وقالت الصحيفة البريطانية، إن البشير استعمل كل خدعة في كتيب الديكتاتوريين في معركته للتشبث بالسلطة، قبل أن ينقلب عليه جيشه بعد 30 عاماً من حكمه.
حذَّرت صحيفة Financial Times البريطانية، بعضَ الأنظمة العربية من سقوط أنظمتهم عقب الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، ونظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في أقل من شهر، معتبرة أن الأنظمة التي ستستمر في نهجها من القمع والاستبداد والفقر ستصل لنفس النتيجة.
خلال أشهر من المظاهرات، فرض الرئيس السوداني حالة الطوارئ، وعيَّن مسؤولين أمنيين لإدارة ولايات البلاد، ووعد بالحوار الوطني، ونشر قوات لإطلاق النار وضرب المحتجين الذين طالبوا بإنهاء حكمه الذي دام 30 عاماً.
لكنَّ الشعب السوداني استمرَّ في النزول إلى الشوارع بأعدادٍ هائلة، متخلياً عن مخاوفه من النظام الاستبدادي، لينفّس عن غضبه لسنوات من الحكم القمعي والمصاعب الاقتصادية. ويوم الخميس 11 أبريل/نيسان 2019، أصبح البشير ثاني زعيم عربي هذا الشهر يُجبر على ترك منصبه. قبل تسعة أيام، تدخل الجيش الجزائري لإنهاء حكم عبدالعزيز بوتفليقة الذي دام 20 عاماً.
السودان مختلف عن الجزائر
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الحالتين مختلفتان. لسبب ما، للسودان قدم في العالم العربي وأخرى في إفريقيا جنوب الصحراء، يتحدث أهل السودان اللغة العربية، ويمكن للأغنياء الوصول إلى محطات التلفزة العربية؛ لكن لدى السودان روابط تجارية واسعة مع شرق إفريقيا، كانت أراضيه تمتد لتشمل الغابات والسافانا في قلب القارة قبل انفصال جنوب السودان. من ناحية أخرى، كان العامل المساعد في الانتفاضة الشعبية في الجزائر هو القرار المتهور للنظام بمحاولة فرض بوتفليقة على شعبه لفترة ولاية خامسة، على الرغم من أن بوتفليقة المريض البالغ من العمر 82 عاماً لم يتكلم على الملأ لمدة ست سنوات. وكانت الاحتجاجات في تلك الدولة الواقعة في شمال إفريقيا سلمية بشكل ساحق.
ولكن هناك موضوعات مشتركة تلقى صدى في جميع أنحاء العالم العربي، وينبغي أن تكون بمثابة تحذير لقادة المنطقة أثناء تقييمهم لهذين الحدثين المهمين. في قلب الاحتجاجات، هناك شعور عميق بالإحباط لدى السكان الشباب في منطقة قمعية تعاني من تفشي البطالة.
الربيع العربي لم يفشل
وبحسب المجلة البريطانية، كان هذا الغضب هو الذي أثار الانتفاضات الشعبية التي هزت المنطقة في عام 2011. ورأى الكثيرون أن الربيع العربي المزعوم قد فشل. فقد اندلعت الصراعات في ليبيا وسوريا واليمن، التي لا تزال تلحق البؤس بملايين الناس اليوم، في حين كان رد فعل العديد من الحكومات العربية هو أن تصبح أكثر قمعاً في سعيها إلى قمع حتى النسمة القليلة من المعارضة.
استخدم القادة أمثلة ليبيا وسوريا لإذكاء الخوف لدى شعبهم والتحذير من مغبة الاحتجاجات الجماهيرية، لكن السودان والجزائر قد أظهرتا أنه ليس في كل الأحوال يمكن ترويع السكان الغاضبين.
جدير بالذكر أن الخبراء يحذرون منذ سنوات من أن الأسباب الجذرية لثورات 2011 لم تُعالَج. بدلاً من ذلك، يُغطَّى الوعاء الذي يغلي بوعاءٍ غير مستقر.
لسنوات، اعتمد المستبدون العرب على "عقود اجتماعية" للحفاظ على الاستقرار باستخدام عوائد الدولة من البترودولارات، لخلق نوع من الحرية السياسية المحدودة، لكن مع معاناة الحكومات من ثقل الديون المتزايدة، وتزايد العجز والتضخم، وشريحة الشباب التي تشكل أغلبية السكان، أصبحت هذه العقود ضعيفة، بحسب المجلة البريطانية.
تجدر الإشارة إلى أن دعم الغذاء والطاقة والوقود قد خُفِّضَ في جميع أنحاء المنطقة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بالتزامن مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب. ويوجد في العالم العربي أعلى معدل لبطالة الشباب في العالم، حيث هناك حوالي 30% من العاطلين في الفئة التي تتراوح أعمارها بين 15 و24 عاماً.
والنتيجة هي أن الأسر مُطالَبةٌ بتقديم تضحيات أكبر مع الحد الأدنى من الحريات السياسية. وهناك جيل أكثر تعلماً وأكثر استنارة من الشباب العربي، مسلح بالهواتف الذكية ومليء بالطموح، شغوف لرؤية أنظمة أكثر إنصافاً وآفاق اقتصادية أفضل.
الإصلاح السياسي والاقتصادي وإلا..
إنها بيئة متقلبة أدت إلى احتجاجات متفاوتة في الأردن والمغرب ومصر وتونس في السنوات الأخيرة، حيث يتفاقم شعور الناس بالظلم من خلال تهميشهم السياسي من قبل الأنظمة الفاسدة، بسبب تدابير التقشف.
وبالتأكيد سوف تزيد الضغوط الاجتماعية فقط، حيث يتوقع البنك الدولي أنه في حالة استمرار الاتجاهات الديموغرافية الحالية، سيحتاج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى توفير أكثر من 300 مليون وظيفة بحلول عام 2050. ويحذر البنك الدولي أنه لمجرد مواكبة التزايد السكاني في المنطقة، تحتاج المنطقة إلى "التوفير الفوري" لأكثر من 10 ملايين وظيفة، بحسب الصحيفة البريطانية.
لا شك أن الحكومات ليس لديها خيار سوى الدفع بإصلاحات اقتصادية متأخرة، لأن نماذجها التقليدية أصبحت غير مستدامة على نحو متزايد، لكن من دون إصلاحات سياسية وخلق فرص عمل كبيرة، هناك خطر حقيقي من قيام الحكومات ببذر بذور الربيع العربي المقبل.
الاختبار الفوري سيكون كيفية سير الجيشين في السودان والجزائر، إذا فشلا حقاً في تلبية مطالب شعبيهما والسعي فقط للحفاظ على الأنظمة الخاسئة، فإنهما سيخزِّنان فقط المزيد من المشاكل للمستقبل.