في ظل غياب الشفافية من جانب ساكن البيت الأبيض وزائره الرئيس المصري، يصبح توقيت الزيارة واللقاء بينهما الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2019، المفتاح الأبرز لاستكشاف ما سوف يتناقش فيه الرجلان فعلياً، في ظل التزامن مع أحداث محلية في كلا البلدين وإقليمية تساعد في محاولات فهم ما قد يكون على طاولة اللقاء.
نبدأ من المنشور على لسان المسؤولين في البلدين حول "الأجندة الرسمية" للزيارة، فالبيت الأبيض قال في بيان رسمي إن لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي سيركز على بناء مزيد من التعاون "العسكري والاقتصادي ومكافحة الإرهاب" بين واشنطن والقاهرة.
على الجانب المصري، وبحسب جريدة الأهرام الرسمية، المناقشات بين السيسي وترامب ستتناول الحرب ضد داعش في سيناء والتوصل لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين.
التعديلات الدستورية وحقوق الإنسان
لكن بعيداً عن التصريحات الرسمية، هناك ملفات ستكون بالقطع حاضرة مثل حقوق الإنسان في مصر والتعديلات الدستورية التي سيصوت عليها المصريون أواخر أبريل/نيسان الجاري، وفي هذا السياق نقلت رويترز عن "مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته"، أن "الرئيسين سيناقشان أيضاً تطور المجتمع المدني في مصر والطريقة التي تُعامل بها الأقليات الدينية بما فيها المسيحيون في البلاد، في إشارة لمخاوف مايك بنس نائب الرئيس".
أما عن التعديلات الدستورية التي تهدف إلى بقاء السيسي في منصبه حتى عام 2034 على الأقل، من خلال ما يسمى "إصلاحات دستورية، وما إذا كان ترامب يدعم هذه الخطوة، قال المسؤول نفسه لرويترز إن الإدارة "تشجع مصر على تطوير مؤسسات ديمقراطية مع مراعاة المصالح الأمنية الأمريكية. وقال المسؤول "الرئيس ينظر للعلاقة مع مصر مثلما يفعل في كل علاقاتنا مع دول أجنبية.. من خلال منظور أمريكا أولاً وما يخدم مصلحتنا".
فيما يتعلق بحقوق الإنسان في مصر، ورغم محاولات الجماعات الحقوقية سواء في واشنطن أو في مصر للضغط على الإدارة لجعل المساعدات الأمريكية مشروطة بإحراز تقدم في ملف الحريات والتوقف عن استهداف المعارضين، نجد أن إدارة ترامب وضعت بنداً في ميزانية 2020 يبقي على تلك المساعدات دون شروط مما يعني أن ترامب يريد أن تظل العلاقات مع السيسي كما هي دون تغيير، بحسب تقرير للسي إن إن.
وبحسب نفس التقرير، لا يبدو أن ترامب سيتطرق إلى التعديلات الدستورية، على أساس أن ما يعني الرئيس الأميركي هو فرض أجندته الخاصة بالشرق الأوسط وأهمها ضمان تنفيذ ما يعرف "بصفقة القرن" والتي من المنتظر أن يتم الإعلان عنها قريباً، وربما بعد ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تجري اليوم مباشرة، إضافة للتأكيد على الرئيس المصري أن شراء أسلحة من روسيا قد يعرض مصر لعقوبات.
خاشقجي مصري؟
في ذات السياق، وتأكيداً على سيناريو تجاهل ترامب لملفي حقوق الإنسان والتعديلات الدستورية حتى لا يحرج الرئيس المصري (الذي قال ترامب أنه يقوم "بعمل رائع في مصر" في لقائهما الأول بالمكتب البيضاوي في أبريل/نيسان 2019، نشر موقع معهد السياسة الخارجية تقريراً عن الأمريكية إبريل كورلي التي تعرضت لإصابات بالغة ومات صديقها في هجوم بطائرات مصرية على موكب مجموعتهما السياحية في صحراء مصر الغربية، حيث ظنت القوات المصرية أن الحافلة تحمل إرهابيين من داعش، على أمل أن يفتح ترامب موضوعها مع السيسي.
التقرير توصل لنتيجة أن ترامب إن تطرق لموضوع كورلي فسيكون في سياق "فردي ودي كطلب من صديقه السيسي أن يجد حلاً لتعويضها، وليس في السياق الأكبر وهو عدم احترام حقوق الإنسان في الحرب على الإرهاب. ودلل التقرير على حالة المواطنة المصرية حاملة الجنسية الأمريكية أمل حجازي التي كانت محتجزة في السجون المصرية منذ 2014 وأفرج عنها السيسي بعد تدخل ترامب في لقائهما الأول في 2017.
"في هذا الإطار يفضل ترامب وإدارته الحفاظ على العلاقات الدافئة مع السيسي من أجل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وفرض أجندة ترامب في المنطقة على التطرق لانتهاكات حقوق الإنسان والممارسات غير الديمقراطية،" بحسب تقرير موقع السياسة الخارجية الذي شبه ما حدث مع كورلي على يد نظام حليف لترامب، بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي عملاء للنظام السعودي الحلف الآخر في المنطقة.
صفقة القرن أوشكت؟
وصف تقرير لصحيفة واشنطن تايمز الأمريكية زيارة السيسي بالزيارة التي "طلبها السيسي بإلحاح" على أمل إضفاء مستوى جديد من الشرعية على بقائه في السلطة بفعل التعديلات الدستورية، وأضاف التقرير أنه على الرغم من تشكك المحللين بشأن توقيت الزيارة ونوايا ترامب من "منح السيسي إياها" في خضم الاستهداف المنظم للمعارضين للتعديلات، هناك إجماع على أن ترامب سيحافظ على دعمه المطلق للسيسي في إطار رؤية الرئيس الأمريكي للمنطقة والمصالح الأمريكية فيها.
يأتي في هذا السياق، الموضوع الآخر الذي أعلن رسمياً من الجانبين عن وجوده على أجندة لقاء ترامب والسيسي وهو ما يعرف بملف الشرق الأوسط، أو اختصاراً بصفقة القرن، يطرح توقيت الزيارة بشأنه سؤال هام وهو هل اقتربت اللحظة الحاسمة؟
فتزامن الزيارة مع الانتخابات الإسرائيلية والإعلان المتكرر عن الكشف عن صفقة القرن في أبريل/نيسان، يكشف عن ملامح ما يريده ترامب من السيسي في هذا الملف، خصوصاً وأن ما قام به ترامب من الإعلان عن ضم الجولان لإسرائيل بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس يجعل من الحديث عن "صفقة" يقبل بها الفلسطينيون أمراً عصياً على الفهم، لو أضفنا له الحديث صراحة عن ضم الضفة الغربية لإسرائيل قريباً.