تحقق الأمم المتحدة في اتهامات وُجِّهت إلى الإمارات بشحن أسلحة بشكل غير شرعي إلى قوات اللواء خليفة حفتر، كما قالت المنظمة الدولية إن سلوك حفتر يدعم الإرهاب في ليبيا.
وقال مسؤول كبير لصحيفة The Independent البريطانية، إنَّ الأمم المحدة تحقق في المزاعم بشأن شحن دولة الإمارات أسلحة لدعم الفصائل التابعة لحفتر، في انتهاكٍ لحظر السلاح الدولي المفروض على البلاد.
تحقيق خاص بشأن الإمارات
وظلَّت الأمم المتحدة تحقق في عدة مزاعم بشأن شحنات أسلحة مُقدَّمة لأيٍّ من طرفي الصراع الليبي الممتد منذ سنوات.
لكنَّ حسب الصحيفة البريطانية، فإن ما يخضع لتدقيقٍ خاص من جانب المسؤولين الدوليين وخبراء الشأن الليبي هو المزاعم بأنَّ الإمارات، حليفة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، شحنت أسلحةً إلى أمير الحرب خليفة حفتر حتى بعدما أعلن الرجل، الذي منح نفسه رتبة المشير، رئيس حكومة الوفاق التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس فايز السراج، "إرهابياً" وأصدر مذكرةً لاعتقاله إلى جانب مسؤولين مدنيين آخرين.
وقالت ستيفاني ويليامز، نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة بليبيا، في مقابلةٍ من طرابلس يوم الإثنين 15 أبريل/نيسان 2019: "نتابع تقارير عن قدوم كل أنواع الأسلحة أو المنظومات.
ورأينا تقارير عدة عن تدفق أسلحة. نشعر بقلقٍ شديد حيال هذا. هذا ليس هو التصعيد الذي نحتاجه. نحتاج تقليص هذا".
وذلك بعد أن أفسد هجوم حفتر جهود المصالحة
وتعرَّض البلد الشاسع الغني بالنفط في شمال إفريقيا للعجز، بسبب الصراع الأهلي المسلح منذ سقوط الدكتاتور الذي حكم البلاد طويلاً معمر القذافي، بدعمٍ من حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويهيمن تحالفان فضفاضان على البلاد: مجموعة من الميليشيات الشرقية يقودها خليفة حفتر تحت مظلة يسميها "الجيش الوطني الليبي"، وحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة والمرتكزة في طرابلس.
وشنَّ حفتر هجوماً مفاجئاً على طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان 2019، بعد تحقيقه مكاسب سريعة على حساب الميليشيات التي تحكم جنوب البلاد الفوضوي. لكنَّ هجومه على العاصمة وحَّد ميليشيات منافِسة قوية في أنحاء غرب ليبيا، وكانت مكاسبه ضئيلة هناك.
وقالت ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية السابقة، إن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة تحقق في ادعاءات شحن الإمارات طائرة مُحمَّلة بالأسلحة لدعم قوات حفتر شرق ليبيا يوم الجمعة 19 أبريل/نيسان 2019، وتُحقِّق كذلك في ادعاءات أخرى تتعلَّق بإرسال أسلحة إلى قوات غرب ليبيا التي تقاتل للدفاع عن العاصمة في وجه هجومه المستمر منذ 12 يوماً.
وقواته تتباهى بأسلحتها الجديدة
ونفى مصدرٌ في شرق ليبيا وصول أي أسلحة جديدة. ولم تُعلِّق الإمارات على المزاعم.
لكنَّ قوات حفتر تباهت في الماضي، بوصول مقاتلات ومركبات عسكرية خضعت لعملية تجديد، ونشرت مقاطع فيديو وصوراً على موقع فيسبوك.
وأشارت لجنة الأمم المتحدة العام الماضي (2018)، إلى أدلة تفيد بأنَّ كلاً من الإمارات وتركيا كانت تُقدِّم الأسلحة والمعدات العسكرية للأطراف المتنافسة في ليبيا. ودعمت كلٌّ من الإمارات ومصر، الشريكة الأمنية للغرب على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان بها، حفتر بقوة، لأنَّهما تنظران إلى الحكومة المنافِسة في طرابلس باعتبارها واجهة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعهَّدت الدولتان بسحقها.
وقال ثيودور كاراسيك، المحلل بشركة Gulf State Analytics للاستشارات المختصة بالشأن الخليجي ومقرها في واشنطن: "ستفعلان كل شيءٍ الآن لتحقيق ذلك، لذا ستبذلان كل ما بوسعهما في هذا الأمر. السؤال هو ما إذا كانتا ستتحملان فوق طاقتهما أم لا".
ومن جانبها، دعت قطر الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2019، إلى إحكام تطبيق حظر الأسلحة المفروض على حفتر.
وفي مقابلةٍ مع صحيفة la Repubblica الإيطالية، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إنَّ الصراع يمكن إيقافه "من خلال استدعاء الحظر الفعَّال على حفتر، ومنع تلك الدول التي تمده بالذخيرة وأحدث الأسلحة، من مواصلة عمل ذلك".
