أثارت امرأة ألمانية عادت من مناطق سيطرة داعش بسوريا حالةً من الاهتمام والقلق في البلاد، بعد اكتشاف قصتها الغريبة.
ونشر تلفزيون "الآن" الخاص، الإثنين 15 أبريل/نيسان 2019، تحقيقاً كشف عن عودة سيدة ألمانية تونسية الأصل تدعى أميمة عبده من مناطق كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم "داعش" في سوريا إلى مدينة هامبورغ الألمانية.
امرأة ألمانية عادت من مناطق سيطرة داعش بسوريا لتصبح مترجمة ومنسقة مناسبات
وبدأت المرأة حياة جديدة، مقدمة نفسها على أنها مترجمة ومنظمة مناسبات، وفقاً لحسابها على موقع "لينكد إن"، التي تظهر فيه حاسرة الرأس، خالعة للنقاب الذي كانت ترتديه خلال مناصرتها للتنظيم في سوريا.
واستندت مراسلة القناة جنان موسى، في تحقيقها الذي قيل إن العمل عليه دام أشهراً، على محتوى هاتف أميمة الذي حصلت عليه من "مصدر ما" لم تكشف عنه.
وبلغ حجم محتوى الهاتف 36 غيغابايت من البيانات، وتضمن قرابة 25 ألف ملف، منها الكثير من الصور والفيديوهات التي توثق فيها أميمة حياتها خلال فترة عيشها في ألمانيا وعلى أراضي التنظيم، وزواجها من اثنين من أبرز مقاتلي "داعش" الألمان.
حملت السلاح مع ابنها الصغير
وتظهر الصور التي نشرتها القناة على موقعها، أميمة وابنها الصغير وهما يحملان السلاح.
وتقول "موسى" إنها اعتقدت في بداية الأمر أن أميمة ربما قتلت في سوريا، لكنها صُدمت عندما علمت أنها تعيش بهدوء في هامبورغ.
هكذا اعتنقت الفكر الداعشي
كانت أميمة، المولودة في هامبورغ في العام 1984 والأم لطفلة من زواجها الأول، قد أصبحت تعتنق أفكاراً متطرفة في عام 2011، وفتحت مع شقيقتها متجراً إلكترونياً في هامبورغ سمَّتاه "المؤمن"، وسافرت في عام 2012 إلى فرانكفورت للقاء متطرفين، بحسب القناة، بينهم نادر حدرة، وهو من مواليد مدينة دارمشتات الألمانية، الذي تزوجته في ذلك العام.
وكان نادر يشارك بحسب أرشيف الصور في حملة "اقرأ" لتوزيع القرآن، التي كان يديرها إبراهيم أبو ناجي، صاحب جمعية حظرتها السلطات الألمانية لاحقاً في عام 2016.
واتَّبعت أميمة طريق زوجها نادر حدرة إلى سوريا مطلع عام 2015، مسافرة إلى تركيا أولاً برفقة أطفالها الثلاثة و "محرم" من أقاربها، حيث التقت نادر هناك قبل أن يعبروا إلى مناطق سيطرة التنظيم في سوريا، حيث بدأت حياتها هناك.
وداومت في مدارس التنظيم، وصور لابنها مع قائد نمساوي مشهور بتنفيذ الإعدامات
وتظهر أميمة هناك بعد وصولها سعيدة، فالتقطت صورة لها في محل عصائر وهي تحمل سلاحاً، وأخرى لابنتها الصغرى فردوس وهي تداوم في إحدى مدارس التنظيم في الرقة.
ويظهر ابنها مع قائد داعشي نمساوي شهير يدعى محمد محمود، سبق أن ظهر في فيديو وهو يعدم سوريين في مدينة تدمر السورية.
لكن توجب عليها سريعاً التعامل مع عدم ردّ زوجها نادر الموجود على الجبهة مع التنظيم الإرهابي في مدينة عين العرب/كوباني على رسائلها، ليتبين أنه قُتل هناك.
