سيناريو معقد.. ماذا لو تعرضت حاملة طائرات أمريكية للهجوم؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/06 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/06 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
مقاتلات أمريكية من طراز f 16/ رويترز

في واحد من أكثر السيناريوهات العسكرية تعقيداً، نشرت مجلة National Interest الأمريكية، تحليلاً كتبه روبرت فارلي أستاذ زائر بالكلية الحربية بالجيش الأمريكي، تناول فيه إمكانية تعرض حاملة طائرات أمريكية للهجوم، وما يمكن أن يؤدي إليه مثل هذا الهجوم الذي لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

منذ خمسينيات القرن الماضي تمثل الناقلات الحربية البحرية الأميركية أبرز تمثيل للقوة العسكرية والهيمنة البحرية الأمريكية، وعلى الرغم من أن تلك الناقلات الفائقة قد شاركت تقريباً في كل نزاع حربي منذ بدء استخدام المدمّرة الأميركية فروستال في العام 1955، لم تتعرَّض أي ناقلة طائرات لهجومٍ قويّ من خِصم ذي كفاءة، ويرجع ذلك جزئياً إلى صعوبة مهاجمة الناقلات الفائقة، ولكن هذا ليس السبب الوحيد، فالعظمة الرمزية للسفن العملاقة لها دورٌ أيضاً؛ فلا أحد يريد أن يعرف ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المُتحدة الأمريكية إذا هوجِمت إحدى ناقلاتها البحرية العسكرية.

وهذا السؤال قد طُرِح على الساحة قبل عدة أشهر، ماذا سيحدث إذا هاجم خِصمٌ حاملةَ طائرات تابعة لسلاح البحرية الأمريكية أثناء نزاعٍ؟ وكيف ستتعامل أمريكا مع ذلك وكيف سترد؟

كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

الظروف مهمة بشكل واضح في تصور سيناريو يحدث خلاله شنِّ هجوم ناجح على حاملة طائرات أمريكية بشكل غير متوقّع، من بلدٍ يُشارك في نزاع مسلح، لأن مثل هذا الهجوم سيؤثر على آراء النخبة والشعب في الولايات المتحدة، والذين سيحرِّكون الدعوات إلى الانتقام الشديد، فهجوم كهذا -في ضوء أزمةٍ- قد لا يبدو عداءً غير مألوف، ومع ذلك، فإنه أيضاً سيحرِّك المطالبات بردِّ فعلٍ قاس.

فوقوع هجوم خلال عداءٍ مُحتدمٍ يعد تصعيداً كبيراً، لكنه من غير المُرجّح أن يُثير رد فعل شعبي غاضباً، أما الأمر الأكثر تدميراً على الإطلاق هو أن يقع هجوم من "جهات فاعلة مسلحة من غير الدول" ليُسفر عن خسائر كبيرة و/أو عن تدمير حاملة الطائرات، وهذا بلا شك سيؤجج الرأي العام الأمريكي في حين أنه لن يكون لدى الولايات المتحدة مسار واضح للرد أو الانتقام.

سيناريوهات التصعيد أثناء النزاعات

قد لا يُمثِّل الهجوم على إحدى ناقلات الطائرات الأميركية، في سياق أي نزاع مسلح، بالضرورة تحدِياً قانونياً؛ فإن حاملات الطائرات هي أسلحة حرب مُعرَّضة للهجوم شأنها شأن أي سلاح آخر. ولكن كما يشير المحللون العسكريون على مدى قرنين على الأقل، تختار البلدان مُستويات تصعيدها بعناية شديدة. ومُعظم الحروب هي حروب محدودة؛ وفي الحروب المحدودة، يدرك الجنرالات والسياسيون الأهمية السياسية للأهداف التي يختارونها، وبالتالي، تظل بعض الأهداف خارج إطار المحدودية بالنسبة للبلدان التي تُريد أن تظل الحرب "محدودة"، حتّى وإن كانت تلك الأهداف تمثّل مساهمة ملموسة في إدارة النزاع.

