المخرج الآمن.. خطة أمريكية جديدة للتربّح من صفقة تزويد السعودية بالمفاعل النووي

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/15 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/15 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش
تقول السعودية إنها تريد من الطاقة النووية تنويع مصادرها من الطاقة/ رويترز

تتصارع الشركات الأمريكية في السباق لتزويد السعودية بالطاقة النووية. وقال مسؤولون تنفيذيون في هذه الصناعة ومسؤولون أمريكيون لموقع The Daily Beast الأمريكي إنه على الرغم من ضغط إدارة ترامب لإبرام صفقة مع الرياض، فقطاع الطاقة النووية الأمريكي متأخر عن منافسيه، وخصوصاً روسيا والصين، في ما يتعلق بتطوير وتصدير التكنولوجيا للمشروعات الدولية الكبرى.

وللنجاح في مسعاها، تدرس الشركات الأمريكية إذا ما كانت سوف تحول اتحاداً للشركات، سماه البعض "Team USA" أي "فريق الولايات المتحدة"، إلى اتحاد يضم شركات أجنبية، وتحديداً شركات الطاقة الكورية الجنوبية الحكومية في محاولة لتعزيز عرضها المقدم إلى السعودية.

ويقول الخبراء إنه لو نجحت هذه الخطة، فمن شأنها أن توفر للشركات الأمريكية فرصة أكبر لتأمين العقود في السعودية والتغلب على روسيا والصين، وهو أحد الأهداف الاقتصادية الرئيسية للإدارة. لكنَّ احتمال إبرام مثل هذه الصفقة قد أثار مخاوف بين المسؤولين في إدارة ترامب من أنها قد تحد أيضاً من قدرة الحكومة الأمريكية على ضمان التزام السعودية ببعض الضمانات النووية.

لكن هناك مخاطر كبيرة في التعاون مع السعودية نووياً

وقد أثارت إدارة ترامب، التي قال مسؤولوها إنهم يضغطون على السعودية للالتزام بأعلى معايير الفحص والتحقق، المسماة أيضاً باسم "المعيار الذهبي"، سؤالاً حول ما إذا كانت الشراكة مع كوريا الجنوبية قد تساعد الشركات الأمريكية على حسم الصفقة دون أن توقع الولايات المتحدة على اتفاقية تعاون رسمية مع السعودية، تعرف باسم "اتفاقية المادة 123".

صور من الأقمار الصناعية للمفاعل النووي السعودي / بلومبيرج
صور من الأقمار الصناعية للمفاعل النووي السعودي / بلومبيرج

إذ يشترط قانون الطاقة الذرية الأمريكي أن توقع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 مع أي بلد تخطط للتعاون معه في مجال الطاقة النووية، وتحدد هذه الاتفاقية الشروط والضوابط التي تحكم المعاملات التجارية النووية.

وقال ديفيد كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من التسلح: "الانخراط في تعاون نووي مع دولة مثل السعودية، التي هددت بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لصنع أسلحة نووية ينطوي على مخاطر شديدة. إذا كانت الشركات الأمريكية تفكر في شراكة تجارية مع شركات (طاقة) نووية كورية، فإنَّ مثل هذا الترتيب يزيد من العبء على كاهل الإدارة لضمان قبول السعوديين لعمليات تفتيش صارمة والالتزام بعدم حيازة أسلحة نووية أو السعي لحيازتها أبداً".  

ما الذي سيقدمه الأمريكيون للسعودية؟

وليس ثمة أي مؤشر على أنَّ الشركات الأمريكية اتبعت مثل هذه الخطة، لكنَّ مسؤولين اثنين من وزارة الطاقة أخبرا موقع The Daily Beast أنَّ السعوديين والكوريين الجنوبيين قد عرضوا ذلك بوصفه استراتيجية رابحة.

