اعتبر خبراء عرب أن ما تشهده الجزائر والسودان من تطورات كبيرة موجة ثانية من الربيع العربي تعد "أكثر إصراراً" على تحقيق أهدافها، متوقعين تمددها إلى دول عربية أخرى.
في أكثر من مناسبة، خلال الأشهر الماضية، رجح مفكرون عرب انطلاق موجة ثانية من الربيع العربي، بعد بدء الأولى، أواخر عام 2010، انطلاقاً من تونس، ومروراً بمصر وليبيا واليمن، ووصولاً إلى سوريا، لتكون الموجة الثانية في الجزائر والسودان.
ويُنتظر من الموجة الثانية أن تستوعب مصير الأولى، لمواصلة الثورة حتى تحقيق النجاح التام، وعدم التوقف، كما حدث في الموجة الأولى، بإسقاط رموز النظام، فالحراك مستمر حتى تحقيق كل الأهداف، بحسب الخبراء.
بسبب ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة (82 عاماً)، لولاية رئاسية خامسة، اندلعت انتفاضة شعبية، في 22 فبراير/شباط 2019، أجبرته على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان 2019، بعد عشرين عاماً بالحكم.
وتتواصل احتجاجات شعبية في الجزائر؛ رفضاً لإشراف رموز نظام بوتفليقة على المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.
وفي السودان، أعلنت قيادة الجيش، الخميس 11 أبريل/نيسان 2019، عزل الرئيس عمر البشير واعتقاله، تحت وطأة احتجاجات بدأت أواخر 2018؛ تنديداً بالغلاء، ثم طالبت بإسقاط نظامه القائم منذ ثلاثين عاماً.
وأعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، عبدالفتاح البرهان، تشكيل مجلس عسكري لتمثيل سيادة الدولة، وحكومة مدنية، خلال مرحلة انتقالية تمتد عامين كحد أقصى.
وهو ما رفضته "قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارضة، وقدمت، خلال اجتماع لها مع المجلس، في اليوم نفسه، تصوراً من عشر خطوات عاجلة.
من أبرز هذه الخطوات "تسليم السلطة فوراً إلى حكومة انتقالية مدنية متوافق عليها عبر (قوى الحرية والتغيير)، لتدير البلاد مدة أربع سنوات، تحت حماية قوات الشعب المسلحة".
إصرار كبير على التغيير الكامل
رئيس حزب "غد الثورة" المصري، الدكتور أيمن نور، قال لـ "الأناضول" إن "الشعوب العربية، خاصة في الجزائر والسودان، استوعبت الدرس، واستفادت من الخبرات في الانقلابات السابقة كما استفاد الشعب التركي في المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، وأصبحت مصرَّة على الانتصار، خاصة ما نراه بالسودان".
وأضاف: "ما يحدث في المنطقة العربية الآن هو موجة ثانية من موجات الربيع العربي، انطلقت من الجزائر إلى السودان، وهي بداية موفَّقة مع شعبين لديهما خبرات بالانقلابات العسكرية والثغرات التي تمر بها الرياح، وأحد أهم الهتافات التي خرجت في السودان تقول (إما النصر وإما مصر)".
وفسَّر الشعار الذي رفعه السودانيون، بالقول: "المعنى أن ما حصل من هزيمة في مصر لثورة 2011، لا بد من أن يقابَل بإصرار على الانتصار في السودان"، مردفاً: "أرى ضرورة الوقوف إلى جوار الشعوب، والثورة السودانية بحاجة لمساندة كل الشرفاء والأحرار في العالم".
هل تشهد مصر موجة جديدة؟
ويُعتبر نور من مؤسسي "المجلس العربي للثورات"، برئاسة الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي. وعن التأثير المحتمل لتطورات الجزائر والسودان على المحيط العربي، رجح نور أن "هذه الموجة ستمتد مع تحقيق أهدافهما الكاملة.. هي بدأت بالجزائر، كما بدأت الموجة الأولى في تونس، وامتدت إلى السودان، كما امتدت الموجة الأولى إلى مصر".
وزاد بقوله: "أعتقد أن الأيام القادمة ستشهد حراكاً واسعاً بأقطار عربية عديدة، في مقدمتها مصر، التي يؤرقها الشوق إلى الحرية والكرامة الإنسانية وقيم ومبادئ ثورة يناير التي أجهضها وضربها في مقتلٍ الانقلاب، الذي حكم مصر منذ 2013".
في 2013، تمت الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في مصر، بعد ثورة شعبية أنهت حكم الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك (1981-2011).
وعن تأثير الموجة الثانية على الثورات المضادة للربيع العربي، أجاب نور: "لا أستطيع القول إن النجاح في الموجة الثانية هو انتكاسة كاملة للثورات المضادة، لكنه بداية منحدر الانكسار لفكرة الثورات المضادة، التي تقودها الإمارات والسعودية، اللتين قادتا ثورة مضادة في مصر وأقطار أخرى، وأعتقد أن إرادة الشعوب هي التي ستنتصر".
