تنحَّى بوتفليقة فتشجع السودانيون.. أفراد من الجيش يحمون المتظاهرين، فهل اقتربت النهاية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/09 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/09 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
من تظاهرة سابقة أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم/ رويترز

وصلت الاحتجاجات في السودان إلى مرحلة جديدة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، إذ تظاهر عشرات الآلاف من المحتجين أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة السودانية الخرطوم للمطالبة برحيل الرئيس عمر حسن البشير، المستمر في الحكم منذ ثلاثة عقود.

وفي خطوةٍ قد تشير إلى تطور كبير، بدا أن بعض الجنود يدعمون المظاهرات. إذ قال ثلاثة متظاهرين عصر يوم أمس الأحد 7 أبريل/نيسان، إنَّ الجنود حموا المحتجين من قوات الأمن الأخرى التي كانت تعتزم تفريقهم.

وبحسب صحيفة The New York Times الأمريكية فقد قال شهود عيان إنَّ المظاهرات شهدت إطلاق نار، مرة واحدة على الأقل، حين اشتبك رجال يرتدون الزي العسكري مع بعضهم البعض، بسبب ميل بعضهم إلى قمع المتظاهرين وميل البعض الآخر إلى حمايتهم.

في عطلة نهاية الأسبوع اكتسبت التظاهرات زخماً

يُذكَر أنَّ الاحتجاجات بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسط نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، وسرعان ما أصبحت حركةً جماهيرية في جميع أنحاء السودان، وتوحَّدت على مطلب تنحي البشير. وفي عطلة نهاية الأسبوع، اكتسبت المظاهرات زخماً مع تجمُّع عدد كبير من المتظاهرين أمام مقر قيادة الجيش.

جديرٌ بالذكر أنَّ مقر إقامة البشير في الخرطوم يقع في المجمع العسكري نفسه الذي يضم مقر قيادة الجيش. وقدَّر منظمو الاحتجاجات أنَّها ضمَّت مئات الآلاف من الأشخاص، متجاوزةً بذلك المظاهرات السابقة.
وكانت المنطقة تستعد يوم أمس لرد البشير على هذه المظاهرات.

والتقى البشير بأعضاء مجلس الدفاع والأمن الوطني التابع له، وفقاً لوكالة السودان للأنباء الحكومية، التي قالت إنَّ المجلس اتخذ خطوات للحفاظ على السلام والأمن. وأضافت أنَّ الحكومة حريصة على إجراء محادثات مع جميع الأطراف لتحقيق إجماع وطني.

قبضة البشير على السلطة أقوى من بوتفليقة لكن موقفه يضعف تدريجياً

تأتي الاحتجاجات الأخيرة في السودان بعد مرور أقل من أسبوع على موافقة الرئيس الجزائري المريض عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي، وسط مظاهراتٍ حاشدة كانت سلمية إلى حد كبير.

وصحيحٌ أن قبضة البشير على السلطة تُعتبر أقوى بكثير من قبضة بوتفليقة، لكنَّ موقفه بدا أنَّه يضعف إلى حدٍّ ما في عطلة نهاية الأسبوع مع تزايد الاحتجاجات. وبدت الحكومة متخبطة بشأن كيفية الرد.

وفي السياق نفسه، هناك مزيجٌ من البهجة والقلق بين صفوف المتظاهرين والناشطين وسط حديثٍ عن حملة قمع قادمة.

إذ قال إبراهيم طه أيوب، الذي كان وزير الخارجية السوداني في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، في إشارةٍ إلى مظاهرات نهاية الأسبوع الماضي: "كانت هذه ضربة قوية للحكومة".

وأضاف أيوب، الذي شارك في الاحتجاجات مراراً في الأشهر الأخيرة، أنَّه يتوقع أنَّ بعض قوات الأمن تنتظر فرصةً، أو إذناً من الحكومة، لمهاجمة الحشود أمام مقر قيادة الجيش.

قوات الجنجويد تظهر في الخرطوم

ومن العلامات المثيرة للقلق التي ظهرت زيادة وجود عناصر الجنجويد في الخرطوم، وهي ميليشيات سيئة السمعة يُقال إنَّها ارتكبت فظائع في الصراع الذي شهده إقليم دارفور. وقد أعادت الحكومة السودانية تشكيلهم باعتبارهم قوات دعم سريع.

إذ قال أحد الأطباء في منتصف العشرينيات من العمر، شارك في الاحتجاجات يومي أمس وأول أمس ولم يرغب في الكشف عن هويته بتفصيلٍ أكبر، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة: "الجنجويد يدخلون المدينة".

