لا يمكن أن تصبح الديمقراطية أبسط من شخصٍ واحد، أي صوتٍ واحد، ولكن ماذا يحدث عندما يكون هذا الشخص ناسكاً يعيش بمفرده في معبد في الغابة، وتحيط به الأسود، والفهود، وثعابين الكوبرا، ويبعد عدة أميال عن أقرب مدينة؟.. في الهند تأتي الانتخابات إليه.
أصبح بهاراتدس دارشانداس، وهو الساكن الوحيد وراعي معبد هندوسي في عمق غابة غير في الهند، رمزاً للجهد الشاق الذي بذلته الهند لضمان وصول صوت كل من ناخبيها الـ900 مليون المؤهلين للتصويت. بدأ التصويت يوم الخميس 11 أبريل/نيسان 2019، في أكبر انتخابات ديمقراطية في العالم، وقد تكون أكثرها زهواً، وسيسافر فريق مُؤلف من خمسة من موظفي الانتخابات إلى معبد دارشانداس لإنشاء مركز اقتراع ليستخدمه هو فقط.
وقال دارشانداس للصحفيين، عقب انتخابات عامة في عام 2009: "إنَّه لَشرف، إنَّه حقاً كذلك. هذا يُثبت كم تُقدر الهند ديمقراطيتها".
أكبر انتخابات في العالم على الإطلاق
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إنَّ الاختبار الذي تتعرض له هذه القيم هو اختبار من الدرجة القصوى، فهذه أكبر انتخابات ديمقراطية في التاريخ.
في سبع مراحل وعلى مدار 39 يوماً، سوف يُدلي 900 مليون شخص بأصواتهم في جميع أنحاء البلاد في مليون مركز اقتراع، موزعة على المدن الضخمة المكتظة بالسكان والقرى النائية، وتستمر كل مرحلة لمدة يوم واحد، مع اختلاف التاريخ حسب الموقع.
إنَّه عمل ذو أبعاد هائلة، إذ يتطلب 12 مليوناً من المسؤول عن عمليات الاقتراع بالإضافة إلى تكنولوجيا متطورة. ولكن مجرد الوصول إلى الناخبين، الذين يعيش بعضهم بين أطول الجبال في العالم، وأدغاله الأكثر كثافة والصحاري الأشد حراً، يُمثل مجموعة أخرى من التحديات.
وحتى تتمكن لجنة الانتخابات المستقلة في الهند من توفير بطاقات الاقتراع للناخبين في المناطق النائية، ستنشر 700 قطار خاص، بالإضافة إلى قوارب، وطائرات، وقافلة من الإبل والفيلة.
مناطق نائية لا يمكن الوصول لها إلا بطائرات الهليكوبتر والفيلة والإبل
وقال شهاب الدين يعقوب قريشي، مؤلف كتاب "An Undocumented Wonder: The Great Indian Election" الذي كان يشغل سابقاً منصب رئيس لجنة الإشراف على الانتخابات في الهند، معدداً الوسائل التي يستخدمها العاملون في الاقتراع للحصول على التصويت: "هناك جبال لا يمكن الوصول إليها إلا بطائرة هليكوبتر. في الواقع، هناك العديد من المناطق النائية التي لا يمكن الوصول إليها بأيٍّ من هذه الطرق، ويتعيَّن على العاملين المشي لمدة ثلاثة أيام" للوصول إلى هذه المناطق.
ومن بين تلك المناطق النائية، يوجد مركز اقتراع يعد الأكثر ارتفاعاً في البلاد، إذ يقع على ارتفاع 4650 متراً فوق مستوى سطح البحر، ويقع في قرية في وادي سبيتي في جبال الهيمالايا، حيث يعيش 48 ناخباً فقط.
ويتعيَّن كذلك على مسؤولي الانتخابات ليس فقط الوصول إلى الناخبين الأكثر عزلة، ولكن أيضاً توفير أنظمة فعالة للناخبين في مدن البلاد المُزدحمة. إذ تشهد أكثر مراكز الاقتراع ازدحاماً توافد ما يصل إلى 12 ألف شخص للإدلاء بأصواتهم.
مع تعداد سكاني يصل إلى 1.34 مليار نسمة، من المتوقع أن تتفوق الهند على الصين، لتصبح أكبر بلد من حيث عدد السكان قبل حلول الانتخابات العامة المقبلة، المُقرر إجراؤها في عام 2024. ويبلغ عدد الناخبين في الهند أربعة أضعاف حجم الولايات المتحدة، مما يعني أنَّ أكثر من 10% من سكان العالم مُؤهلون للتصويت في انتخابات هذا العام.
خلال الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في عام 2014، أدلى 553 مليون هندي، أو 66% من إجمالي الناخبين المؤهلين، بأصواتهم.
وبالإضافة إلى العاملين في مراكز الاقتراع، جرى نشر عشرات الآلاف من القوات طوال أيام الانتخابات لمنع نشطاء الحزب من التدخل في العملية ومنع حدوث أي عنف مُحتمل.
كيف يمكن إحصاء 900 مليون صوت؟
تُعتبر الأداة التي يرجع إليها الفضل الأكبر في تحسين سهولة تصويت الهنود هي أيضاً جزء من السبب في أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً.
بينما لا يزال هناك جدل بين الناخبين في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى حول مزايا ومدى أمن التصويت الإلكتروني، تستخدم الهند أجهزة إلكترونية آمنة منذ عام 1999. وبدءاً من عام 2014، قدمت الحكومة جهازاً آخر، وهي طابعة تودع نسخة ورقية من كل اقتراع في صندوق مغلق، مما يضمن وجود درجة إضافية من الأمن والاحتياط.
على الرغم من أنَّ ما يقرب من مليار شخص يمكنهم الإدلاء بأصواتهم، هناك فقط 1.63 مليون "وحدة تحكم"، التي تُعد العقل المحوسب لآلة التصويت الإلكترونية. ويجري نقل هذه الآلات في جميع أنحاء البلاد، لتُستخدم خلال كل مرحلة جغرافية من الانتخابات.
وتتكون كل آلة من "وحدة تحكم"، تعمل على فرز الأصوات وتخزينها، بالإضافة إلى "وحدة اقتراع" أو أكثر، التي يستخدمها الناخبون لاختيار مُرشحيهم عن طريق الضغط على زر. والجزء الثالث من الآلة هو الطابعة الآمنة التي تصنع نسخة ورقية من كل صوت.
تجدول الأجهزة الفردية الأصوات على الفور تقريباً، ولكن يُعلن عن الأرقام الرسمية بعد أربعة أيام من إدلاء آخر الأشخاص بأصواتهم، أو بعد ستة أسابيع من بدء الانتخابات.
وبعد عملية تستمر أسبوعاً، يستغرق العد ساعاتٍ فقط. يبدأ مسؤولو لجنة الانتخابات العد في الساعة 8 صباحاً، ويُعلن عن الفائزين بحلول المساء.
ناخبون وافرون لمرشحين كُثر
يمثل رئيس الوزراء ناريندرا مودي، من حزب بهاراتيا جاناتا، ومنافسه الرئيسي راهول غاندي من المؤتمر الوطني الهندي، أكبر فصيلين في البرلمان.
ولكن هناك أكثر من 8 آلاف مُرشح يمثلون أكثر من ألفي حزب سياسي يتنافسون على 543 مقعداً متاحاً في مجلس الشعب بالبرلمان، والذي يُعرف باسم لوك سابها. ولضمان الأغلبية، يجب على الحزب أو الائتلاف السيطرة على 272 مقعداً.