ولبعض الوقت، كانت الولايات المتحدة تنعم بتصوُّر "عدم المساس" الذي يحيط بأصولها العسكرية الأعزَّ والأغلى والأكثر فاعلية. وحتى في وجود قوات بحرية وجوية تقليدية، تعد مهاجمة حاملة طائرات فائقة مُهمّة شبه مستحيلة، وقد حاول الاتّحاد السوفيتي، على مدار عقود، تطوير أسلحة وتكتيكات مُضادة للناقلات الحربية، وهي أحد المساعي التي تعكف عليها الصين في الوقت الحالي. ولكن حاملات الطائرات لها أهمية رمزية أسطورية تقريباً؛ سواء في الرأي العام أو على صعيد الصورة الذاتية للبحرية الأمريكية. ولم تشن أي دولة هجوماً حازماً ضد حاملة طائرات تابعة لسلاح البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.

ويتطلَّب شن هجوم على تلك الناقلات قراراً سياسياً على أعلى مستوى، والسلطات السياسية والعسكرية العليا قد تفضّل ببساطة تدمير ناقلةٍ كي تبعث برسالة إلى أمريكا بشأن قابلية التعرُّض للأذى، مما قد لا يؤدي بالضرورة إلى مقتل أعداد كبيرة من أفراد القوات الأمريكية، ومع ذلك، فإنه من الصعب على أي شخص أن يضمن حدود الضرر إذا ما أسفر "الهجوم المحظوظ" عن تدمير الناقلة، وتحمُّل مسؤولية شن هجوم على إحدى الناقلات يصاحبه بالضرورة احتمالية إغراقها.

تحمل الناقلة الحربية الأمريكية يو إس إس نيمتز نحو 6000 فرد من العسكريين الأمريكيين، وتمثّل ذُخراً هائلاً من الكنز الأمريكي، ومهاجمتها يُعرّض هذا الإنفاق والكنز للخطر، لكنه أمر محفوف بالمخاطر بالتأكيد؛ فإن غرق ناقلة حربية أمريكية سيتسبب في خسائر تتجاوز الخسائر الكلّية التي أسفرت عنها حرب العراق خلال دقائق معدودة. وعندما تغرق السفن، فإنها تأخذ معها كل طاقمها تقريباً إلى نفس المصير؛ على سبيل المثال، غرق 1415 فرداً من أفراد طاقم الناقلة الحربية الإنجليزية إتش إم إي هود من أصل 1418 كانوا على متنها في عام 1941.

وفي الواقع، تكون أهداف شن هجوم على ناقلة حربية متعلّقة بالقدرات العسكرية للولايات المُتحدة، والرأي العام، ورأي النخبة (التي يمكن تعريفها بأنها تشمل القادة العسكريين والمدنيين). وستكون القيادة السياسية والعسكرية للعدو في حاجة للاعتقاد بأن مهاجمة الناقلة الحربية هو أمر ذو جدوى عسكرية، وأنه سيؤدّي إلى المزيد من الأهداف التشغيلية والاستراتيجية، وأن الردود الأمريكية المُحتملة يمكن التعامل معها من الناحية العسكرية والسياسية.

وعلى المستويين التشغيلي والاستراتيجي، ليس من الصعب تخيُّل سياق يؤدّي فيه إتلاف أو تدمير أو ردع ناقلة حربية إلى نجاحٍ عسكري، فهذا يعني تعطيل الطائرات الحربية من طراز F/A-18 أو F-35 مما يسهل مهمة القوات العسكرية الميدانية، أما على الجانب الاستراتيجي، يبعث الهجوم رسالة جدّية الالتزام بالنزاع، بينما يخلق حالة خوف من التعرّض للأذى في أميركا.

كما أن تدمير أو إغراق ناقلة طائرات سيجعل تكاليف الحرب واضحة للأميركيين، وقد يُثنيهم عن المزيد من الصراع. وأخيراً يجب أن يأخذ قرار التصعيد ردَ الفعل الأميركي المُحتمل على محمل الجدّ، ليتضمّن ذلك احتمالية عدم التصعيد من جانبها أو التأكّد من أن أي ردِ ستتخذه أمريكا يمكن التعامل معه بشكلٍ فعال.

