بعد سنواتٍ من الاضطرابات في ليبيا، اعتقد مبعوثو الأمم المتحدة أنَّهم كانوا هذا الشهر أبريل/نيسان على وشك إبرام اتفاقٍ من شأنه جمع فصائل البلاد في مؤتمرٍ للتوافق على حكومةٍ موحدة وخطة للانتخابات. ثُمَّ شنَّ خليفة حفتر (75 عاماً)، أمير الحرب الذي يتطلَّع ليصبح دكتاتور ليبيا القادم، هجوماً على العاصمة طرابلس أدَّى إلى تمزيق عملية السلام وربما يقود إلى حربٍ أهلية عربية أخرى مدمرة.
فما الذي دفع حفتر إلى استنتاج أنَّ عليه السعي لتحقيق انتصارٍ عسكري بدلاً من التوصل إلى تسويةٍ توافقية؟
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، اتضحت إجابة هذا السؤال تدريجياً في الأيام القليلة الماضية: الهجوم جاء بتحريضٍ ودعمٍ مادي من السعودية ومصر والإمارات. فخرَّبت تلك الحكومات العربية إلى جانب روسيا، عن عمد، جهداً دولياً كان يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وكان حفتر يحظى بالدعم من تلك القوى الخارجية، إلى جانب فرنسا، منذ سنوات، تزامناً مع بسطه سيطرته على شرق ليبيا وتأسيسه نظاماً منافساً للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس.
السعودية موّلت عمليته بملايين الدولارات
تضيف الصحيفة، لكن قبل أيام من شن هجومه الأخير، زار حفتر -الذي أطلق على نفسه لقب "مشير"- المملكة العربية السعودية، وهناك تحصَّل على وعودٍ بالحصول على ملايين لدولارات من المساعدات ليُموِّل عمليته، وذلك بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
تُمثِّل تلك الأموال، المُراد بها مكافأة القادة القَبليين وتجنيد مقاتلين جدد، "مقامرة" أخرى متهورة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق بالفعل تدخُّلاً كارثياً في اليمن فضلاً عن محاولاتٍ فاشلة لإخضاع حكومتي لبنان وقطر.
وحصل حفتر يوم الأحد الماضي 14 أبريل/نيسان على تأييدٍ صريح من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي التقاه في القاهرة. وكان السيسي قد عاد قبل أيام فقط من زيارةٍ إلى للرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكنَّه لم يظهر أي تردد في مخالفة المطالب الأمريكية بإنهاء حفتر لهجومه.
في الوقت الراهن، لا يبدو مُرجَّحاً أن تنجح محاولة تثبيت حفتر في طرابلس. إذ تسبَّب الهجوم في المقابل في حشد القوى الليبية المتخاصمة، وتدفَّق رجال الميليشيات أصقلتهم الحرب من المدن الأخرى إلى المنطقة لوقف الغزو.
ويشير مؤيدو حفتر إلى أنَّ المقاومين يضمون بين صفوفهم بعض العناصر المتطرفة المُدرَجة على قائمة عقوبات تابعة للأمم المتحدة. لكنَّ قوات حفتر كذلك تضم مجرمي حرب ودُعاة للنسخة السعودية من الأصولية الدينية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ولي العهد السعودي يريد ليبيا أن تصبح "يَمَناً" أخرى
وتتمثَّل النتيجة الأكثر ترجيحاً للقتال في مزيدٍ من المعاناة التي لا داعي لها للليبيين، الذين شُرِّد الآلاف منهم بالفعل من جرَّاء القتال. وقد يزيد تدفُّق اللاجئين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، ويمكن أن ينهض مجدداً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي أمضت الولايات المتحدة سنواتٍ في العمل على هيزمته بليبيا. وكل هذا بفضل تدخُّل الحكومات العربية التي تُصوِّرها إدارة ترامب باعتبارها حلفاء مُقرَّبين وشركاء متعاونين في المنطقة.
تختم واشنطن بوست تقريرها بالقول، كثيراً ما يشتكي ترامب من الدول التابعة للولايات المتحدة التي تحصل على مساعدات واشنطن وحمايتها فقط كي تستغل ضعف واشنطن. لكن في حال كان مهتماً فعلاً بالبحث عن مثل تلك الدول، فإنَّه قد يجد مثالاً ممتازاً على ذلك يتكشَّف في ليبيا.