في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات وتُعقد الصفقات خلف أبواب مغلقة.
وفي حين يواجه الشعب السوداني حالياً العديد من التحديات، يبقى الأمل في أنَّ تطلعاته إلى حياة أفضل قد تتحقّق.