فازت حركة الاحتجاجات في السودان بسلسلة من الانتصارات الجديدة، ففرضت على الحكام العسكريين للبلاد تنازلات جديدة. والآن فإنَّ الآمال ترتفع في أنَّ البلاد قد تتجنب المزيد من العنف في أعقاب سقوط الرئيس عمر البشير الأسبوع الماضي.
وكانت هناك مواجهة، خلال الساعات الـ48 الماضية، بين قوات الأمن، بعد إلقاء القبض على البشير الخميس 11 أبريل/نيسان، ومنظمي هذه الاضطرابات التي قوّضت من قبضة الرئيس السلطوي السابق على السلطة.
ويوم السبت 13 أبريل/نيسان استقال صلاح قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني المكروه، بينما تولى الجنرال عبدالفتاح البرهان زمام المجلس العسكري الذي يحكم البلاد حالياً. وقد أثار تعيين وزير الدفاع السابق أحمد عوض بن عوف لهذا المنصب الأسبوع الماضي غضباً بين المتظاهرين والنشطاء المؤيدين للديمقراطية، وأُجبر عوف على الاستقالة يوم الجمعة 12 أبريل/نيسان.
وأثنى برهان، في خطاب للأمة، على "الثورة السلمية" والتضحيات التي قدمها الشعب السوداني، لا سيما النساء والشباب. ورفع العسكري البالغ من العمر 60 عاماً حظر التجوال الذي كان قد فُرِضَ يوم الخميس، وأمر بإطلاق سراح مئات المعتقلين السياسيين ووعد بإجراء حوار شامل مع الأطراف المعنية بهدف تشكيل حكومة مدنية مقبولة من الجميع.
تنازلات الجيش "علامة إيجابية"، ولكن
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه وبحسب مراقبين، فإن التنازلات التي قدمها الجيش تعتبر "علامة إيجابية"، لكنَّ هاتين الاستقالتين وخطاب البرهان، ربما لا تكون كافية لإرضاء النشطاء المؤيدين للديمقراطية الذين قالوا يوم السبت إنهم يعارضون أية محاولة "لإعادة تقديم نظام البشير" وأي قرارات من أي سلطة جديدة لا تلبي تطلعات الشعب السوداني إلى "الحرية والديمقراطية والسلام".
وقال "تجمع المهنيين السودانيين" الذي نظم معظم الاحتجاجات إنه يريد أن "تنقل السلطة إلى حكومة مدنية يشارك فيها الجيش لكن لا يحكم ولا يقود". ومع ذلك، فقد كان هناك ابتهاج كبير باستقالة قوش، الذي قاد حملة واسعة ضد المتظاهرين خلال الشهور الأخيرة، فقُتل العشرات وجرح المئات على يد جهاز الأمن والمخابرات الوطني والقوات شبه العسكرية المؤيدة للبشير، واعتقل الآلاف، وتعرض الكثير منهم للتعذيب.
وكانت الاحتجاجات قد اندلعت في الـ19 من شهر ديسمبر/كانون الأول في مدينة عطبرة شرقي السودان بعد قرار حكومي برفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. وتطورت هذه الاحتجاجات سريعاً إلى مظاهرات على مستوى البلاد ضد حكم البشير الممتد منذ 30 عاماً.
من هو الجنرال عبدالفتاح البرهان؟
تقول الصحيفة البريطانية إن عبدالفتاح البرهان "جندي قديم" ليس معروفاً عنه تورَّطه في جرائم حرب وليس مطلوباً من قبل المحاكم الدولية، وقد كان أيضاً واحداً من الجنرالات الذين ذهبوا لمقابلة المحتجين في المخيم القريب من مقر الجيش واستمعوا إلى آرائهم.
وقد لاقى تعيين البرهان ترحيباً "حذراً" من بعض مسؤولي أحزاب المعارضة السودانية. إذ قال أحدهم لصحيفة The Observer: "هو ليس جيداً، لكن ليس هناك من هو أفضل منه".
وقاد البرهان قوات في الحرب الأهلية الوحشية قبل حصول جنوب السودان على استقلاله عام 2011. وتقول وسائل الإعلام السودانية ومحللون إنَّ البرهان نسق إرسال قوات سودانية إلى اليمن عام 2011 لتكون جزءاً من التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وكان هذا النشر للجنود جزءاً من تحوّل كبير في السياسة الخارجية كسرت فيه الخرطوم روابطها المستمرة منذ عقود مع إيران وانضمت للتحالف الذي تقوده السعودية.
