اعتبر موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان، الخميس 11 أبريل/نيسان 2019، وتسبَّب في الإطاحة بالرئيس عمر البشير، سيمكِّن رفقاء الرئيس السابق من السيطرة على البلاد.
ويقول الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال للموقع البريطاني، إن انقلاب الخميس في السودان ربما كان شاهداً على الإطاحة برئيس غير محبوب، لكن القريبين من عمر البشير عازمون على البقاء في السلطة.
ولأول مرة منذ 30 عاماً تقريباً، ليس البشير هو الرئيس الذي يحكم السودان.
ولكن عندما استمع السودانيون إلى الفريق عوض بن عوف وهو يعلن عن مجلس انتقالي عسكري، كانوا يسمعون صوت البشير في نبرة صوته، بحسب الموقع البريطاني.
ويعتبر الفريق بن عوف ضابطاً عسكرياً متدرجاً خرج من نفس العباءة التي خرج منها البشير. فقد كان رئيس الاستخبارات العسكرية خلال الصراع والفظاعات التي شهدتها منطقة دارفور، والتي بسببها وضعته الولايات المتحدة على قائمة جزاءات مالية محددة الأهداف.
كان بن عوف وزير الدفاع، وبعد أن أعلن الرئيس البشير حالة الطوارئ في البلاد في 22 فبراير/شباط، ترقى الفريق بن عوف كذلك ليشغل منصب نائب الرئيس، مع استنتاج أنه سيحل محل البشير في منصب الرئيس عندما تنتهي ولايته الرئاسية بموجب الدستور في أبريل/نيسان 2020، بحسب الموقع البريطاني.
السبب في الإطاحة بالبشير هو الاحتجاجات السلمية التي استمرت لخمسة أيام متواصلة، وعشرات الآلاف من الأشخاص المحاطين بمقار الجيش، الذين طالبوا بتنحِّي الرئيس.
مساومة القادة
لكن ما حدث بعد ذلك حددته مساومات شاقة داخل هذه البنايات بين الأقلية العسكرية القابعة أسفل الرئيس في التسلسل الهرمي الأمني.
وسادت حالة صمت طويلة، الخميس، من جانب مقارّ الجيش، بينما كان الفريق بن عوف وكبار القادة في القوات المسلحة السودانية وشخصيات أمنية بارزة مثل الفريق صلاح عبدالله غوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني، يتفقون حول الإدارة السياسية التي ستعقب الإطاحة بالبشير.
لمحة عن عمر البشير
– حارب في صفوف الجيش المصري خلال حرب 1973.
– استولى على السلطة في السودان عام 1989 في انقلاب عسكري مدعوم من الجبهة الإسلامية القومية.
– منح زعيم القاعدة أسامة بن لادن حق اللجوء في التسعينيات.
– أول رئيس دولة تُدينه المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أنكر اتهامات ارتكاب جرائم حرب في دارفور.
– تصالح مع متمردي جنوب السودان في 2005.
– أشرف على انفصال الجنوب في 2011، مما أدى إلى خسارة السودان ثلاثة أرباع ثروتها النفطية.
– أطاح به الجيش في أبريل/نيسان 2019.
– لا يُعرف الكثير عن حياته الشخصية، وليس لديه أبناء.
عندما خاطب الفريق بن عوف الأمة أخيراً، أعلن في بيانه عن سقوط عمر البشير، وتعطيل العمل بالدستور، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد لمدة عامين، وإقرار حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر. لكنه لم يدعُ ممثلي المعارضة للمشاركة في الحكومة، بل إنه في الواقع لم يعرض إمكانية الحديث إليهم.
ولم يُعلن عن تفاصيل الاتفاق الذي عُقد بين العصبة الأمنية. غير أن خطوطه العريضة تبدو واضحة.
تجنّب إراقة الدماء في الشوارع
وبحسب الموقع البريطاني، بادئ ذي بدء، يريد الجيش وجهاز الأمن والمخابرات وقادة المجموعات شبه العسكرية (مثل قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان "حميدتي") أن يتشاركوا السلطة فيما بينهم.
ويريدون تجنّب تكرار الاشتباكات التي حدثت في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما أطلقت وحدات الجيش النار على رجال جهاز الأمن والمخابرات المسلحين الذين كانوا يحاولون تفريق حشود المحتجين بالقوة، فضلاً عن تجنّب أي حرب طاحنة في شوارع العاصمة.
الأمر الثاني أن هذه المجموعة متوافقة مع مصر والسعودية والإمارات. وفي الوقت نفسه، لن تحقق قطر وتركيا استفادة منهم، بحسب الموقع البريطاني.
حلَّت القيادة الجديدة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأشارت تقارير إلى اعتقال كثير من قادة الإخوان المسلمين.
وينشغل هؤلاء بإخبار دول الغرب بأن الإسلاميين خططوا لانقلاب كان على الجيش اتخاذ خطوة استباقية تجاهه من خلال الاستحواذ على مقاليد الحكم، وأن المحتجين الذين يطالبون بالديمقراطية هم أيضاً من الإخوان المسلمين لكنهم متنكرون. ليست هذه قصة مقنعة جداً، غير أنها تشير إلى توترات مستقبلية؛ لأن الإسلاميين لا يزالون يتمتعون بتأييد قوي في السودان.
وثالثاً أن قادة الانقلاب سوف يحمون الرئيس المعزول، حتى في الوقت الذي سوف يلقون فيه باللائمة علناً عليه في المشاكل التي تواجهها البلاد.
البشير في مأمن!
أشار الإعلان الرسمي الذي تحدث عنه إلى أنه في "مكان آمِن". فلن يسلمه هؤلاء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته في جرائم تتعلق بالصراع في دارفور. يُعزى جزء من هذا إلى أن مسؤوليتهم لا تقل عن مسؤولية البشير فيما يتعلق بالفظائع المرتكبة في دارفور ومناطق أخرى.
ويرجع أيضاً إلى معرفتهم بأن أهم المكتسبات التي كان يتمتع بها شهرته بولائه إلى هيئات الضباط، ويأمل هؤلاء بأن بعضاً من ذلك التراث سوف ينتقل إليهم. يصعب الحفاظ على الائتلاف الأمني الحالي سليماً إذا بدأ الخوف ينتاب أياً منهم باحتمالية تسليمه إلى قوى أجنبية أو محاكم خارجية.
والأمر الرابع أنهم لم يقرروا كيفية التعامل مع التحدي الذي يشكله المتظاهرون، الذين لا يزالون محتشدين في الشوارع.
لا يمكن أن يكون بن عوف وأعوانه سذجاً ليفترضوا أن مناورتهم سوف تنطلي على المعارضة. بل إنهم بدلاً من ذلك يحاولون كسب الوقت كي يقرروا ما إذا كانوا سيلجأون إلى مسار القمع، أم الخيار المشترك، أم الأرجح إلى مزيج من كلا الخيارين، بحسب الموقع البريطاني.
اتخذت السودان خطوة إلى الوراء مبتعدةً عن حافة هاوية إراقة الدماء في شوارع العاصمة، لكنها خطوة واحدة فقط. إذا اتضح أن انقلاب 11 أبريل/نيسان يشكل خطوة نحو الديمقراطية، فسيكون ذلك رغماً عن إرادة القائمين بالانقلاب، وليس بسببهم.