ويقول الخبراء إنَّ حجة السعوديين والكوريين هي أنَّ التكنولوجيا النووية التي سوف تجد طريقها إلى الرياض في نهاية المطاف سوف تكون كورية الأصل، لا أمريكية. ومن ثم، فلن تحتاج الولايات المتحدة ولا السعودية توقيع اتفاقية المادة 123، إذ لن تقدم الشركات الأمريكية سوى خدمات أخرى مثل الخبرة التقنية والأمن والموظفين.

لكن ثمة ممانعة قوية ضد هذه الحجة في وزارة الطاقة، وذلك بحسب مسؤولين سابقين وحاليين.

ففي عام 2010، نقلت شركة استحوذت عليها شركة Westinghouse، تقنيتها إلى "سول" للمساعدة في التطوير المشترك لمفاعل باعته كوريا الجنوبية في جميع أنحاء العالم. ومنذ ذلك الوقت، طورت كوريا الجنوبية تقنيتها الخاصة لتصنيع المفاعلات.

لكنَّ بعض المسؤولين في إدارة ترامب أخبروا موقع The Daily Beast أنَّهم يعتقدون أنَّ المفاعلات الكورية الجنوبية، حتى مع تطويرها منذ وقت قريب، لا تزال مستندة إلى التكنولوجيا الأمريكية ومن ثم فإنها تتطلب من الولايات المتحدة والسعودية توقيع اتفاقية المادة 123 لكي يعمل الاتحاد الأمريكي الكوري الجنوبي.

ويقول آخرون، ومن ضمنهم مسؤولون تنفيذيون بشركات أمريكية مشاركة في هذا العرض السعودي، إنَّ الشراكة الأمريكية-الكورية الجنوبية دون توقيع اتفاقية المادة 123 قد تكون استراتيجية رابحة ليس للولايات المتحدة فحسب، وإنما لسول والرياض أيضاً؛ ذلك أنَّ هذه الصفقة سوف تلبي رغبة السعودية في الاستقلال على المستوى التنظيمي لبناء قطاعها النووي، وسوف تسمح للشركات الأمريكية باستعادة مكانتهم على الساحة الدولية والفوز بعقود مربحة، وسوف تعزز العلاقة التي تزداد قرباً بين واشنطن وكوريا الجنوبية.

وتشارك الشركات الأمريكية بالفعل، مع شركات من روسيا والصين وكوريا الجنوبية، في محادثات مكثفة مع السعودية حول إمكانية العمل على نقل التكنولوجيا النووية إلى المملكة في خطتها للحد من اعتمادها على النفط، والمعروفة باسم "رؤية 2030".

وقال حسين إبيش، وهو باحث أقدم مقيم بمعهد دول الخليج العربي: "كل ما له علاقة بالسعودية حالياً في الكونغرس يُنظر إليه في ضوء مقتل الصحفي الراحل جمال خاشقجي، وهذا أمر إشكالي فيما يتعلق بالوصول إلى فهم سليم للطاقة النووية المدنية، لكنَّ هذه ليست مسألة متعلقة بانتشار تكنولوجيا الأسلحة. بالنسبة للسعوديين، فإنَّ الطاقة النووية المدنية أمر شديد الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية. سوف يكون من قبيل الجنون ألا يفعلوا ذلك"، حسب تعبيره.

دخول كوريا الجنوبية

ووزعت وزارة الطاقة 7 تصاريح على الشركات الأمريكية التي تسعى إلى الاضطلاع بأعمال ذات صلة بالطاقة النووية في السعودية. وتعرف هذه التصاريح باسم "part 810s"، وتسمح بنقل التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى البلاد، لكنَّ هذه الشركات بحاجة إلى تصريح منفصل لكي تستطيع تصدير تلك التكنولوجيا بالفعل.

لكنَّ الخبراء يقولون إنَّ بعض الشركات المنخرطة في المحادثات حول عرض اتحاد الشركات الأمريكي بالسعودية متأخرة في تطوير التكنولوجيا التي تبحث عنها الرياض بهذه المناقصة.

