لم يمضِ يوم على الانقلاب العسكري في السودان حتى دبَّت الخلافات بين الأطراف التي أطاحت بالبشير بسببٍ على ما يبدو تقسيم السلطات بين الأركان التي قادت عملية التغيير، وهي قوات الدعم السريع والمخابرات والجيش.
إذ حدث تطور جديد ومهم قد يكون له تأثير كبير خلال الساعات القادمة، إذ أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، انسحابه من المجلس العسكري الذي سيدير البلاد..
حميدتي نشر مخاوفه وتطلعاته فجر الجمعة 12 أبريل/نيسان 2019 على الصفحة الرسمية لقوات الدعم السريع على فيسبوك، التي أشار فيها إلى الرفض الشعبي لعوض بن عوف رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
اعتذر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو عن المشاركة في المجلس العسكري الانتقالي، الجمعة 12 أبريل/نيسان 2019، الذي أعلن توليه حكم السودان في فترة انتقالية لعامين وعزل الرئيس عمر البشير.
سيظل جزءاً من القوات المسلحة
أعلن دقلو انسحابه في بيان نُشر على الصفحة الرسمية لقوات الدعم السريع على فيسبوك ونقلته وكالة أنباء الأناضول.
إذ قال إن البلاد "تمر بمرحلة دقيقة تاريخية وصعبة تحتاج منا لعمل مشترك تحت مظلة القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى كجهة قومية".
وتابع: "أود أن أعلن لعامة الشعب السوداني بأني كقائد لقوات الدعم السريع اعتذرت عن المشاركة في المجلس العسكري منذ يوم 2019/4/11".
امتعاض قوات الدعم السريع
وقال البيان إن قوات الدعم السريع ترفض "أي حلول لا تُرضي الشعب"، في تعليق على بيان وزير الدفاع عوض بن عوف، الخميس، الذي عزل فيه الرئيس عمر حسن البشير.
ودعت القوات ما سمَّتهم بـ "قادة الانتفاضة" إلى "فتح باب الحوار والتفاوض".
وبالعودة إلى اللجنة الأمنية التي شكَّلها البشير نفسه والتي تضم إلى جانب وزير الدفاع، مدير الأمن والمخابرات، وقائد الدعم السريع، ومدير الشرطة، فإن إعلان الإطاحة بالبشير يضع حميدتي في مواجهة مبكرة مع حلفائه في اللجنة الأمنية بقيادة عوض بن عوف رئيس المجلس الانتقالي، ومدير المخابرات صلاح قوش وثلاثتهم أضلاع عملية تسلُّم السلطة أمس الخميس.
وبذلك أرسل حميدتي عدة إشارات لحلفائه في السلطة الجديدة، أولاها أن تولّي بن عوف لم يرضِ الشعب السوداني، وهو لن يقف مع حلّ لا يرضي تطلعات الشعب.
خلاف يخدم المتظاهرين
وحسب مراقبين فإن ذلك يوضح أيضاً أن قيادات "الجيش والأمن والدعم السريع" أضلاع المثلث الذي تسلّم السلطة ليسوا على اتفاق كامل، وهو مؤشر يخدم حراك الشارع، وفق مراقبين.
ودليل عجزهم حتى الآن، هو عدم الإعلان عن تشكيلة المجلس العسكري الانتقالي، وهي سابقة في تاريخ من يتسلّم السلطة بانقلاب، حيث إن الانقلاب يكون معداً ومرتباً بكامل عضوية المجلس والمشارك فيها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، عدا تعيين رئيس المجلس ونائبه.
وعزا التأخير لمزيد من التشاور، وهو تبرير يبدو غير منطقي، ويشير إلى حدة الصراع داخل حلفاء السلطة الجدد.
آخرون يتخوفون من أن يكون هذا الاختلاف هو نقطة لتحول الصراع إلى مواجهة بين قوات الجيش بقيادة بن عوف ونائبه كمال عبد المعروف وجهاز الأمن المخابرات، وذلك بالتأكيد سيريق كثيراً من دماء السودانيين.
فاتفاق أعضاء اللجنة الأمنية على عزل البشير كان بالإجماع، لكن ما تلا ذلك ليس متفقاً عليه بدليل خروج حميدتي، ومطالبته بحلول تُرضي الشعب، والشاهد أن الشعب لا يرضيه أن يكون " بن عوف" قائداً للبلاد في المرحلة القادمة.
استمرار التظاهرات
واستدلالاً بالتظاهرات التي ما زالت مستمرة والتي لم تقُل بل زادات وعمَّت مدناً كثيرة، وسقوط 13 قتيلاً كمحصلة طيلة الخميس.
كما أن المعتصمين أمام مقر القيادة في تزايد مطرد، استمراراً لرفضهم وجود عسكري على قمة السلطة كسابقه المخلوع البشير.
واللافت في تصريح حميدتي أنه بدأ بالشعب وهو ما لم يفعله بن عوف في بيانه الأول، أمس الخميس، فقائد المجلس العسكري الانتقالي لم يشِر إلى مطالب المعتصمين على بُعد أمتار من مكتبه أمام مقر القيادة لحوالي أسبوع.
كما خاطب قائد الدعم السريع المحتجين، قادة الانتفاضة (قيادة تجمع المهنيين، رؤساء الأحزاب، قادة الشباب)، طالباً فتح باب الحوار والتفاوض للوصول إلى حلول ترضي الشعب السوداني، وتجنيب البلاد من الانزلاق والفوضى.
وهو تأكيد على موقفه أنه مع خيار الشعب وليس المجلس العسكري الذي سيكون هو عضواً فيه بالتأكيد بوصفه "قائد قوات الدعم السريع".
وطلب الحوار هذا لم يتطرق إليه رئيس المجلس العسكري، رغم إقراره بالأزمة وأنه تولى القيادة لإخراج البلاد من أزماتها بعد فشل البشير في ذلك.
كما أن حميدتي غازل الرافضين في الجيش لتولّي بن عوف أو ما يطلق عليهم "شرفاء الجيش"، وهي مجموعة من الضباط من وحدات مختلفة اصطفت إلى جانب المعتصمين والمحتجين في عدد من المواقع عندما تعرضوا لرصاص القوات الأمنية، ما يجعل التنسيق بينهم ممكناً لوضع حد لمغامرة بن عوف وحلفائه في السلطة.