رحل البشير، لكن لحظات الودّ بين المحتجين والعسكر لن تدوم طويلاً، فالسيناريو المصري يلاحقهم

تم النشر: 2019/04/11 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/11 الساعة 16:17 بتوقيت غرينتش
محتجون سودانيون أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم/ رويترز

لم يلبث الجنرال عوض بن عوف، وزير الدفاع السوداني، بإعلانه الخميس 11 أبريل/نيسان 2019، عن عزل الرئيس السوداني عمر البشير والتحفظ عليه، مقابل وضع البلاد في فترة انتقالية تحت حكم المجلس العسكري، حتى سارعت قوى المعارضة الممثلة للاحتجاجات في البلاد ببيان ترفض فيه خطوة الجيش بشكل كامل، داعية السودانيين إلى البقاء في الشوارع والميادين حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية.

وبُعيد خطاب بن عوف، كان ناشطون معتصمون يرددون هتافات تدعو لإسقاطه، ردأ على البيان الذي تلاه عبر التلفزيون الرسمي، وفق شهود عيان. فيما كان البعض الآخر من المتظاهرين يحيون الجيش ويحتفلون في الشوارع بتنحية البشير الذي حكم البلاد بقوة لنحو 30 عاماً. فما الذي سيحدث الآن، وما السيناريوهات القادمة التي ينتظرها السودانيون بعد هذا اليوم الطويل؟

المؤسسة العسكرية تعود لتحكم.. هل أدرك الشارع ذلك؟

يقول الباحث والمحلل السياسي السوداني عباس صالح لـ "عربي بوست"، إن خطوة الجيش اليوم هي عبارة عن إعادة لأدوار المؤسسة العسكرية، وما حدث هو نمط جديد من الانقلابات العسكرية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، بتنا نرى فيها أدواراً غير تقليدية للانقلابات العسكرية، إذ إن مؤسسة الجيش قامت بالإطاحة بقائدها لاتقاء شر الموجة الثورية المندلعة، ومحاولة إعادة موضعة مكانة المؤسسة نفسها في البلاد، بحسب تعبيره.

معتصمون سودانيون يجلسون أمام مقر القيادة العامة للجيش بعد إعلان تنحية البشير/ رويترز
معتصمون سودانيون يجلسون أمام مقر القيادة العامة للجيش بعد إعلان تنحية البشير/ رويترز

واعتبر صالح، أن ما جرى هو نوع متطور من الانقلابات العسكرية، بحيث لا يتم الإطاحة بالنظام بشكل كامل، ولكن يتم تجديد النظام ليتكيف مع التصورات والمعطيات الجديدة في المرحلة المقبلة.

وأضاف الكاتب السوداني، أن حالة من "سوء الإدراك" تعرضت لها القوى التي تتزعم الحراك الاحتجاجي كتجمع الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين، وذلك عندما أعلنت في مشروعها السياسي في البداية، قبولها بمساعدة الجيش في تنحية البشير، على شرط أن تسلم المؤسسة العسكرية السلطة للقيادات المدنية.

وقال صالح: "هذه القوى لم تدرك تماماً دور ووظيفة وحقيقة المؤسسة العسكرية، لا يمكن للمؤسسات العسكرية في البلدان العربية أن تخضع للإرادة المدنية بسهولة، وبالتالي سيظل الجيش هو الوصي على الحالة السياسية في البلاد، ولن يتراجع عن ذلك ويعطي السلطة على طبق من ذهب للمدنيين".

"محاولة لسرقة الثورة"

وعقب إعلان بن عوف عزل البشير، وبدء فترة انتقالية لعامين، وجّه تجمع المهنيين السودانيين، نداء إلى ضباط الجيش، دعاهم فيه إلى التصدي لـ "محاولة سرقة الثورة من قبل سدنة النظام".

وقال التجمع في بيانه مساء الخميس: "نوجه نداء إلى جميع ضباط وضباط صف وجنود الجيش السوداني الشرفاء، الذين انحازوا إلى الشعب ودافعوا عن المعتصمين، إلى الوقوف مع الشعب ضد محاولة سرقة الثورة من قبل سدنة النظام لإعادة إنتاج ذات حواضن الفساد والقهر والظلم".

السودانيون في الشارع بعد تنحية البشير/ رويترز
السودانيون في الشارع بعد تنحية البشير/ رويترز

وأضاف: "إننا في قوى إعلان الحرية والتغيير نرفض ما ورد في بيان إنقلابيي النظام، وندعو شعبنا للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم وفي بقية الأقاليم". واختتم التجمع بالقول: "هذا هو القول الفصل، وموعدنا الشوارع التي لا تخون".

وأكد البيان ثقة الشعب في "وقوف ضباط الجيش صفاً واحداً من أجل الوطن، ومن أجل أن يعود الجيش المُختطف إلى وضعه الطبيعي والرائد".

مرحلة القطيعة قادمة بين الجيش والشارع

في السياق، يتوقع عباس صالح، أن تكون في المرحلة المقبلة حالة من "القطيعة الكاملة" بين الجيش والشارع، بحيث ستنتهي حالة التودد التي سادت بين الطرفين في فترة الاحتجاجات.