تعتمد سول اعتماداً كبيراً على الطاقة النووية ليس من أجل اقتصادها فحسب، وإنما أيضاً لتوفير قدر كبير من الكهرباء للبلاد. ولدى كوريا الجنوبية حالياً 24 مفاعلاً توفر لها نحو ثلث احتياجاتها من الكهرباء. وقال أحد الخبراء في هذه الصناعة إنَّ شركات الطاقة التي تديرها الحكومة بكوريا الجنوبية من بين أفضل الشركات في هذا المجال، إذ تقدم لعملائها مفاعلات عالية الجودة بسعر فائدة ثابت.

وتبني البلاد حالياً 4 مفاعلات نووية في الإمارات العربية المتحدة بموجب عقد بقيمة 20 مليار دولار. ولدى هذه الشركات أيضاً عقد بقيمة 173 مليون دولار لإنشاء مفاعل نووي تجريبي في الأردن.

التقى مسؤولون من كوريا الجنوبية والسعودية على مدار العامين الماضيين؛ في محاولة للوصول إلى علاقة تعزز التعاون بمجال الطاقة النووية. وفي شهر يناير/كانون الثاني 2019، قال مسؤول تنفيذي من شركة Kepco، وهي إحدى شركات الطاقة  العاملة في البلد، إنه يعتقد أنَّ الشركة قد "تركت انطباعاً جيداً" بالسعودية بعد أن قدمت تفصيلاً لخططها المتعلقة بالمناقصة النووية للرياض.

هل تتخلى السعودية عن الأمريكيين في طموحها النووي؟

ويقول الخبراء إنَّ كوريا الجنوبية قد تكون خياراً جذاباً للسعودية، لأنها لا تطالب بالمعايير الصارمة ذاتها من الفحص والتحقق التي تطلبها دول أخرى مثل الولايات المتحدة، ولا تشترط كوريا الجنوبية موافقة البرلمان على اتفاقية تعاون ثنائي، ولا تتطلب أيضاً توقيع عملائها على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو اتفاق ضماني يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش صارمة للتأكد من استخدام الدول المواد النووية في أغراض سلمية.

ومع أنَّ التوقيع على هذا البروتوكول ليس شرطاً، فقد وقّعت عليه معظم دول العالم، حتى الدول التي ليست لديها طاقة نووية.

وقال روبرت كيلي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية: "سمعت أنَّ السعودية تعتقد أنَّ (الشراكة الأمريكية مع كوريا الجنوبية) ثغرة قانونية. لو شجعت الولايات المتحدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التراجع بحدة، أو سمحت الوكالة للسعودية بتوقيع بروتوكول إضافي مخفف، فسوف تستفيد الأطراف الأربعة".

ويحاول مسؤولون بإدارة ترامب، لا سيما في وزارة الطاقة، إقناع كوريا الجنوبية بالتمسك بـ"المعيار الذهبي" للفحص، والبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع السعودية، وذلك وفقاً لأحد المسؤولين ممن لديهم اطلاع مباشر على هذه المحادثات. وقد طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الأخرى من السعودية الموافقة على هذا البروتوكول الإضافي.

وقال براد شيرمان النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا: "سواء دخلت كوريا الجنوبية في شراكة مع الشركات الأمريكية أو لا، فإنَّ شركة Korea Electric Power Corporation للطاقة تستخدم تقنيات أمريكية المنشأ، ومن ثم فلا يمكنهم بيع مفاعلات إلى السعودية حتى توقع الرياض على اتفاقية المادة 123 مع الولايات المتحدة. ولو مضى السعوديون قدماً في برنامج نووي دون توقيع هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة، ولو كانوا يريدون تقليد إيران، فلا ينبغي إذاً أن نستمر في اعتبارهم حلفاء للولايات المتحدة".

تحميل المزيد