منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية 2016 على أجندةٍ وصفها معارضوه في الداخل والخارج بالعنصرية، يتعرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسهام النقد من جميع الاتجاهات وتردد مصطلح العزل ولا يزال، مما يوحي بأنه ربما لن يكمل فترته الرئاسية الأولى، وكان يفترض بتقرير المحقق الخاص روبرت مولر في تهمتي التواطؤ مع روسيا وعرقلة العدالة أن يقدم لمعارضيه فرصة توجيه الضربة القاضية، لكن هذا لم يحدث.
في ظروف كهذه ومع الدخول في المراحل الأولى من الاستعداد لسباق الفوز بفترة ثانية، يكون المنطقي بالنسبة للرئيس أن يسعى لتوسيع قاعدته الانتخابية، وأن يقدم حلولاً وسطية في القضايا الخلافية حتى يبدو كرئيس لأغلبية الناخبين، لكن العكس تماماً هو ما يفعله ترامب.
آخر مواقف ترامب المتشددة هي إصدار إدارته عن طريق المدعي العام ويليام بار أمراً يتيح إبقاء شرائح محددة من طالبي اللجوء في السجن لأشهر أو سنوات بانتظار البت في طلباتهم، وهو الأمر الذي أثار حفيظة منظمة "اتحاد الحريات المدنية" التي أدانت القرار ووعدت بالطعن فيه قضائياً، وغرّدت على تويتر بأن "دستورنا لا يسمح للحكومة باحتجاز طالبي اللجوء دون إجراءات قضائية… سنلتقي الإدارة في المحكمة".
ماذا يدور في رأس ترامب؟
الكاتبة والصحفية الأمريكية المخضرمة إليزابيث درو حاولت أن تجيب عن سؤال هل يفوز ترامب بفترة ثانية، وذلك في تقرير نشره موقع بروجيكت سينديكيت الأمريكي.
درو، التي ألفت كتاباً عن فضيحة ووترجيت التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون، بدأت بقولها إن المنطق يؤكد أن ترامب لن يتمكن من الفوز بفترة ثانية، لأن قاعدته الانتخابية صغيرة أصلاً وهو لم يفعل أي شيء لتوسيع تلك القاعدة ولا يبدو أنه ينوي أن يفعل، لكن نجاح ترامب في توحيد قاعدته الانتخابية خلفه ربما ينقذه في انتخابات 2020.
تقول درو إنها كانت تعتقد أن ترامب ربما لا يتمكن من البقاء في البيت الأبيض حتى نهاية الفترة الأولى، وبالقطع لن يفوز بفترة ثانية لكنها أصبحت متشككة في هذه الفرضية لعدة أسباب، أولها الرأي المثير للجدل من جانب وزارة العدل بعدم إمكانية إدانة رئيس أمريكي وهو في السلطة، مما يشير إلى وجود معركة قانونية طويلة الأمد حتى لو كشف تقرير مولر عن ارتكاب ترامب لمخالفات أو حتى جرائم.
قاعدة انتخابية تراه بطلاً
السبب الثاني يتعلق بقاعدة ترامب الانتخابية التي تمثل 35 إلى 38% فقط من الناخبي، ولم يتخذ ترامب أي خطوة من شأنها توسيع تلك القاعدة، كما أنه فشل في تحقيق كثير من وعوده لتلك القاعدة، ورغم ذلك فإن العامين الماضيين أثبتا أن حقبة ترامب لا ينطبق عليها قواعد المنطق السائدة.
فعلى سبيل المثال تعتبر قاعدة ترامب الانتخابية أن تعيينه قاضيين محافظين للغاية في المحكمة العليا انتصار كبير.
ترامب هو أول رئيس لأمريكا يمكن تصنيفه كزعيم لعشيرة يعتبره أنصاره بطلاً ويهللون له عندما يستخدم ألفاظاً لا تمت للسلوك السياسي بصلة، ويرون في تقليله من شأن معارضيه وسخريته منهم بل وتحقيره من شأنهم دليلاً على القوة (مثل وصفه لبيرني ساندرز – السيناتور الديمقراطي المرشح المحتمل في الانتخابات القادمة – ببيرني المجنون).
نموذج آخر في هذا السياق يتعلق بوصفه للوضع على الحدود الأمريكية-المكسيكية بأنه "حالة طوارئ قومية" في تجسيد صارخ لكراهية قاعدته الانتخابية للمهاجرين معطياً لنفسه صلاحيات واسعة ضد رغبة الكونغرس الذي صوّت ضد قراره، فاستخدم ترامب الفيتو الرئاسي لينفذ أجندته.
تتشكل قاعدة ترامب الانتخابية من أنصار اليمين المتطرف الذين يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض على باقي الأعراق ويكرهون المهاجرين بصفة عامة ويعتبرون المسلمين أعداء لهم، ويعتبر نجاح ترامب في توحيد تلك القاعدة خلفه أمله الوحيد في الفوز بفترة رئاسية ثانية، وربما ينجح بالفعل في ذلك في ضوء عدم وجود مرشح ديمقراطي يحظى بإجماع من أنصار الحزب حتى الآن.
الأخطر في هذه النقطة بحسب درو هو أن معركة اختيار منافس ترامب من اليسار ربما لا تكون سهلة ويخرج منها الفائز منهكاً مما يمثل فرصة لترامب، كي يكرر ما فعله في انتخابات 2016.