محتجون يحيون أفرادً من الجيش السوداني في الخرطوم خلال الاحتجاجات على البشير/ رويترز
محتجون يحيون أفرادً من الجيش السوداني في الخرطوم خلال الاحتجاجات على البشير/ رويترز

وأضاف قائلاً لـ "عربي بوست": "البعض كان يعول على دور أكبر للجيش بالوقوف إلى جانب المحتجين بشكل كامل وتسليم السلطة للمدنيين، بعد تطهير البلاد من أشكال النظام السابق". مضيفاً: "لكن سيكون هناك توتر كبير في الشارع السوداني خلال الأيام القادمة، وستظهر العداوة بين المحتجين والجيش، وسيكشف الأخير عن الوجه الآخر له".

إجراءات الجيش تستهدف الحركة الاحتجاجية

في السياق، قال صالح إن قرار المجلس العسكري بإعلان حظر التجول وحالة الطوارئ لمدة 3 أشهر هو استهداف واضح للمحتجين، وأن المراد من هذه الإجراءات هو دفن الاحتجاجات حتى يستقر للجيش الأمر.

ليس هذا فحسب، إذ يعتقد صالح أن قدرة الحركة الاحتجاجية على مواجهة المؤسسة العسكرية ستضعف، وسيكون هناك نوع من الاستغلال لبعض الأطراف في المعارضة، وربما تظهر حالة من الانقسام بين القوى السياسية والمحتجين أنفسهم.

الفريق أول عوض بن عوف/ رويترز
الفريق أول عوض بن عوف/ رويترز

في النهاية، أشار صالح إلى أن الأمر سيتوقف الآن على مدى انفتاح المجلس العسكري للحوار مع المحتجين، الممثلين بتجمع المهنيين وغيره من القوى، فإلى أي مدى سيقدم الجيش للطرف الآخر ما يحتاجه، ومن سيعطي الشرعية للآخر، هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.

حذر وخوف من تكرار السيناريو المصري في السودان

من جانبه، قال الناشط السوداني عمر الكناني لعربي بوست، إن هناك "حالة من الترقب الحذر في صفوف المتظاهرين، بعد إعلان الجيش اليوم تنحية عمر البشير، بالرغم من أن المحتجين اليوم لم يخفوا فرحتهم بهذه الخطوة".

تجمع المهنيين دعا المواطنين للاستمرار بالاحتجاجات في الشارع/ رويترز
تجمع المهنيين دعا المواطنين للاستمرار بالاحتجاجات في الشارع/ رويترز

وأضاف الكناني الذي يشارك في اعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم: "لم يكن تحرك الجيش وفق تطلعات المحتجين كاملةً"، مشيراً إلى أن "كثيراً من المحتجين يعتبرون أن جزءاً صغيراً من الأزمة قد تم حله فقط، وأن المشوار طويل حتى تحقيق جميع المطالب المشروعة".

ولم يخفِ الناشط السوداني، في الوقت نفسه، وجود حالة من الخوف بين المحتجين، من سيطرة الجنرال بن عوف على زمام الأمور في البلاد، إذ إنه يمثل النظام السابق، وربما سيعمل على الالتفاف على مطالب الثوار. مضيفاً: "هناك خوف يتولد من أن المشهد في مصر عام 2013، سيتكرر في السودان اليوم على يد الجيش".

"الضمان الحقيقي للشعب هو استمرار الاحتجاجات"

إلى ذلك، يرى الناشط مصعب أحرار، أن خطوة الجيش عقّدت المشهد بشكل كبير، وأن البيان حمل نوعاً من الغموض، بالرغم من إعلانه عن تنحية نظام البشير في الظاهر.

وأضاف أحرار لـ "عربي بوست"، أنه لا يوجد ضمان حقيقي لتنفيذ مطالب الثورة بكاملها إلا استمرار الحراك في الشارع، مضيفاً: "لن يرضى السودانيون بوزير الدفاع بن عوف، لأنهم يرون فيه وجه النظام السابق، الناس ملت هذه الوجوه".

المتظاهرون في السودان يأكدون استمرارهم في الاحتجاجات بالرغم من إعلان المجلس العسكري/ رويترز
المتظاهرون في السودان يأكدون استمرارهم في الاحتجاجات بالرغم من إعلان المجلس العسكري/ رويترز

من جانبها، أكدت عدة أحزاب سودانية في بيان مشتركٍ صادرٍ عن التجمع وتحالفات أحزاب "نداء السودان" و "الإجماع الوطني" و "التجمع الاتحادي الديمقراطي" نشر مساء الخميس، أنه "لا يمكن حل الأزمة من خلال انقلاب عسكري".

وأضافت الأحزاب أن "حكم عمر البشير جاء بانقلاب عام 1989، وهو سبب الأزمة المزمنة للسياسة السودانية"، مشيرة أنه "لا حلَّ للأزمة سوى بتسليم السلطة لحكومة مدنية، يتم التوافق عليها وفق ميثاق إعلان الحرية والتغيير".

فيما قالت نائبة رئيس حزب الأمة السوداني المعارض، مريم الصادق المهدي، إن النظام "نفذ انقلابا عسكريا". وأضافت المهدي في تصريحات لفضائية "الجزيرة"، أن ما قاله وزير الدفاع، بن عوف، يعبر عن توازنات داخل النظام".

وتابعت بالقول: "اللجنة الأمنية التي يترأسها بن عوف، قامت بعملية تزييف بواسطة أجهزة أمنية". فيما دعت المهدي، الشعب إلى استمرار التظاهر حتى تحقيق المطالب.


تحميل المزيد