وأشار لاحقاً على وجه الخصوص، إلى السعودية والإمارات ومصر، البلدان الثلاثة التي قطعت العلاقات مع قطر في 2017، بخضم خلافٍ إقليمي.
ومجلس الأمن منقسم حول الصراع
كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حذرتين بصورةٍ ما من حفتر، عكس فرنسا التي تدعم الجنرال المتمرد.
فصرَّح المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، للصحفيين، يوم الإثنين، بأنَّ واشنطن ترغب في "ترتيبٍ سياسي" بين الأطراف المتصارعة. وأضاف: "نشعر بالقلق من تزايد الضحايا المدنيين، ونشعر بالقلق من الدمار الذي يلحق البنية التحتية المدنية الحيوية".
ووزَّعت المملكة المتحدة على أعضاء مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2019، مشروع قرار يطالب بإنهاء القتال.
ويدعو مشروع القرار، الذي حصلت وكالة Associated Press على نسخةٍ منه، أيضاً كل الأطراف إلى إعادة الالتزام الفوري بحضور الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، "والعمل باتجاه التوصل إلى حلٍ سياسي شامل للأزمة في ليبيا".
إذ حظي حفتر على مدار سنوات، بدعم الإمارات ومصر والسعودية وروسيا وفرنسا، وهي الدول التي ترى فيه رجلاً قوياً محتملاً ليُرسي النظام في البلاد، بالتزامن مع دعمهم علناً عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة والمبادرات الدولية الأخرى الرامية إلى إعادة اللُّحمة إلى البلاد مجدداً.
الأمم المتحدة تتهم الجنرال بتعزيز قوة الميليشيات بدلاً من تحجيمها
وحذَّرت نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من أنَّ هجوم حفتر أوقف عديداً من المساعي طويلة الأجل، وضمن ذلك محاولات لتقليص نفوذ ووجود الميليشيات في العاصمة، والحوار بين حفتر والسراج، ومؤتمر أممي للسلام كان من المقرر عقده في مدينة غدامس الليبية، هذا الأسبوع.
وقالت ويليامز: "كانت تلك العملية نتاجاً لأكثر من عام من العمل لجمع الليبيين من كل مناطق البلاد المختلفة معاً. وحظينا باستجابة رائعة. كان هذا سيُمثِّل نقطة تحول حقيقية".
ويبدو أنَّ مسعى آخر من الاتحاد الإفريقي لجمع الليبيين بهدف عقد قمة هذا الصيف، قد انهار أيضاً.
ونتيجة مغامرة حفتر.. مئات الآلاف من اللاجئين
وتسبَّب الصراع بالفعل في تهجير 18 ألف شخص، وأسفر عن مقتل 147 على الأقل، بينهم مدنيون. وصرَّح السراج لصحيفة Corriere della Sera الإيطالية بأنَّ الصراع في طرابلس قد يخلق مئات الآلاف من اللاجئين.
وحذَّرت منظمة العفو الدولية من تقارير تفيد بأنَّ أكثر من 700 لاجئ ومهاجر عَلِقوا داخل مركز احتجاز قرب القتال، حيث يفتقرون إلى الطعام والمياه.
وانهيار العملة وحرب شوارع
وتحدَّثت ويليامز عن نقصٍ في الغذاء والأدوية بالعاصمة، حيث حثَّت الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار لأغراضٍ إنسانية.
وقالت إنَّ الدينار المتعثر فَقَد مزيداً من قيمته، وهو الأمر الذي يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين الليبيين العاديين.
وأضافت ويليامز: "هناك الآلاف من العالقين في منطقة الصراع طلبوا إخراجهم. نحتاج وقف القتال، كي تتمكَّن سيارات الإسعاف من الدخول ومعالجة الجرحى".
والخلاصة التي وصلت إليها الأمم المتحدة: سلوك حفتر يدعم الإرهاب في ليبيا
من جانبها، وصفت قوات حفتر معركة طرابلس بأنَّها تهدف إلى استئصال الميليشيات "الإرهابية". وتعهَّد المتحدث باسم ما يسمى الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر، أحمد المسماري، بنقل الحرب إلى وسط طرابلس.
وأشار المنتقدون للحكومة في طرابلس إلى أنَّ عديداً من الشخصيات المتطرفة المثيرة للجدل انضمت إلى القتال ضد حفتر، ولو أنَّ حكومة السراج تبرَّأت منهم.
لكنَّ ويليامز حذَّرت من أنَّ هجوم حفتر قد مكَّن ميليشيات طرابلس التي أمضت الأمم المتحدة وشركاؤها العام الماضي (2018) في محاولة لجمها.
وقالت: "أي حصار طويل أو معركة شوارع في طرابلس ستؤدي إلى حالة شلل، وبصراحة ستؤثر في الأمن القومي ليس فقط لجيران ليبيا المباشرين، بل بصراحة ستؤثر كذلك في جنوب أوروبا ومناطق أوسع. وسيحقق ذلك نبؤة (حفتر) عن طريق خلق بيئة يزدهر فيها التطرف".