ألقت الشرطة البريطانية هذا الأسبوع القبض على مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، من السفارة الإكوادورية في لندن، استجابة لطلب تسليم أمريكي، بتهمة أنه ساعد في اختراق أجهزة كمبيوتر البنتاغون عام 2010.
يقول موقع Quartz Africa الأمريكي إن هذا الاعتقال مثَّل نهاية حقبة وبداية أخرى جديدة لأسانج ذي اللحية البيضاء، الذي أدت الحرب التي دشَّنتها منظمته على الإنترنت لتشجيع المُفصِحين عن الفساد، وكشفت أسرار الأقوياء ومالكي الأموال، وأعادت تعريف الصحافة ومعنى الأخلاقيات الصحفية في العصر الرقمي.
ما قصة كينيا مع أسانج؟
من نواحٍ كثيرة، بدأت قصة ويكيليكس، وتحولها من جماعة اختراق سرية إلى منظمة عالمية لمكافحة السرية، في كينيا. بعد تأسيس ويكيليكس عام 2006، سافر أسانج إلى هناك عام 2007، لحضور المنتدى الاجتماعي العالمي في نيروبي. عقد الاجتماع لأول مرة في البرازيل عام 2001، ويتزامن سنوياً مع اجتماع القادة السياسيين وقادة الأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا.
تجمّع أكثر من 80 ألف شخص في المنتدى المناهض للرأسمالية ذلك العام، وأمل كثيرون منهم في التواصل مع ناشطين آخرين، والاحتجاج على السياسات العالمية التي قالوا إنها تضر الفقراء. أحد هؤلاء الأشخاص كان أسانج نفسه، "الذي قضى أربعة أيام في المنتدى الاجتماعي العالمي في خيمة مع أصدقائه الثلاثة، يقدم محاضرات، ويوزع منشورات، وينشئ روابط"، وفقاً لكتاب ديفيد لي ولوك هاردينج عن ويكيليكس. التقى قرصان الكمبيوتر خلال إقامته بأشخاص محوريين من قطاعات مثل الصحافة وحقوق الإنسان، وبسبب تحمّسه بشجاعتهم والجو في البلد، فقد بقي هناك للعامين التاليين.
لكن بحلول أغسطس/آب 2007، ساعدت كينيا ويكيليكس على تقديم أول سبق كبير. حصل أسانج على تقرير صادر عن شركة كرول الدولية لاستشارات المخاطر، أوضح كيف احتال دانييل آراب موي ثاني رئيس لكينيا وعائلته وهربوا مليارات الدولارات الأمريكية خارج البلاد وخبَّأوها في صناديق سرية وشركات للتغطية. قُدِّم التقرير عام 2004 بتكليف من خليفة موي، الرئيس مواي كيباكي، لكن لم يتم إصداره أو اتخاذ إجراءات بشأنه.
أعطى أسانج التقرير المسرب لصحيفة The Guardian البريطانية، التي نشرت القصة في جميع أنحاء العالم. تسبب التقرير في ضجة في كينيا، وركز على الحصانة التي يتمتع بها المسؤولون الذين ينهبون خزائن الدولة. ومن المفارقات أنه بعد فترة وجيزة من بدء إدارة كيباكي للتحقيق في تقرير كرول، ضربها زلزال بسبب عملية احتيال بملايين الدولارات، قامت بها الإدارة نفسها، شملت منح عقود حكومية لشركات وهمية.
في سبتمبر/أيلول 2018، نشرت ويكيليكس تقريراً آخر بعنوان "صرخة الدم"، والذي وصف بالتفصيل ما وصفه بسياسة رفيعة المستوى لإخفاء وقتل الشباب الكيني. استند التقرير إلى أدلة حصلت عليها اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان، لكن التقرير لم ينشر على موقعها الإلكتروني. قُتل فيما بعد محاميان شاركا في التحقيق في عمليات القتل خارج نطاق القضاء. ساعد التقرير في تعزيز مكانة أسانج على مستوى العالم، وفاز بجائزة منظمة العفو الدولية للإعلام الجديد عام 2009.
نتائج الضربة الصحفية الأولى
كان أسانج لا يزال مصراً على فضح النخبة الكينية الفاسدة. عندما نشرت الصحفية البريطانية ميشيلا وونغ عام 2009 كتابها القوي: "It's Our Turn to Eat" (إنه دورنا في الأكل) حول قيصر مكافحة الفساد في كينيا جون جيثونجو، سرعان ما نشرت ويكيليكس نسخة إلكترونية من الكتاب على منصتها.
كانت العديد من المكتبات الكينية قلقةً من بيع الكتاب، بسبب دعاوى التشهير المحتملة التي يمكن أن يرفعها المسؤولون المذكورون في الكتاب. تواصلت وونغ مع ويكيليكس لإزالة الكتاب، لأن ذلك انتهاك لحقوق التأليف والنشر.
في رسائل متبادلة على بريدها الإلكتروني مع ويكيليكس، شاركتها وونغ مع صحيفة Quartz Africa، يقول المجيب المجهول من حساب ويكيليكس إنهم ظنوا أنها أو جيثونجو قد سربا الكتاب "لأسباب ترويجية". تعتقد وونغ أن النسخة الإلكترونية ربما سرقت من صحيفة كينية كانت تنوي نشر الكتاب في حلقات على صفحاتها. "ومع ذلك، فإن أهمية هذا العمل في كينيا كأداة للنضال السياسي تتجاوز دورك الفردي"، هذا ما جاء في رسالة ردهم السخيف على وونغ، "إنه طفلك، وأنا متأكد أنك تشعرين بذلك، لكنه أيضاً كبير بنفسه، وابن لكينيا".
قدمت وونغ شكوى أخرى إلى ويكيليكس في 16 مارس/آذار، أجاب أسانج بنفسه وقال إنهم سيحذفون النسخة، وينتظرون رداً من ناشرها عن شراء حقوق النشر. لكن الصفقة لم تحدث أبداً.
تقول وونغ: "القضية مثيرة للاهتمام، لأن هذا كان انتهاكاً لحقوق الطبع والنشر، بما في ذلك النشر التجاري، الكتاب لم تحظره أي حكومة إفريقية، وليس وثيقة سرية. لقد جعلني الأمر أشعر باستياء شديد".
ما الذي أراد أسانج تحقيقه؟
على مر السنين، تطرقت الوثائق السرية التي نشرتها ويكيليكس مراراً إلى كينيا، سواء كان عن البيع المثير للجدل للأسلحة لجنوب السودان أو الطبيعة الفاسدة للغاية للحكومة الكينية. لم ينس أسانج أبداً أهمية أول ضربة صحفية موفقة له، حتى أنه أعلن أن إصدار تقرير كرول "غير نتيجة" الانتخابات العامة الكينية عام 2007.
يمكن أن تفسر هذه التصريحات على أنها قيلت لخدمة مصالح ذاتية، في ضوء ديناميات السياسة المعقدة في البلاد، لكن تجربة كينيا وضعت أسس ما أراد "نبي عصر التسريبات" تحقيقه دائماً.
في تصريح لصحيفة The Guardian عام 2010 قال: "ينبغي أن تبدأ بالحقيقة"، و"الحقيقة هي الطريق الوحيد الذي يمكن أن يوصلك إلى أي مكان، لأن اتخاذ أي قرار مبني على أكاذيب أو جهل لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة جيدة".