إذ إن زوجها الداعشي الأول قُتل بعد 6 أسابيع فقط من وصولها لسوريا.
دفع لها التنظيم 1310 دولارات كتعويض لها على دفعتين.
تزوجت داعشياً آخر كان مطرب راب في السابق
ثم انتقلت أميمة، وفقاً للصور، بعد حصولها على موافقة التنظيم إلى "ولاية" حمص، حيث تزوجت للمرة الثالثة، وهذه المرة من صديق زوجها نادر، الداعشي الألماني الشهير دينيس كاسبرت، المعروف باسم ديسو دوغ، وهو مغني راب برليني سابق.
ويتضمن هاتفها صوراً لهما يظهران سعيدين، وصورة لرسالة حب وجهها ديسو دوغ لها. وأعلن التنظيم عن مقتل دوغ في يناير/كانون الثاني من عام 2018.
ومن الصور الموجودة في أرشيف هاتفها، صورة لابنها واللهاية في فمه، ثم وهو يحمل مسدساً في يده في يوم آخر.
وصور أخرى أيضاً لرحلة قامت بها أميمة مع ديسو دوغ، الذي انتقلت مع ابنائها للعيش في بيته هناك، إلى جانب صورة دعائية لداعش يهدد فيها التنظيم بالانتقام من ألمانيا على أراضيها، ويقف مقاتلان من التنظيم فيها أمام مبنى البرلمان الألماني.
كانت تعمل بالدعاية للتنظيم.. والسلطات الألمانية علمت برحيلها لسوريا
ويقول التلفزيون إن نشاط أميمة لم يقتصر على قضاء الوقت مع أحد أبرز أعضاء التنظيم الألمان، بل كانت تعمل في مجال نشر بروباغندا التنظيم، عبر حساب على تويتر مثلاً، وتتلقى رسائل من متأثرين بفكر التنظيم من كل أنحاء العالم.
وتظهر وثيقة تاريخها مارس/آذار عام 2015، كانت متواجدة في هاتفها، كيف أن مكتب العمل الألماني "جوب سنتر" في مدينة فرانكفورت، كان يعلم بأمر مغادرتها البلاد في يناير/كانون الثاني من ذلك العام، فأرسل لها رسالة تبلغها بقطع مساعدات البطالة عنها، لكونها سافرت إلى سوريا.
خلعت الحجاب وابنتها لم تسمع عن داعش قط
وذهبت مراسلة تلفزيون "الآن" إلى هامبورغ باحثة عن أميمة، ووجدتها في أحد العناوين المكتوبة في بيانات هاتفها.
فزارت منزلها، لكنها لم تكن متواجدة هناك، بل فتحت ابنتها فردوس الباب، وبدت تنفي ماضي العائلة أو تواجدهم سابقاً في سوريا، بل تحدثت عن قضائهم عطلة في تركيا وتونس فحسب.
وأكدت أن والدتها خلعت الحجاب وتعمل كمترجمة، مدعية أنها لم تسمع باسم "داعش" قط، وأن والدتها لم تواجه مشاكل لدى السلطات الألمانية أو تدخل السجن.
ثم أغلقت الهاتف في وجه الصحفية
وتشير المراسلة إلى أنه بعد معرفة أميمة بوجودها في هامبورغ والتحقيق عنها، خشيت العودة للمنزل، وقامت بالاتصال بها هاتفياً عوضاً عن ذلك.
وبدت أميمة مصدومة من انكشاف أمرها سائلة الصحفية عمن أعطاها رقم هاتفها، وأغلقت الخط مرتين، عندما طُلب منها التعليق على ماضيها الداعشي.
وكانت أميمة على تواصل مع عائلتها خلال تواجدها في سوريا.
ويعود تاريخ التقاط آخر صورة موجودة في الهاتف إلى نهاية العام 2015.
