تنفذ القوات المسلحة، التي أطاحت بالرئيسين في كل من الجزائر والسودان بعد احتجاجات شعبية، سيناريو سبق أن خذل ملايين العرب، منذ تفجُّر ثورات 2011.
كانت انتفاضات الربيع العربي قد أثارت الآمال في تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية في دول مثل مصر، التي ظل الجيش يتابع فيها الأوضاع من على الهامش، ثم استفاد من الاضطرابات في توسيع نفوذه في الساحة السياسية.
فقد أزاح قائد القوات المسلحة المصرية فعلياً الرئيس حسني مبارك، عندما اتَّضح أن قوات الأمن لم تستطع احتواء احتجاجات الشوارع، اعتراضاً على الرئيس الذي تولى الحكم منذ نحو 30 عاماً.
وتولى مجلس عسكري المسؤولية، وأشرف على البلاد في فترة انتقالية مضطربة، بلغت حد العنف في بعض الأحيان، أجريت خلالها أول انتخابات ديمقراطية في مصر.
وبعد عامين قاد عبدالفتاح السيسي، قائد الجيش، عملية الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب في انتخابات حرة بمصر. ثم فاز السيسي في انتخابات الرئاسة عامي 2014 و2018 بنسبة تتجاوز 97% من الأصوات في المرتين.
ويدرس البرلمان تعديلات دستورية يمكن أن تسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى العام 2034.
هل يتبع السودان النموذج المصري؟
قال المحلل السياسي السعودي محمد اليحيى، رئيس تحرير تلفزيون العربية بالإنجليزية، لرويترز: "ما أعتقد أنه تسبب في كثير من الانتفاضات في 2011، وما يتسبب فيها اليوم في السودان والجزائر هو سياسة الخداع: عندما يقول الرئيس "إنني فزت بنسبة 85 أو 99% في الانتخابات، لكنك تجد أينما ذهبتَ أن الجميع لا يوافقون عليه"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "يمكن أن يصلح ذلك عندما تكون لديك تنمية اقتصادية قوية، لكن إذا لم يكن لديك ذلك، ولا تمنح الناس حقوقاً سياسية ومدنية فأنت في الأساس لا تعطيهم سوى القمع، وهذا في النهاية لا يمكن أن يستمر".
ويبدو أن السودان يتبع النموذج المصري، على الأقل في الوقت الراهن، بعد الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير، في انقلاب عسكري، الأسبوع الماضي، في أعقاب احتجاجات متواصلة.
وكانت أعداد كبيرة قد تجمَّعت خارج مقر وزارة الدفاع، لتطلب من الجيش المساعدة في عزل البشير، بحسب رويترز.
وقال رئيس المجلس العسكري الجديد في السودان، عبدالفتاح البرهان عبدالرحمن، يوم السبت 13 أبريل/نيسان 2019، إنه سيتم تشكيل حكومة مدنية، بعد مشاورات مع المعارضة، ووعد بفترة انتقالية أقصاها عامان.
فيما تولى البرهان رئاسة المجلس العسكري، بعد استقالة وزير الدفاع عوض بن عوف، الذي أعلن وضع البشير رهن الإقامة الجبرية، من رئاسة المجلس، بعد يوم واحد، وذلك في مواجهة مطالب بالحكم المدني.
ضغوط شعبية كبيرة من أجل التغيير
رغم ذلك واصل المحتجون الضغط للمطالبة بالتغيير مثلما حدث في مصر عندما أدار البلاد المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع المخضرم، بعد سقوط مبارك.
ومن الشعارات الشائعة التي رفعها السودانيون "إما النصر أو مصر"، في إشارة إلى اعتراضهم على اتباع هذا السيناريو. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بإشارات إلى تطابق الاسم الأول للسيسي والبرهان، محذرة بهذه الطريقة الفكاهية من مصير مماثل.
وقال المعلق السوداني مجدي الجزولي: "أكبر خطأ كان الأمل أن يكون الجيش حليفاً. وأنا أتفهم المشاعر بخصوص الجيش لكن هذا سوء فهم لما هو الجيش وما يفعله".
وأضاف: "إذا استدعيت الجيش للتدخل لحل أزمة فهذا ما يمكنه أن يفعله ولا يمكنه أن يفعل أفضل من ذلك".
الجيش الجزائري له اليد الطولى في اختيار رئيس البلاد
أما قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح فقد انتهج نهجاً أخفّ من ذلك. فقد أعلن أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (82 عاماً) لم يعد قادراً على أداء مهام منصبه، وذلك عندما حاول الرئيس تمديد فترة رئاسته الرابعة، وأثار شبح طول أمد المظاهرات.
