حذَّر موقع The Hill الأمريكي من تنامي النفوذ الروسي في ليبيا بعد توطُّد علاقتها بشكل كبير باللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود ميليشيات من شرق البلاد من أجل السيطرة على العاصمة، التي تخضع لسلطة حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بقيادة فايز السراج.
وقال الموقع الأمريكي إنه في الشهر الماضي (مارس/آذار 2019)، عقد خليفة حفتر، الذي كان يقيم سابقاً بولاية فيرجينيا الأمريكية ورجل ليبيا القوي، محادثات مع فايز السراج، رئيس وزراء ليبيا ورئيس المجلس الرئاسي، في أبوظبي، لتجنب حرب أهلية وإيجاد حل لاستقرار الحكومة.
الاتفاق الذي نقضه حفتر
وبحسب مصادر مطلعة داخل الحكومة الليبية، فإنه بموجب هذا الاتفاق المزعوم، كان حفتر سيُمنح منصباً كبيراً يجعله مسؤولاً عن الجيش والأمن ولديه حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الوطني الليبي الذي من المزمع إنشاؤه. وكان من شأن هذا أن يؤدي إلى إبعاده عن الإشراف الفعلي على البلاد على نمط الحكم السلطوي العسكري للقذافي. وليس من الواضح إذا ما كانت سلطات حق النقض [الممنوحة له] ستشتمل على أي قيود، أو إذا ما كانت أي مبادئ توضيحية سوف توضع لها. ومع ذلك، فإنَّ هذا كان من شأنه أن يمنح حفتر سلطة كبيرة في البلاد.
سار حفتر بميليشياته جيدة التسليح إلى ضواحي طرابلس بنيَّة تطهير ما تبقى من الجماعات الإرهابية المزعومة. وعلى الرغم من أنَّه يُعتبر زعيماً علمانياً معادياً للإسلامويين، فإنَّه يحتفظ بِصلات مع رجال دين سلفيين راديكاليين يدعون إلى الجهاد في ليبيا.
دعم عربي وروسي لحفتر!
ويحظى حفتر بدعم فرنسا وروسيا ومصر والإمارات والسعودية. ومع ذلك، فإنَّ التدخل الروسي هو ما ينبغي أن يثير مخاوف جادة في واشنطن؛ ذلك أنَّ روسيا قد اعترضت منذ وقت قريب، سبيل قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو حفتر وميليشياته، المسماة الجيش الوطني الليبي، إلى وقف تقدمهم ناحية طرابلس.
وفي غياب التحرك الأمريكي، فإنَّ روسيا مستمرة في بناء نفوذ بهذا البلد ذي الأهمية الاستراتيجية وإمكانية الإنتاج القياسي للنفط. إذ قال تقرير حديث لصحيفة The Telegraph إنَّ شركة عسكرية روسية خاصة تدعي Wagner Group، تدعم حفتر بـ300 جندي في بنغازي، وزودت جيشه بالمدفعية والدبابات والطائرات من دون طيار والذخيرة. ووفقاً للـTelegraph، فإنَّ مرتزقته يحاولون تأمين ميناءي طبرق ودرنة للمياه العميقة من أجل الأسطول الروسي، بحسب الموقع الأمريكي.
وتابع الموقع الأمريكي بقوله إنه ينبغي أن يكون الفيتو الروسي ضد بيان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحذيراً للبيت الأبيض، للمشاركة بشكل أكثر مباشرة وحسماً في ليبيا، لا سيما الآن مع الحرب الأهلية الوشيكة. وكان وزير الخارجية، مايك بومبيو، قد دعا حفتر إلى إيقاف مغامرته العسكرية، لكنَّ ذلك ربما يكون تحركاً ضئيلاً للغاية ومتأخراً للغاية، إذ تعيد القوات الحكومية تجميع نفسها وتستعد للحرب، وقد أدى القتال بالفعل إلى مصرع العشرات وفرار الآلاف من منازلهم.
ومن المحتمل أنَّ السراج، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، قد تنبأ بوقوع الموقف الحالي، وهذا هو سبب لقائه مع حفتر في أبوظبي.
مشاركة ميزان القوى
ووفقاً لمصادر في الحكومة، فإنَّ هذه الخطة المزعومة دعت إلى مشاركة دقيقة في ميزان القوى. إذ كان سيخصَّص منصب رئيس الوزراء الجديد لمصراتة، وهي قوة اقتصادية مهمة وموطن لبعض الميليشيات القوية التي لم تكن ضد حفتر كما لم تكن معه، لكنها سوف تعارض أي حكم عسكري الطابع شبيه بحكم القذافي. وكانت هذه الخطة المزعومة ستمنح مصراتة بعض المناصب الوزارية في الحكومة الجديدة أيضاً، بحسب الموقع الأمريكي.
وعندما أعلن حفتر بدء هجومه على طرابلس، كانت هناك علامات ذات دلالة على وجود صفقة ما، طور النقاش، تقضي بأنَّ "ليبيا سوف تكون لها حكومة واحدةٌ الشهر الجاري (أبريل/نيسان 2019)". ويبدو من الواضح الآن أنَّ حفتر لم يكن ميالاً إلى السلام، وأنه رأى ضعفاً في السراج. لكن عندما وصلت ميليشيات حفتر إلى ضواحي طرابلس، اتهمه السراج بالخيانة، وتعهَّد بالمقاومة، وشنَّ عملية "بركان الغضب" لصد قواته، وكذا فقد انغلقت نافذة إبرام صفقة سريعاً، وهو ما ترك السراج بلا أي خيار آخر سوى الدفاع عن المدينة ضد حفتر.
أين أمريكا من كل هذا؟
وبحسب الموقع الأمريكي، فبينما تتخذ القوات المتنافسة مواقع دفاعية وتنخرط في القتال، لا بد لنا أن نسأل: أين الولايات المتحدة من كل هذا؟ إنَّ واشنطن تقف مكتوفة الأيدي، في حين تزيد موسكو من نفوذها.
سوف يكون القول بأنَّ الأمور تخرج عن السيطرة، من باب التبسيط؛ ذلك أنَّ التداعيات على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد تكون كبيرة. فإذا لم يتوقف النزاع وإذا لم تُجبر الأحزاب السياسية على العودة إلى مفاوضات تقودها الأمم المتحدة، فإنَّ موجة جديدة هائلة من اللاجئين سوف تضرب الشواطئ الأوروبية. ومن شأن امتداد الأزمة أن يخلق اضطراباً في سوق النفط ويرفع الأسعار بشكل كبير.
تتطلع روسيا إلى التحكم في ليبيا كما تتحكم بسوريا ونظام الأسد، لكنَّ الفكرة القائلة بأنَّ بإمكان حفتر أن يسيطر على ليبيا فكرة خاطئة ببساطة. وإنما الحل السياسي والحصة العادلة من الموارد لجميع الفصائل الليبية هما اللذان سيصلحان البلاد.
ومع أنَّ بيان وزير الخارجية الأخير خطوة في الاتجاه الصحيح، فثمة حاجة إلى بيان أكثر قوة. لقد قال الرئيس أوباما إنَّ أحد أكبر أسباب ندمه عندما كان في منصبه هو عدم الاستعداد لما بعد نظام القذافي. وسوف تكون إدارة ترامب حكيمة إذا لم تكرر أخطاء الماضي، وإذا ما زادت من المشاركة الأمريكية في جهود تحقيق الاستقرار بالبلاد، لأنَّ منطقة النفوذ الروسية ربما تكون قد اتسعت على نحو كبير. أخلاقياً، نحن مدينون لليبيين بمساعدتهم.