مع تواصل اعتصام آلاف المتظاهرين السودانيين لليوم الثالث على التوالي أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، وفشل قوات الأمن صباح الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2019 للمرة الثالثة في فض الاعتصام بالقوة وتردد الأنباء عن سقوط ضحايا، ارتفعت فجأة احتمالات نجاح المظاهرات في هدفها الرئيسي وهو إبعاد الرئيس عمر البشير عن السلطة التي تولاها في انقلاب عسكري منذ ثلاثة عقود.
متى؟ ولماذا بدأت المظاهرات؟
انطلقت المظاهرات في ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما رفعت حكومة البشير أسعار الوقود والخبز في محاولة لوقف انهيار الاقتصاد بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة منذ سنوات، وبسبب فقدان عائدات النفط بعد انفصال الجنوب (بحسب الحكومة)، وبسبب الفساد المستشري (بحسب المعارضين).
السبب وراء المظاهرات بدأ اقتصادياً وكانت الاحتجاجات قليلة العدد في البداية، لكنها سرعان ما انتشرت في أنحاء الخرطوم والولايات الأخرى وجذبت أعداداً أكبر.
ماذا كانت المطالب في البداية؟
في البداية انصبت المطالب على إلغاء الزيادات في الأسعار وكبح جماح الغلاء، لكنها سرعان ما تبلورت في المطالبة برحيل البشير ونظام حكمه بعد ثلاثة عقود.
وبات واضحاً تأثر الحراك السوداني بالحالة الجزائرية والاحتجاجات الواسعة هناك ضد ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه لفترة رئاسية خامسة، مما جعل البعض يرى الاحتجاجات في البلدين كموجة جديدة من الحراك الشعبي الذي اجتاح المنطقة أواخر 2010 وبدايات 2011 فيما عرف إعلامياً بالربيع العربي.
من هم المحتجون؟
يشارك في المظاهرات مختلف أطياف الشعب السوداني المتأثرين بالظروف الاقتصادية الخانقة وانسداد الأفق السياسي في ظل حكم البشير، ثم تولى اتحاد المهنيين السودانيين مسألة تنظيم التظاهرات، وهذا الاتحاد عبارة عن تجمع نقابي للأطباء وعمال قطاع الصحة والمحامين.
النقطة اللافتة هي أن نسبة النساء من جميع الأعمار والخلفيات الاجتماعية بين المتظاهرين وصلت في أعلى التقديرات لـ70%، بحسب تقرير لـ "بي بي سي".
كيف تطورت الاحتجاجات؟
مع انطلاق الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول تصدت قوات الأمن السودانية بعنف للمتظاهرين وشهدت البلاد حملة اعتقالات واسعة، لكن ذلك لم يؤدِّ للقضاء على التحرك الذي أخذ في الانتشار. وطبقاً لتقرير لـ "هيومان رايتس ووتش" قتل 50 شخصاً في الاحتجاجات حتى الإثنين 8 أبريل/نيسان.
كيف كان رد البشير نفسه؟
مع تواصل الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وانتشارها وزيادة أعداد المشاركين فيها وفشل قوات الأمن في التصدي لها، بدا كما لو أن البشير سيتخلى عن السلطة في فبراير/شباط، لكنه بدلاً من ذلك أعلن التحدي وفرض حالة الطوارئ في البلاد بعد أن قام بعزل بعض المسؤولين.
البشير قال إن المحتجين لديهم مطالب مشروعة، ولكنه لن يتخلى عن السلطة إلا من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل/نيسان 2020، معلناً أنه لن يترشح فيها.
لماذا الاعتصام أمام قيادة الجيش؟
أصبح واضحاً الآن أن نجاح الحراك الجزائري في إجبار بوتفليقه على الاستقالة مثل عنصراً رئيسياً في تصاعد الزخم الشعبي بين المحتجين في السودان، وبالتالي قرار الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش لمزيد من الضغط وكرسالة واضحة أن تخلي البشير عن السلطة مطلب لن يتنازل عنه المحتجون.
ويأتي اختيار السادس من أبريل/نيسان موعداً لبدء الاعتصام ذا رمزية واضحة؛ حيث يوافق الذكرى الرابعة والعشرين للتخلص من نظام جعفر نميري الدموي والذي تبعه انتخابات وحكومة اختارها الشعب.
أما عن اختيار المكان نفسه فله رمزيته أيضاً، وفي هذا السياق يقول آن لير ماهي، باحث متخصص في الشؤون السياسية في مركز إرسيم للدراسات الاستراتيجية في باريس، إن أي ثورة شعبية لابد لها من مقر أو نقطة انطلاق مكانية، وقد بحث السودانيون طويلاً حتى اهتدوا لمقر قيادة الجيش، الذي يمثل أيضاً تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية التابعة للبشير، بحسب موقع قناة فرانس 24.
إلى أين تتجه الأمور؟
من الواضح أن إجابة هذا السؤال تعتمد بشكل أساسي على موقف قيادة الجيش السوداني.
المؤشرات حتى الآن تبدو جيدة، لكنها ليست حاسمة، فعدم استخدام الجيش القوة ضد المعتصمين أمام مقر القيادة يعد أمراً جيداً للمتظاهرين، حيث إن الاعتصام في حد ذاته يهدف إلى الضغط على قيادة الجيش لإقناع البشير بالتخلي عن السلطة.
في ذات السياق، يأتي إصدار سفارات الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج في السودان بياناً مشتركاً، الثلاثاء، طالبت فيه السلطات السودانية بتقديم "خطة للانتقال السياسي تحظى بمصداقية"، بحسب صحيفة الرأي السودانية.
"آن الأوان للسلطات السودانية لكي ترد على هذه المطالب الشعبية بطريقة جدية وتحظى بمصداقية"، مضيفاً ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والتوقف فوراً عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين.
وعقب صدور البيان عن سفارات الدول الغربية، صدر بيان آخر من الشرطة السودانية، يؤكد فيه "ضرورة احترام التجمعات السلمية"، بحسب موقع قناة سكاي نيوز عربية.
كل هذه مؤشرات تصب في إمكانية تكرار ما حدث في الجزائر حتى الآن، بمعنى أن يتم إجبار البشير على التخلي عن السلطة، ولا يتبقى لضمان هذا السيناريو سوى إعلان صريح من قيادة القوات المسلحة السودانية بهذا الصدد.