وفي غضون أيام أعلن البرلمان رئيساً مؤقتاً جديداً من صفوف النخبة الحاكمة، وأبدى الجيش تأييده لفترة انتقالية، وتحدَّد موعد الانتخابات العامة؛ ليوفر بذلك ما وصفه محللون بغطاء للجيش صاحب اليد الطولى منذ عهد بعيد في اختيار قادة البلاد.
وفي المستقبل يحتاج أي زعيم مدني في السودان أو الجزائر لتأييد الجيش، وهو وضع شائع في العالم العربي، وسيواجه في الوقت نفسه تحديات اقتصادية وسياسية هائلة.
وقد ازدادت حدة المشاكل التي أطلقت شرارة الاحتجاجات في الشرق الأوسط عام 2011. ورحل حكام مستبدون أطاحت بهم الانتفاضات لتحل محلهم قيادات، اتهمت بأنها أخفقت في إيجاد فرص العمل والقضاء على الفقر والفساد.
"ربيع عربي" أم احتجاجات "اجتماعية" على الاقتصاد؟
يعاني من البطالة أكثر من رُبع سكان الجزائر دون سن الثلاثين، مما جعل البطالة أحد أسباب الشكوى الرئيسية من جانب المحتجين الذين يريدون تحرير الاقتصاد وتنويعه لتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
وفي السودان تحولت الاضطرابات التي بدأت باحتجاج على أسعار الخبز وسوء الأوضاع المعيشية إلى احتجاج على نظام الحكم. وردد المحتجون الشعار الذي ردده المتظاهرون عام 2011: "الشعب يريد إسقاط النظام".
غير أن الشيخ علي، وهو مدير مبيعات يبلغ من العمر 29 عاماً، قال لرويترز، إن هذا ليس ربيعاً عربياً ثانياً؛ لأن الاحتجاجات الحالية تتركز على المصاعب الاقتصادية أكثر منها على السياسة.
وأضاف: "السودان والجزائر ليسا موجة ثانية. فهما يتعلقان بالجوع والوضع الاقتصادي المتردي وموجة من الشباب المظلوم الذي لم يحصل على حرياته الكاملة". وتابع: "ليس انتصاراً بأي حال من الأحوال. فالناس تريد أن ترى محاسبة كل من وصل بنا إلى هذه النقطة".
ويتفق مع هذا الرأي فواز جرجس، أستاذ سياسة الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد وصاحب كتابين صدرا مؤخراً عن الربيع العربي.
ويقول: "مصطلح الربيع العربي مضلل جداً؛ لأنه يوحي بأن كل شيء سيتفتح، وأن هناك طلقة سحرية لحل أزمة حادة تعتمل منذ عقود". وأضاف: "ما نتحدث عنه احتجاجات اجتماعية تمثل أعراضاً لنقاط ضعف اقتصادي وسياسي".
وفي الوقت الذي يطالب فيه الجزائريون والسودانيون بمزيد من الحرية وآفاق أفضل، فإن الاضطرابات في مواقع أخرى بالمنطقة توحي بأن آمالهم في مستقبل أفضل قد تخيب.
"الجيش الذي ذاق حلاوة السلطة من الصعب أن يتخلى عنها"
وقد اعتبرت تونس قصة نجاح بفضل تطورها الديمقراطي رغم أن الأزمة الاقتصادية كان لها أثرها السلبي على مستويات المعيشة.
غير أن مشاكلها تبدو بسيطة بالمقارنة مع دول عربية أخرى. ففي ليبيا يشن القائد العسكري خليفة حفتر، الذي يصفه منتقدوه بالقذافي الجديد، حرباً للسيطرة على البلاد التي سالت فيها دماء كثيرة منذ 2011.
وسقط مئات الآلاف قتلى في الحرب السورية. كما دفعت الحرب الدائرة في اليمن منذ أربع سنوات بالبلاد، وهي أصلاً من أفقر الدول العربية، إلى شفا المجاعة.
وفي السودان والجزائر تفتقر الديمقراطية لطريق واضح للأمام. يقول الصحفي التونسي المعروف زياد كريشان: "الجيش يريد الاستمرار في السيطرة سواء بغطاء مدني في الجزائر أو بطريقة مباشرة في السودان". وأضاف: "الجيش الذي ذاق حلاوة السلطة والامتيازات يرى نفسه الوحيد القادر على حماية هذه البلاد".