وعلى سبيل القياس، عقدت درو مقارنة سريعة بين نيكسون وترامب، صحيح أن نيكسون اضطر في النهاية لتقديم استقالته بسبب فضيحة التنصت على الحزب الديمقراطي وهي الفضيحة المعروفة باسم ووترجيت، إلا أن ترامب يحظى بدعم جماعات ضغط أقوى وأوسع، أبرزها قناة فوكس الإعلامية على سبيل المثال.
مؤشرات ترجح فوز ترامب
في ذات السياق نشر موقع فوربس الأمريكي تقريراً تحليلياً حول فرص ترامب في الفوز بفترة ثانية كتبه لورين طومسون، الباحث الأول في معهد ليكسنجتون للأبحاث الاستراتيجية، ذكر فيه عدداً من المؤشرات والمعطيات في هذا الشأن.
أول تلك المؤشرات هو أن الغالبية العظمى من رؤساء أمريكا يفوزون بفترة ثانية، فعلى مدى النصف قرن الماضي لم يفشل سوى رئيسين فقط في تحقيق تلك المعادلة وهما جيمي كارتر (ديمقراطي) وجورج بوش الأب (جمهوري)، بينما فاز بفترة ثانية كل من نيكسون ورونالد ريجان وبيل كلينتون وبوش الابن وأوباما، والغريب أنه كلما كان الرئيس يمر بفترة أولى مثيرة للجدل حقق انتصاراً كبيراً في انتخابات الفترة الثانية مثل بوش الابن وأوباما.
المؤشر الثاني اقتصادي ويصب في مصلحة ترامب، حيث إن الاقتصاد الأمريكي في أقوى حالاته في العصر الحديث ومعدل البطالة منخفض بصورة قياسية والتضخم يكاد يكون منعدماً، وبحسب طومسون فالعامل الاقتصادي يكون غالباً هو الحاسم بالنسبة لأي رئيس يسعى للفوز بفترة ثانية، لكن النقطة السلبية لترامب هي توقعات بعض خبراء الاقتصاد بحدوث حالة من التراجع الاقتصادي أو الركود في الأعوام القليلة المقبلة.
المؤشر الثالث يتعلق بموقف الديمقراطيين الذين يفتقدون لوجود مرشح يحظى بدعم أجنحة الحزب المتعددة ومن غير المحتمل أن يختفي ذلك الانقسام فجأة، إضافة لغياب أجندة واضحة تستطيع توحيد قاعدة ناخبي اليسار، عكس قاعدة ناخبي اليمين المتطرف الموحد خلف ترامب.
تأثير فوز ترامب بفترة ثانية
السؤال الذي حاول طومسون الإجابة عليه هو ماذا يعني فوز ترامب بفترة ثانية بالنسبة للأمن في العالم؟ وجاءت الإجابة مقلقة بشكل واضح.
"من الصعب الإجابة على هذا السؤال دون معرفة أي حزب سيكون مسيطراً على الكونغرس أو ماذا قد يفعل حلفاء أمريكا أو أعداؤها حال بقائه في البيت الأبيض بعد 2020، لكن الشيء المؤكد هو أن النظام العالمي الذي وضعته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سينتهي للأبد.
ذلك النظام العالمي كان يقوم على ثلاثة مفاهيم رئيسية وهي دعم المبادئ الديمقراطية والتكتل الأمني الغربي ضد المعسكر الروسي وتحرير التجارة العالمية. وفي ظل إدارة ترامب القائمة على النعرة القومية والمصلحة المادية المباشرة نجد أن المفاهيم الثلاثة تتعرض لخطر داهم، فترامب يرى أن علاقات واشنطن الخارجية في ظل سابقيه تتسبب في تجفيف مواردها بسبب الإنفاق أكثر على أمن حلفائها، لذلك يركز أكثر على الاقتصاد الأمريكي مثلما تفعل أي دولة أخرى".
وعلى سبيل المثال، يرى طومسون أن واشنطن في بداية القرن الحالي كان دخلها يمثل ثلث الدخل في الكرة الأرضية، وبعد عقد واحد أي بحلول 2010 تراجعت النسبة إلى أقل من الربع، والسبب الرئيسي يرجع للنمو المذهل للاقتصاد الصيني بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وفشل الإدارات الأمريكية السابقة في إجبار بكين على الالتزام بتعهداتها، والنقطة الأخرى تتعلق بالإنفاق العسكري لواشنطن الذي يصل لـ4% من الناتج القومي بسبب أن ألمانيا مثلاً (عضو الناتو الأبرز بعد الولايات المتحدة) تنفق 1% من ناتجها القومي على الجانب العسكري.
ما يعنيه ذلك، بحسب طومسون وفي ضوء ما قام به ترامب حتى الآن في عامين فقط، هو أنه حال استمراره لثماني سنوات، فإن مؤسسات دولية مثل حلف الناتو ومنظمة التجارة العالمية ستصبح بلا تأثير وربما تتحول إلى كيانات شرفية، كما أن الالتزام بالقيم الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان لن تصبح العوامل الهامة في الدخول في علاقات قوية مع واشنطن، لأنها من الأساس ليست في حسابات ترامب.