وقال إنَّ الجنجويد كانوا يفتشون الناس والمركبات عند نقاط التفتيش التي أقيمت نهاية الأسبوع بحثاً عن الماء والغذاء في استعراضٍ لقوتهم، وسعياً منهم لمنع وصول الإمدادات إلى المحتجين.

وحاول البشير في الأعوام الأخيرة تحسين موقفه في الغرب. وفي عام 2017، وافقت الولايات المتحدة على رفع العقوبات المفروضة على السودان، استناداً إلى تغيرات كثيرة واعدة. ووافق السودان على عدة أمور، مثل عدم الدخول في صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، وتقليل تدخله في شؤون جنوب السودان، الذي صار دولة مستقلة في 2011 بعد حرب أهلية طويلة.

لكن تخفيف العقوبات لم يمثل حلاً للمشاكل الاقتصادية في السودان

قال الناشط حافظ محمد في مكالمة هاتفية من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: "لا يوجد شيء في السودان".

ماكينات الصراف الآلي ليس بها أموال، وأصحاب المعاشات عاجزين عن سحب المال من المصارف. طوابير الخبز يمكن أن تستمر لساعات، وأحياناً لا يكون هناك شيء يمكن شراؤه. أضاف محمد: "إذا كان لديك المال، فلن يكون هناك الدقيق الكافي ليخبزه الخبازون".

كان سعر الخبز هو ما ساعد في إثارة الاحتجاجات الأولى في مدينة عطبرة خلال تظاهرات 19 ديسمبر/كانون الأول، التي انتشرت بسرعة في أنحاء السودان بالرغم من جهود قمعها التي كانت قاسية في أحيان كثيرة.

وعلى مدار الأشهر الثلاثة التالية، قتل 60 متظاهراً، وأعلن البشير في فبراير/شباط عبر بث تلفزيوني حالة طوارئ، وحل الحكومة الاتحادية واستبدال قادة عسكريين بحكام الولايات.

استمرت الاحتجاجات، لكن البشير بدا لبعض الوقت قادراً على إبطاء وتيرة الزخم المحيط بها. فأُجبر المحتجون على التراجع، غير أن أمس الأول السبت 6 أبريل/نيسان كان المتظاهرون قادرين على الاقتراب من مقار الجيش، وواجهوا مقاومة أقل بكثير من المتوقع. ومع تواصل الاحتجاجات حتى أمس الأحد، انضم آلاف المواطنين مما زاد من أعدادها.

كان هناك بعض العنف، إضافة إلى تقارير تفيد بوقوع خمسة وفيات مرتبطة بالاحتجاجات، وتركزت تلك الحالات في الخرطوم وكانت في الغالب نتيجة لإطلاق النار.

ومع ذلك، قال النشطاء إن الاحتجاجات قوبلت بعنف أقل مما توقع البعض، وإن المزاج العام بين المحتجين كان مبهجاً. ووجد بعض المحتجين أنه بمجرد اقترابهم من مقار الجيش، دافع عنهم بعض الجنود.

وقال مشارك في الاحتجاجات يدعى السموأل لم يذكر اسمه الثاني: "أفراد الجيش يحموننا من المؤسسات الحكومية الأخرى".

وأضاف السموأل (32 عاماً) الذي يعمل في مجال المبيعات، في مكالمة هاتفية، أنه شاهد جدالاً بين جنود بملابس رسمية وضباط من جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

وأوضح: "كان بعض أفراد جهاز الأمن يحاولون منع الناس من الوصول إلى هذه المنطقة، لكني شاهدت جنوداً يخبرونهم ألا يتعرضوا للمحتجين، وأنهم سوف يذهبون في سلام، وأن يتركوهم يذهبوا".

"تسقط بس"

بينما كان السموأل يتحدث، كانت أصوات المحتجين مسموعة وهم يرددون شعار "تسقط بس"، الذي يقصدون به البشير.

قال متظاهران، بينهما طبيب في منتصف العشرينيات من عمره، إنهما شاهدا إطلاق النار بينما كان الجنود يعترضون نوايا قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني لتفريق المتظاهرين. ولكن لم يكن واضحاً درجة الرتب التي قدمت الدعم، أو على الأقل تعاطفت مع المتظاهرين.

وفي مكالمة هاتفية، قال أيوب، وزير الخارجية السابق: "من المؤكد أن قادة الجيش يدعمون الرئيس، لكننا نعتمد على الجنود العاديين وأصحاب الرتب المتوسطة".

وقد أفادت وكالة الأنباء الرسمية بأن وزير الإعلام السوداني حسن إسماعيل، وهو المتحدث الرئيسي باسم الحكومة، أدان الطريقة "التي تعاملت بها القوات النظامية مع المتظاهرين الذين تجمعوا أمام (مقار) القيادة العامة للجيش".

تحميل المزيد