الأثر المتوقع لهكذا هجوم

يعتمد الأثر في مُعظمة على فعالية الهجوم؛ وحتّى المحاولات الفاشلة لشنّ هجوم على ناقلة عملاقة (عن طريق غوّاصة يتم اعتراضها أو صواريخ باليستية تفشل في الوصول إلى هدفها على سبيل المثال) قد تحمل معها مخاطر التصعيد، على الرغم من أنّها أيضاً ستشير إلى جدّية مقاصد واضعي السياسة الأمريكية.

وسيكون التأثير العسكري لنجاح هجومٍ على ناقلة حربية مُباشراً؛ فأي قذيفة صاروخية تتسبب في إغراق ناقلة الطائرات أو تُعتبر "بعثة قتل" من شأنها إلحاق الأذى بالطائرات المحمولة على متن المركبة ستؤثّر بشكل كبير على العمليات الأمريكية، حيث يعيق ذلك الناقلة عن مواصلة القتال أو يمنع أمريكا من نشر حاملات طائرات أخرى في المنطقة.

ويمكن لسلاح البحرية الأمريكي نشر عدد محدود فحسب من ناقلات الطائرات في أي وقت محدد. وفي آونة الأزمات، بإمكان القوّات تغيير أماكن ناقلات الطائرات وتشغيل سفن إضافية. ولكن ضرب ناقلة طائرات حربية يعصف بحوالي 10% من قوّة الطيران البحرية الأمريكية. ولدى الولايات المُتحدة خيارات أخرى (مثل الصواريخ من البرّ أو الصواريخ المبرمجة أو سفن الهجوم)، ولكن في الكثير من السيناريوهات، قد يكون لإضرار أو إغراق ناقلة تأثير هائل على التوازن العسكري.

ومع ذلك، قد لا تؤدّي بالضرورة ما يُطلق عليها "بعثات القتل" -والتي تُلحق الأذى بالمركبة أو ما عليها- إلى تأجيج الرأي العام الأمريكي، حتّى أنها قد تخلق شعوراً بالتهديد بين الشعب الأمريكي. وربما يكون الأمر الأكثر أهمّية هو أن مثل هذا الهجوم قد يجعل صانعي السياسة الأمريكية (الذين هم أكثر كراهية لخسائر الحرب من الشعب الأمريكي) يتوقّفون على تكاليف وفوائد التدخّل العسكري.

الهجوم الذي قد يُغرق حاملة طائرات ويُسفر عن خسائر فادحة، قد يتسبب -على الجانب الآخر- في مطالب بالانتقام بغضّ النظر عن الظروف المُحددة للهجوم. إلا أن هذا قد يضع صُنّاع القرار في الولايات المتُحدة الأمريكية في موقفٍ حرجٍ؛ بالحاجة إلى التصعيد بدون القدرة على استخدام بعض الخيارات العسكرية الأكثر فتكاً في جُعبة الولايات المُتحدة.

ولكن مُجدداً، سيواجه المُهاجم مخاطر جسمية؛ فإن إتلاف أو إغراق ناقلة حربية قد يسفر عن التزام أقوى بالقتال من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن قرار تصعيد رأسي (عن طريق استخدام أسلحة إضافية) أو أفقي (عن طريق توسيع النطاق الجفرافي للقتال). وسيكون إغراق حاملة الطائرات حينها وسيلة فعالة لتحويل النزاع من حرب محدودة إلى حرب شاملة، لذا فالقليل جداً من البلدان قد تفكّر بجدّية في شن حرب كبرى ضد الولايات المتحدة.

الخلاصة

ليس من المُحتمل أن يُقرر أي خصمٍ مهاجمة ناقلة طائرات عملاقة تابعة لسلاح البحرية الأمريكي مُصادفةً.، فشنّ هجومٍ ضد حاملة طائرات يمثِّل قراراً سياسياً-عسكرياً عميقاً لتصعيد النزاع. ومن غير المُرجّح أن يتّخد قائدُ تكتيكي (أحد القادة الفرعيين على سبيل المثال) مثل هذا القرار بمفرده أو بمفردها. وإذا حدث مثل هذا الهجوم خلال صراع أو أزمة، سيتيعّن إذاً على صانعي السياسة لدى جانبيّ النزاع (ناهيك عن باقي العالم) أن يتّخذوا أنفاساً عميقة ويُفكّروا مليّاً بشأن الخطوات التالية.

تحميل المزيد