الادعاء العام يحقق ضدها الآن
السلطات الألمانية في هامبورغ وبايرن قالت في ردود على تويتر إن الحالة معروفة لديها، وإنه يتم التحقيق ضدها.
ويُعتقد أن أميمة عادت لألمانيا في سبتمبر/أيلول من عام 2016 مروراً بتركيا.
وذكر موقع شبيغل أن السلطات الألمانية لم تكن تمتلك أدلة كافية لإصدار مذكرة اعتقال بحقها للاشتباه بعضويتها التنظيم، الأمر الذي يمكن أن يتغير الآن بعد هذا التحقيق الصحفي، لأنه أصبح لدى المحققين للمرة الأولى أدلة على تواصلها مع قيادات التنظيم كصورها مع ديسو دوغ الذي كان يحمل سلاحاً في إحداها، ولم تكن مجرد مدبرة منزل.
وذكرت عدة وسائل إعلام ألمانية منها موقع "بيلد" أن الادعاء العام الاتحادي، المتخصص بقضايا الإرهاب، يحقق ضد أميمة حالياً.
وتوقع الموقع ألا تكفي على الأرجح حتى الصور الجديدة التي تظهر فيها حاملة الكلاشنيكوف أو تؤدي تحية التنظيم، التي نشرها التلفزيون، لاتهام أميمة بعضوية التنظيم الإرهابي.
كيف تستطيع العيش حرة في ألمانيا رغم علاقتها بداعش؟
ونقل "شبيغل" عن المراسلة جنان، المتخصصة بالبحث في المناطق السابقة لسيطرة تنظيم داعش، قولها إنها ما كانت تتصور أن شخصاً لديه هذا التاريخ مع داعش يتجول حراً في ألمانيا هكذا.
وذكر الموقع أن جنان غاضبة، لأن التنظيم خلف عشرات الآلاف من الضحايا في سوريا والعراق، ورغم ذلك تستطيع هذه المرأة أن تبدأ حياة جديدة وسط هامبورغ.
وقال موقع "هامبورغر مورغن بوست" إن مراسليها طرقوا باب منزل أميمة، في حي نويغرابن فيشباك، يوم الثلاثاء، لكنها لم ترد عندما سُئلت إن كانت نادمة على الفترة التي قضتها مع التنظيم.
"ميركل أنت التالية".. هكذا تنجو نساء داعش من العقوبة
وتمتلك نساء داعش فرصة كبيرة لعدم التعرض لعقوبات في ألمانيا، نظراً لأن المحكمة الاتحادية الألمانية قضت العام الماضي بأن مجرد تواجدهن في مناطق سيطرة التنظيم لا يجعلهن إرهابيات.
بل يجب إثبات ارتكابهن جرائم أو دعمهن التنظيم فعلاً بالأدلة، كقيامهن بالدعاية للتنظيم أو المشاركة في إدارة مناطق سيطرته أو القتال معه، ما جعل ملاحقتهن أصعب، وجعل فرص بقائهن طليقات في ألمانيا أكبر، وفقاً للقناة الألمانية الأولى.
وكان حكم المحكمة المذكورة صادراً على طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق سيدة ألمانية -تركية عائدة من مناطق التنظيم بعد مقتل زوجها هناك، تدعى سيبيل هـ.. وجادل الادعاء العام الاتحادي حينها لكي يتم القبض عليها بأنها تزوجت مقاتلاً من التنظيم وأنجبت معه أطفالاً وربتهم على الفكر المتطرف، وتلقت أموالاً من التنظيم عبر راتب زوجها. لكن المحكمة رفضت اعتبار ذلك سبباً لاعتبارها عضوة في التنظيم.
وكانت الشرطة قد وجدت على هاتف سيبيل عند عودتها فيديو يظهر زوجها المتوفى، وهو يطلق النار وتُسمع جملة: "ميركل أنتِ التالية"