تحصين من حكم العسكر
رئيس مركز عمران للدراسات، الدكتور عمار قحف، قال إن "الشعب العربي أثبت أنه ليس مستعصياً على التغيير، وأن هناك موجات متعددة للتغيير قادمة"، مشدداً على أن "الشعبين في الجزائر والسودان استوعبا الدرس في موجة الربيع العربي الأولى، وهما مصرّان على التظاهر والاعتصام حتى تحقيق مطالبهما بالكامل، وعدم اختطاف ثورتهما، وعدم الرضا فقط باقتلاع رأس النظام".
وأردف قحف: "نجاح بعض التجارب لا يزال في بدايته، وتحصين الجزائر والسودان من حكم العسكر ما يزال تحدياً مهماً في طريق تكريس نظام حكمٍ أكثر تشاركية، وأكثر استجابة لاحتياجات الشعوب، وانتهاء بترسيخ السلطة بيد الشعب، ببناء مؤسسات مدنية واجتماعية ومجالس محلية، وتغيير ثقافي مرافق".
واستطرد بالقول: "التخوف حاضر من اختطاف المشروع التحرري الشعبي من طرف العسكر، بتمويل من قوى الثورات المضادة، وهو ما يزال يخيم على الجزائر وليبيا والسودان، مع فارق الأوضاع الداخلية بينها"، مضيفاً: "لا بد من دعم وتمكين القوى المدنية، لتشكيل قوة تكبح جماح القوى العسكرية نحو إدارة البلاد".
وبشأن ما قد تقود إليه الموجة الثانية من الربيع العربي، قال قحف إن "أنظمة كثيرة تعتمد على تحالفات إقليمية مع أنظمة شبيهة بالشمولية والديكتاتورية، وتغيير بعضها قد يؤدي إلى الدومينو (تتابع سقوط القِطع بمجرد سقوط إحداها)، في تحريك مياه راكدة".
وأوضح أن "ظروف وفواعل كل بلد تختلف من حيث تغلغل مشاريع وطنية أو عابرة للوطنية، تمنع أو تساعد في امتداد التجربة، فالوسائط الجديدة للتواصل جعلت الشعوب العربية سريعة التعلم والتواصل والاستفادة من تجارب أخرى".
الجزائر والسودان استفادتا من تجاربهما الخاصة وتجارب غيرهما
واستفادةً من تجارب عربية سابقة، يواصل المحتجون في السودان والجزائر فعالياتهم الاحتجاجية؛ خشية أن يلتف الجيش على الحراك الشعبي.
يقول قحف: "رواد الثورات المضادة في قلق شديد واستنفار مستمر، لمنع تمدد أي حالات تغيير، خاصة إذا كان يهدف إلى توسيع التشاركية والمساواة".
وأضاف: "لا بد للتجربتين الجزائرية والسودانية وروادهما من تحصين أنفسهم من ألاعيب الثورات المضادة، وأن يتخذوا التدابير التي تقيهم شر المشاريع المضادة".
ورأى الباحث السياسي أن "الجزائر في حال استقرت تجربتها، وتم تقليص حكم العسكر وتدخُّله بالسياسة، فستفتح المجال لمسار التغيير أن يستمر وينتشر، خاصة أن النظامين الجزائري والسوداني من الأنظمة الداعمة لدكتاتور ومجرم العصر بشار الأسد"، حسب تعبيره.
"من المبكر الحكم على ما يجري في الجزائر والسودان"
من جانبه، رأى الباحث الدكتور باسل الحاج جاسم أنه "من المبكر الحكم على ما يجري في الجزائر والسودان، فلا نستطيع التحدث عن ربيع عربي بالمعنى الحقيقي للكلمة".
وأضاف جاسم أن "ما يجري اليوم في الدول التي أُطلق عليها دول الربيع العربي يكشف أن أمام تلك الدول طريقاً طويلاً، ولا أحد يعرف متى تنتهي الأمور". وتابع: "بالتأكيد ما يجري اليوم في السودان والجزائر امتداد لما سبق أن حدث في دول أخرى، فالتغيير سيطول كل المنطقة".
لكنه أبدى حذره بالقول: "لا أحد يعرف إلى أين تتجه المنطقة.. هل نحو إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية أم إلى خدمة أجندات لا علاقة لأبناء المنطقة بها، أم أنها في مرحلةٍ ما ستكون لمصلحة شعوب المنطقة، التي أرادت دول كبرى استغلال حراكها المُحِق".
وشدد الحاج جاسم على أن "ما يجري في السودان والجزائر حراك له أسباب قد تختلف مع ما حدث ويحدث في دول عربية أخرى، فلكل بلدٍ خصوصيته، إلا أن المشترك الوحيد هو تمسُّك أشخاص بالسلطة".
وختم بقوله إن "نجاح حراك البلدين سيعطي بالتأكيد أملاً بإمكانية التغيير في المنطقة دون إراقة دماء وتهجير، وتدمير البلاد".