وقال ويلو بيريدج، مؤلف كتاب "Civil Uprisings in Modern Sudan" (الانتفاضات المدنية في السودان الحديث) والمحاضر في التاريخ بجامعة نيوكاسل إنَّ البرهان، بوصفه مسؤولاً عن ملف اليمن، عمل بشكل وثيق مع قوات التدخل السريع السودانية شبه العسكرية، وهي ميليشيا وحشية أنشأها البشير وأُلقي باللوم عليها في الكثير من أسوأ الانتهاكات التي ارتكبت في حكمه خلال السنوات الأخيرة. وقال بيريدج إنه "يبدو أنه وصل إلى السلطة الآن" بدعم من هذه المجموعة.
المحتجون لا يثقون بالجيش.. ويريدون التفاوض
وعيّن تجمع المهنيين السودانيين فريقاً من المفاوضين، على الرغم من أنه من غير الواضح في الوقت الحالي إذا ما كانت محادثات رسمية سوف تعقد بين المجلس الانتقالي وقادة حركة الاحتجاجات، أو أي شكل قد تتخذه هذه المحادثات. ويشمل الفريق طبيبَين ومحامياً وصحفياً. وثلاثة أشخاص على الأقل من هذا الفريق هم معتقلون لم يطلق سراحهم إلا مؤخراً بعد شهور في السجن.
ويؤكد تكوين الفريق على حشد المهنيين في حركة الاحتجاجات، وهو ما يعد اختلافاً كبيراً عن الاضطرابات السابقة، التي كانت تشتمل في الأغلب على طلاب ونشطاء صغار تركزوا في الأحياء الأكثر ثراءً في العاصمة الخرطوم.
وقال زاك فرتين، المحلل بمؤسسة بروكينغز البحثية ومؤلف كتاب جديد حول السودان وجنوب السودان: "هذه الأنماط من المظاهرات المعارضة للحكومة ليست جديدة، لكنَّ قطاعاً أوسع من المجتمع يشارك فيها هذه المرة، بما في ذلك طبقات المهنيين الذين كانوا لعقود إما مستبعدين إلى الخارج أو منضمين إلى النظام".
وقالت جيهان هنري، الخبيرة في شؤون السودان بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إنَّ الجولة الحالية من الاحتجاجات تعززت بـ "حشد أكبر على جميع المستويات".
ومن موقع الاحتجاجات في الخرطوم قال محمد عبدل الذي يعمل في أحد البنوك: "ينبغي أن يستمر الاعتصام حتى يواجه جميع قادة النظام والبشير محاكمة على الجرائم المرتكبة منذ عام 1989".
وقالت حنة محمد، وهي طبيبة اعتقلت وحكم عليها بالسجن لـ6 شهور بسبب التظاهر في وقت سابق من العام الحالي، إنها لا تثق بالجيش وإنَّ المتظاهرين سوف "يستمرون في الاعتصام هنا حتى تحقيق جميع مطالبنا".
ولاحظ بعض المراقبين الدور البارز للمرأة، على الرغم من أنَّ الكثيرين في السودان يشددون على أنَّ النساء كنَّ في طليعة الصراعات السياسية والاجتماعية منذ وقت طويل.
ومع ذلك، فقد أثار الانتشار الجغرافي للاحتجاجات إعجاب الكثيرين، فضلاً عن قدرة الحركة على اجتذاب جميع الطوائف العرقية والدينية الرئيسية تقريباً في السودان.
البشير يترك السودان في حالة يرثى لها
وقد ترك حكم البشير الطويل الاقتصاد السوداني في حالة يرثى لها، مع نقص في النقد وارتفاع في التضخم ومستويات عالية للغاية من البطالة. ويقول محللون إنَّ المقربين من النظام فحسب هم من نجوا من عواقب الانهيار الاقتصادي للبلاد، الذي تفاقم بسبب انفصال جنوب السودان الغنية بالنفط عام 2011 فضلاً عن سوء الإدارة والكسب غير المشروع الممنهجين.
وقد نحى الجيش عمر البشير (75 عاماً) بعد إلقاء القبض عليه، هو وحكومته بسبب الفساد وسوء الإدارة "وغياب للعدالة". ومع ذلك، فقد قال الجيش إنَّ الحاكم السابق لن يسلم إلى محكمة العدل الدولية، في لاهاي بهولندا، لأنَّ فعل ذلك سوف يكون "علامة قبيحة في تاريخ السودان"، وقال متحدث باسم الجيش إنَّ المحاكم السودانية هي من سوف تحاكم البشير، لكنه لم يحدد التهم التي قد يواجهها.
وقالت رابطة للأطباء السودانيين إنَّ 26 شخصاً لقوا حتفهم وجُرح أكثر من 150، منهم 15 في حالة حرجة، منذ بداية الاعتصام. خمسة من هؤلاء القتلى جنود قُتلوا بينما كانوا يحمون المتظاهرين أثناء هجمات نفذتها الميليشيات الموالية للبشير. وقال مسؤولو الشرطة إنَّ 16 شخصاً على الأقل قد قتلوا وجرح 20 برصاص طائش أثناء احتجاجات واعتصامات يومي الخميس والجمعة.