اعتبرت صحيفة The New York Times الأمريكية أن إطاحة الجيش السوداني بالبشير لابد وأن تعطي أملاً للسودانيين في نفس الوقت لتكون بداية لمحاسبة الرئيس الذي ظل في الحكم 30 عاماً وسقط في عهده آلاف القتلى في دارفور.
وقالت الصحيفة الأمريكية في مقالها الافتتاحي إنه في نهاية المطاف لم يكن القصف المروع للمدنيين في جبال النوبة أو الإبادة الجماعية في دارفور هي ما أنهت الحكم "الوحشي" للرئيس السوداني عمر حسن البشير. بل كان شيئاً أساسياً وشخصياً بدرجة أكبر، هو سعر الخبز والآمال في الحصول على حريةٍ أكبر.
فبعد أشهرٍ من الاحتجاجات الجماهيرية التي أشعلتها أسعار المواد الغذائية، انقلب الجيش أمس الخميس 11 أبريل/نيسان على الرجل الذي ظلَّ يُصدِر الأوامر لثلاثين عاماً. فاحتُجِز البشير الذي كان يوماً شخصية نافذة، وحُلَّت حكومته، وعُطِّل الدستور.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، ينبغي أن تكون تلك لحظة أملٍ لمواطني السودان الذين عانوا طويلاً، ولحظة حسابٍ للبشير ونخبته، الذين ارتكبوا الانتهاكات الواسعة وأداروا البلاد حتى أوصلوها للحضيض. وكما قال أحد المحتجين الشباب: "لا يسعنا الانتظار لبناء السودان الجديد الذي يسوده الحرية والعدالة والسلام".
تحقيق الديمقراطية أصعب من إزاحة الحكام
لكن كما اتضح في عددٍ لا يُحصى من البلدان في السنوات الأخيرة، فإنَّ إزاحة القادة السلطويين كبار السن شأنٌ، وإبدالهم بقادة أفضل وحكمٍ ديمقراطي هو كفاحٌ مختلفٌ تماماً وحتماً أصعب.
كانت إحدى الإشارات المُشجِّعة هي أنَّ الاحتجاجات ظلَّت سلمية ومثَّلت في الوقت نفسه تهديداً متنامياً لحكومة البشير. ومع أنَّ المتشددين داخل التحالف الحاكم بين الجنرالات وقادة الأمن والساسة أرادوا وفق بعض التقارير اللجوء للقمع، الذي قد يتحول دموياً، فضَّل قادة الجيش ضبط النفس. وفي هذه اللحظة الانتقالية الحساسة، لا يزال ضبط النفس من كافة الأطراف مطلوباً، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ومع ذلك، كان من المستحيل عدم الشعور بالقلق حين أعلن وزير الدفاع السوداني وعلى ما يبدو خليفة البشير، الفريق عوض محمد أحمد بن عوف، فترة انتقالية تمتد لعامين يتولَّى خلالها الجيش –الذي عزل الآن الرئيس الذي بناه واعتمد عليه- الحكم.
ومع أنَّ الجنرال تعهَّد بـ "تمثيل الشعب"، لا يعلم أحمد ما الذي يعنيه هذا ولا يوجد سبب يُذكَر للثقة بأنَّه سيجري تلبية مطلب المحتجين بتحقيق الديمقراطية. ويقول خبراء إنَّ الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنَّ الجيش والقوى الأمنية والميليشيات الأخرى ستدخل في منافسةٍ عدوانية من أجل الهيمنة.
صعوبة تسليم البشير إلى الجنائية الدولية
وبحسب الصحيفة الأمريكية، ينبغي تسليم البشير، الذي يُعَد أول زعيم في العالم يُدان من جانب المحكمة الجنائية الدولية بينما لا يزال في سدة الحكم، للمحاكمة بتهمتي الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور. ومن شأن هذا أن يُمثِّل إشارة محل ترحاب على أنَّ السودان يعتزم الامتثال لسيادة القانون.
لكن يبدو أنَّ هذا مستبعد، على الأقل في فترة تولّي الجنرال ابن عوف زمام الأمور. كان الرجل دبلوماسياً ومديراً للمخابرات العسكرية السودانية سابقاً، واتهمته الولايات المتحدة من قبل بالاضطلاع بدورٍ كبير في العنف والفظائع المُرتكَبة في دارفور، حيث قُتِل ما يُقدَّر عددهم بـ300 ألف شخص وشُرِّد ما يزيد عن مليونين آخرين أثناء عقدٍ من القتال بين الحكومة والمتمردين.
وقف الحرب في دارفور
ونصحت الصحيفة الأمريكية السودانيين قائلة: للتعافي من سوء حكم البشير ووضع البلاد واقتصادها المُدمَّر في مسارٍ أفضل، سيتعين على النخبة ومجموعات المعارضة في السودان أن تجد سبلاً لإنهاء الحرب في دارفور وجبال النوبة ووضع إطار حكمٍ ديمقراطي جديد. وسيكون دعم البلدان الإفريقية الأخرى والولايات المتحدة، التي ساعدت في إنهاء الحرب بين شمال وجنوب السودان عام 2005، ضرورياً بهذا الصدد.
لا يزال هناك قرابة 24 زعيماً سلطوياً في الحكم حول العالم. ويُعَد مصير البشير تذكرةً بأنَّ المستبدين يبدون أقوياء ومُترسِّحين، إلى اللحظة التي لا يكونون فيها كذلك. احذروا سعر الخبز.